الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 11:01

عبدالله دعيس:الخاصرة الرخوة رواية تعري الواقع

عبدالله دعيس
نُشر: 08/01/20 23:44


صدرت رواية "الخاصرة الرخوة" للكاتب المقدسي جميل السلحوت مؤخرا عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرواية التي منتجها وأخرجها شربل الياس في 260 صفحة من الحجم المتوسط


هل حقًا معاملة النّساء غير المنصفة، وعادات المجتمع العربيّ وتقاليده التي تتعلّق بهنّ، هي الخاصرة الرخوة لهذا المجتمع، والثّغر الذي يُؤتى من خلاله؟ لا أعتقد هذا، وإن كانت بعض الممارسات الاجتماعيّة في التّعامل مع المرأة، والنّابعة في كثير من الأحيان من الثقافة الشعبيّة المتوارثة، هي إحدى مثالب المجتمعات العربيّة، ونقيصة لا بدّ لنا من التّخلّص منها، ولا بدّ من العودة إلى المنبع الصافي لثقافتها وحضارتها، ألا وهو القرآن الكريم، وسنّة الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم


تتناول رواية (الخاصرة الرّخوة) للأديب جميل السلحوت مواضيع اجتماعيّة في غاية الأهميّة

كثيرون قد يتحاشون الحديث أو الكتابة عن هذه المواضيع، ويغضّون الطرف عنها، وكأنّها غير موجودة، أو كأنّها لا تنخر النّسيج الاجتماعي كفعل السوس بالخشب، لكنّ زيارة سريعة لإحدى المحاكم الشّرعيّة، مثلا، والجلوس في قاعة الانتظار لمدة ساعة، ستجعلك تستمع للعديد من القصص التي يندى لها الجبين، وقد ترى وتسمع ما لا ترغب سماعه، وستلاحظ أن حالات الطلاق أحيانا تكون أكثر من حالات الزواج، خاصة الطلاق قبل الدخول

فلا بد أن يكون هناك أسباب كامنة وراء ذلك، ولا بدّ من التطرّق لها ومحاولة التأثير في المجتمع للحدّ منها والتّقليل من آثارها


بأسلوب قصَصيّ مشوق، ولغة سهلة سلسة، يصيغ الكاتب رواية ممتعة مفيدة، تتناول العديد من المواضيع الاجتماعيّة وتسبر أغوارها، وتعرّيها أمام القارئ، وتلفت النّظر إلى أسّ المشكلة، وتفتح طريقا نحو تجنّبها

ومن القضايا التي طرحتها الرّواية، ما يلي:
- فكرة ستر البنت بالزواج والتسرّع بتزويجها دون موافقتها أو دون اختيار الزوج المناسب لها


- المسارعة إلى عقد الزواج بمجرّد الخطوبة، دون إعطاء فرصة للخطيبين للتعارف، ممّا يجعل الخطوبة لا معنى لها


- زواج القاصرات


- اعتبار الشرف ينحصر في غشاء البكارة للأنثى


- التعصّب الأعمى الذي يضرّ بالعلاقة الزوجية، وبالمقابل الانفلات من القيود الاجتماعيّة والتّنكر لها


- اضطهاد النساء وحرمانهن من حقوقهن واعتبارهن خادمات لأزواجهن عليهن الطاعة دون نقاش


- العلاقة بين النساء، وبين الحماة والكنّة وتأثير ذلك على الحياة الزوجية


- انخداع بعض الفتيات ووقوعهن فريسة سهلة لبعض الفاسدين من ميسوري الحال


- وجود الشذوذ الجنسي


يقوم الكاتب بالحديث عن إجراءات الخطوبة والزّواج التقليديّة، عن طريق التفصيل في خطبة جمانة (بطلة الرّواية) وزواجها، وهو بهذا يبرز الكثير من الأمور المهمّة، ويشير إلى عدد من الثّغرات التي تحدث خلال هذه العمليّة، والتي قد تنتهي بزواج فاشل، وتجربة سيّئة للزوجة، وربما الطلاق

لكنّ هذه الإطالة في المقابل كانت على حساب عنصر التّشويق والإثارة في الرّواية


جعل الكاتب شخصيّة جمانة هي الشخصيّة الرئيسيّة في روايته، والمشاكل والصعوبات التي واجهتها في خطوبتها وزواجها وحياتها داخل البلاد وخارجها نموذجا واقعيّا لواقع المرأة في المجتمع العربيّ، ولكنّه من أجل تناول مواضيع أخرى لا يمكن إسقاطها على جمانة، ومن أجل إعطاء صور اجتماعيّة أخرى مقابلة، أدخل شخصيّات ثانويّة، مثل: عائشة، وصابرين، وكان موفّقا بهذا

إلا أن طريقة إدخال هذه الشخصيات إلى الرّواية كانت مفاجئة ودون مقدمات، فلم نسمع بعائشة إلا في صفحة 101 وبشكل مفاجئ، وصابرين في صفحة 181، وكأنّ هذه الحكايات نوعا من الاستطراد يعود بعده الكاتب إلى حكاية جمانة، ممّا شكّل إرباكا للقارئ

حبّذا لو جعل الكاتب أن هذه الشخصيّات تتفاعل مع الشّخصيّة الرئيسيّة منذ بداية الرّواية، خاصّة أن صابرين ابنة عم جمانة


والكاتب يفرّق بين بعض العادات الاجتماعيّة السائدة، والآراء الشّخصيّة التي تنسب إلى الدّين، وبين تعاليم الدّين الإسلاميّ بهذا الخصوص، لذلك نراه يورد الآراء الفقهيّة التي تتعلّق بهذه المواضيع من خلال الحوار بين الشّخصيّات

وقد وفّق الكاتب بهذا؛ فكثيرون يستشهدون ببعض التّصرّفات الفرديّة أو بعض الآراء الفقهيّة المرجوحة، للطعن في المعين الصّافي لحضارتنا وتراثنا، ويقارنون بيننا وبين بعض المظاهر الاجتماعيّة الغربيّة، متناسين، الظلم الاجتماعي الثقيل الواقع على المرأة الغربيّة، والذي تشهد عليه الإحصائيّات والمظاهر الاجتماعيّة عندهم

لا ننكر وجود التّمييز والظلم للمرأة العربيّة، ونطمح أن نتخلّص من بعض هذا الأرث المرفوض، لكنّ المرأة العربيّة رغم كلّ هذا لها مكانتها الاجتماعيّة التي لا تحصل عليها النّساء في أيّ مجتمع آخر

أمّا الظلم الواقع عليها، فهو جزء من الظّلم الواقع على المجتمع بأسره، والذي يقبع تحت سوط الجهل، والعبوديّة للحكّام وقهر السّاسة بمختلف مستوياتهم


ولا يمكن أن تنهض المرأة إلا بنهوض المجتمع بأسره، عندما ينفض عنه ثوب الذّل والتّبعيّة، ويختار من يحكمه بنفسه وبحريّة، متمسّكا بالينابيع الصّافية للحضارة العربيّة الإسلاميّة، نافضا عنه آثار الاستعمار وتبعاته الفكريّة التي استلهمها البعض، وأصبح يرى فيها المثل الأعلى

مقالات متعلقة

.