جلسَ راني معَ والدهِ ودارَ الحديثُ بينهما . قال راني: يا أبي عندي أسئلةٌ كثيرةٌ في فِكري تـُحَيـِّرُني وأريدُ تفسيرا ً لها . هل عندكَ أجوبةٌ لها ؟ الأبُ: وما هي أسئلتـُكَ يا آبني ؟
راني : هذه الشـّجَرَةُ يا أبي! شَجَرَةُ الـْمِشمش ِ الـّتي في الـْحديقـَةِ , كانت قبلَ أربع ِ سنواتٍ صغيرة ً جِدّا ً . والـْيومَ أراها كبيرَة ً . فكانت كـُلـّما كـَبُرْتُ سَنـَة ً أراها كـَبُرَتْ معي . فكيفَ يكونُ هذا !؟ الأبُ : لأنّ الشـّجرة َ يا ابني هيَ كائِنٌ حَيٌّ. وكـُلُّ الكائِناتِ الحَيَّةِ تنمو وتكبُرُ مِثلَ الإنسان ِِ .ولهذا فهيَ تحتاجُ للـْغذاءِ والـْماءِ , والشـَّمس ِ والـْهَواءِ حتـّى تنمو . وإذا مُنِعَتْ مِنها تـَجِفُّ وتـَموتُ .
راني : إذا ً النـّّباتُ يَحيا مِثـْلَ الإنسان ِ ويكبُرُ !؟
الأب : طبعا ً يا ابني . وهذِه الشـّجَرَة ُ كانت بـِذرَة ً في الأصل ِ , زَرَعْتـُها في الأرض ِفـَمَدَّتْ جُذورَها في التـُّرابِ , ثـُمَّ شـَقـَّت سَطـْحَ الأرض ِ وخـَرجَ منها ساقٌ . بدأ ينمو ويطولُ سَنـَة ً بعدَ سنةٍ حتـّى أصبحَ جِذعا ً يحملُ الفـُروعَ والأغـْصانَ , وبعدَها ظهَرَتِ الأوراقُ . ثـُمَّ أزْهَرَت وأثمَرَتْ. تماما ً مِثلَ الإنسان, وهُوَ في بطن ِ أمِّهِ كانَ جنينا ً , ثـُمَّ بدأ ينمو ويكبرُ حتـّى خرجَ من بطن ِ أمّهِ واستمَرَّ في نـُمُوِّهِ حتى أصبح كبيراً .
راني : ولماذا لا أرى الحجَرَ الذي في الـْحديقةِ يكبُرُ ؟ مع أنـَّّكَ تسقي الحديقة َ وتـُسَمِّدُها ؟
الأبُ : الـْحجرُ يا ابني هُوَ جَمادٌ , لا يأكلُ ولا يشرَبُ ولا يتنفـَّسُ مِثلَ النـّباتِ . فـَلا حياة ً فيهِ . لهذا لا يكبُرُ .
راني : ولماذا لـَوْنُ وَرَق ِ النـَّباتِ وَالشـَّجرِ أخْضَرُ وليسَ أحِمَرُ أو أزرقُ أوْ أيُّ لون ٍ آخَرَ ؟
الأبُ : لأنّ اللـّوْنَ الأخضرَ تكتسِبـُهُ الأوراقُ مِن أشِعَّةِ الشَّمس ِ ويُسَمَّى كلوروفيل , وهي مادّة ٌ خضراءُ موجودة ٌ في الأوراق ِ , وتتكـَوّنُ عِندَ طـَبْخ ِ الأوراقِ لِلـْغذاءِ على حرارَةِ الشـَّمس ِِ , وبِدونها تـَصْفـَرُّ الأوراقُ وتـَيْبَسُ . تماما ًمِثلَ الدّمِ الموجودِ في عُروقِنا الـّذي يُلـَوِّنُ خـُدودَنا باللـَّون ِِ الأحمرِ . وبدونهِ لا يعيشُ الإنسانُ .
راني : أفـْهَمُ من هذا أنَّ الشـَّمسَ ضرورية ٌ للنـّباتِ ؟
الأبُ : طبعا ً يا ابني . وللتـَّأكـُّدِ من ذلِكَ , سَأزرعُ لكَ بَصَلتـََيْن ِ في زُجاجَتـَيْن ِ , وأضعُ واحدة ً على شُبّاكِ الـْغُرفـَةِ لتـَرى نورَ الشـّمس ِ . وأضَعُ الثـّانية َ في الـْخِزانـَةِ واقـْفِلُ عليها , حَتـّى لا ترى النـّورَ . وسَنـََرى بَعْدَ أسْبوعَيْن ِ ماذا سَيَحصَلُ لهُما ؟ بَدَأ راني يُراقِبُ الْبَصَلة َ التي وُضِعَتْ على الشـُّباكِ , فَرَآها تنمو يوما ً بعدَ يوم ٍ ويَطولُ ساقـُها وأوراقـُها , وهي تـَزْهو بلونِها الأخضَر ِ.
وبَعْدَ أسبوعَيْن ِ, فتحَ راني الـْخِزانة َ لِيَرى الـْبَصَلـَة َ الثـّانية َ فـَتـَفاجَأ عندَما رَآها صَفراءَ مُنحَنِيَة ً. فقالَ : ألآنَ تـَأكـَّدْتُ يا أبي أن الشـّمسَ ضرورية ٌ للنـّباتِ وهي الـّتي تـُكسِبُهُ اللـَّوْنَ الأخـْضَرَ, أثناءَ عمليةِ طـَبْخ ِ الأوراق ِ للغذاء . ولكِن عندي سؤال ٌ آخـَرٌ: الإنسانُ عندَما يتعَبُ يَنامُ لِيَستـَريحَ على سَرير ٍ أو على الأرض ِ . ولماذا لا أرى الشـَّجرة َ تنامُ طولَ أيام ِ عُمرِها !؟
الأبُ : ألشَّجرَة ُ يا ابني تـَنامُ واقِفـَة ً . لأنـّها ثابـِتـَة ٌ في الأرض ِ بواسطةِ الجذور ِ . ولا تستطيعُ أنْ تـَحْني جِذعَها . فهي قـَوِيَّة ٌ جِدّا ً . حتـّى الرِّياح لا تـَسْتـَطـيعُ قـَلـْْعَها .
راني : إذا ً لهذا السَّببِ وُجِدَتِ الـْجُذورُ ؟
الأبُ : هذا صَحيحٌ . وَوَظيفـَتـُها أيضا ً امْتِصاصُ الـْغِذاءِ والـْماءِ منَ التـُّّرابِ .
راني : والسُّؤالُ الآخـَرُ هُوَ : لماذا أرى أشجارا ًخـَضراءَ طِوالَ السَّنةِ وأخرى تـَصْفـَرُّ في الخـَريفِ لِتـُصْبـِحَ عارية ً ؟
الأبُ : هذا حَسَبَ نـَوْع ِ الأشجارِ . فـَإذا كانت جُذورُ الأشجارِ عميقـَة ً ومُتـَشـَعِّبَة ً في الأرض ِ , فهـِيَ تـَستـَطيعُ آلـْوُصولَ إلى آلمِياهِ الـْباطِنِيَّةِ والـْيَنابيع ِ , فـَلا يُصيبُها الـْعَطـَشُ . والسَّبَبُ الثـّاني نـَوْعيَّة ُ الأوراق ِ . فالأوراقُ الـَّتي يكونُ سَطحُها الـْعُلـْوِيُّ أمْلـَسا ً ولامِعا ً , تـُحافِظ ُ على لـَوْنِها الأخضرِ , لأنـَّها تحفـَظ ُ نفسها منَ الرِّياح ِ ومن الجفافِ , ومن أشِعَّةِ الشـّمس ِ الـْحارِقةِ , فتبقـَى طريَّة ًنـَضِرَة ً مِثلَ أشجارِ الزّيتون ِ والـْحِمضيّاتِ وآلصَّبْرِ وآلصَّنـَوْبَرِ . وَلِهذا سُمِّيَتْ بالأشجارِ الدّائِمَةِ الخـُضرَةِ . لأنَّ أوراقـَها تبقى خضراءَ طِوالَ السَّنـَةِ . تماما ً كـَالإنسان ِ الـّذي يدهَنُ جِلـْدَهُ بـِكـْريماتٍ واقِيةٍ فـَيَحفظـُهُ منَ الـْجفافِ والـْحُروق ِ وَيبقـَى جلدُهُ ناعما ً أملسا ً طـَرِيّا ً . وَهُناكَ نوعٌ آخـَرُ مِن وَرَق ِ الأشجارِ الـّتي يكون سَطـْحُها الـْعُلوِيُّ خـَشِنا ً , مِمّا يسمحُ لأشِعَّةِ الشـَّمس ِ بآختراقِها وتجفيفِ السَّوائِل ِ الموجودَةِ فيها , وبِهذا تـَذبُلُ وتـَصْفـَرُّ , ثـُمَّ تـَجِفُّ منَ العطش ِ . والسَّببُ الثـّاني لأنَّ جُذورَها قصيرة ٌ وغيرُ مُتـَشَعِّبَةٍ في الأرض ِ . ولهذا تـَعْطـَشُ وَتـَجِفُّ , فتسقـُطـُ أوْراقـُها في فصل الـْخـَريفِ وتـُصبـِحُ الشـّجَرَةُ عارِيَة ً . مِثلَ التـّين ِ والرُّمان ِ , ألـْمِشمِشَ والـْخَوْخ ِ والـْعِنـَبِ والتـُّفاح ِ . ونـُسَمّيها بالأشجارِ الـْعارِيَةِ .
راني : يا لـَهُ مِن شَرْح ٍ مُفيدٍ . ألآنَ آرْتاحَ فِكري بَعْدَ أن حَصَلـْتُ على جميع ِ الأجْوِبَةِ . والشُّكـْرَ لكَ يا أبي. لأنـَّك زَوَّدْتـَني بمعلوماتٍ جديدَةٍ لم أكـُنْ أعرفـُها مِن قـَبْل .