النّجاح يكمن في إيمانك بأنّك تستطيع مهما اختلفت عن الآخرين، ورغم الكثير من الصّعوبات والتّحدّيات التي تعترض طريقك، عندما تُقرّر أن تكون ستفعل.
قصّة نجاح جديدة لشابة من نوف هجليل بدأت بشقّ طريقها لتثبت لنا جميعًا أن لكلّ منّا دوره في الحياة وأنّنا قادرون على تحقيق ذواتنا وأحلامنا مهما كانت بعيدة المنال. رسالة أمل لكُل شابة وشاب لديهم احتياجات خاصّة، لا تهتموا للمُحبِطين وكونوا أنفسكم، "سواعدكم تُحقّق الأحلام، تصنعُ أعجب العجب".
لونا سروجي
لونا سروجي شابّة لأبوين من مدينة النّاصرة وتسكن اليوم في مدينة نوف هجليل (نتسيرت عيليت سابقًا)، طموحة افتتحت مؤخّرًا مشروعها الخاصّ بالمُعجّنات والحلويّات، حلويات لونا. درست لونا في مدرسة للتّعليم الخاصّ وكانت لديها صعوبات في التّعلّم والمشي والنّطق، لكن رغم ذلك، استطاعت أن تستقي من مدرستها كُل الدّعم والمعلومات والمهارات التي تؤهّلها لأن تشقّ طريقها نحو تحقيق أحلامها في المطبخ.
كيف تُعرّف لونا عن نفسها؟
اسمي لونا سروجي، تعلّمت في مدرسة خاصّة ولديّ صعوبة في التّعليم ولكنّي تخطّيت هذه المُشكلة، وأسعى اليوم لتحقيق أحلامي الكبيرة".
وتابعت: "ضمن الحصص في التّعليم كانت تستهويني حصّة التّدبير المنزليّ والتي كانت لها علاقة مُباشرة مع المطبخ، ومن هناك بدأت أعرف أنّي أميل إلى هذا الجانب، كُنت أعود إلى المنزل وأساعد والدتي في المطبخ وأحضّر معها الطّعام، ولاحظت أمّي حُبي الكبير للمطبخ ودعمتني كثيرًا حتّى أقمت اليوم مشروعي "حلويات لونا" أقدّم من خلاله المُعجّنات والحلويّات".
وأكملت لونا: "أكثر ما يُسعدني هو ردود فعل النّاس بعد تذوّق الحلويات التي أقوم بإعدادها، يقولون لي "شغلك مرتّب وحلو وزاكي" وهذا يعطيني دافعًا لأستمرّ أكثر وأكثر، كذلك الثّقة التي منحني إياها مطعم لونا في النّاصرة كانت دعمًا لي لأشعر بالفخر بنفسي، وأنا سعيدة لأنّي اليوم ضمن طاقم العمل فيه".
رسالة لونا للجميع: "امضوا قُدما نحو تحقيق أحلامكم، كما فعلتُ أنا، خذوا المُبادرة وابدؤوا في أوّل خطوة للنّجاح".
لونا في المطبخ
نجاح لونا اليوم ليس نجاحها فقط، هو نجاح أسرة بأكملها، دعمتها واحتضنتها وفتحت أمامها كُل الطّرق لتكون في مكان أفضل، هذه الأسرة أثبتت أنّ النّجاح لا يتعلّق إلا بالإيمان بالنّفس، بأنّنا نستطيع أن نكون دائمًا في المكان الأفضل مهما كُنّا مُختلفين.
وفي حديث مع السّيّدة هالة سروجي والدة لونا قالت: "ابنتي تعلّمت في مدرسة خاصّة، وكانت تتعلّم مرة بالأسبوع حصّة تتعلّق بالمطبخ عمليًّا ونظريًّا، ولاحظتُ أنّها تميلُ كثيرًا إلى هذا المجال، فمنحتُها فُرصة ان تُجرّب وتُطبّق ما تتعلّمه في المدرسة في المنزل، فبدأنا في إعداد الوصفات السّهلة، من المكوّنات المتوفّرة في كُل منزل، حتّى أنّها كانت تُحب أن تقوم بإعداد القهوة للضّيوف الذين كانوا يطلبون أن تعدّها هي بيديها، فأصبحت تُحب أكثر أن تتواجد في المطبخ وفي أي مُناسبة كانت أولى المُساعِدات".
"في عيدها الثامن عشر، احضرنا لها هدية عبارة عن خلّاط يدوي، وبدأنا بشراء كل المستلزمات الخاصّة بالمطبخ حتّى التّفاصيل الصّغيرة التي تُحفّز لونا على أن تُبدع في المكان الذي وجدَت نفسها به".
وأكملت السّيدة هالة: "كأم تريد أن تكون ابنتها دائمًا في مكان أفضل، كنت خائفة طوال الوقت عليها، بالذّات وأنّ لديها صعوبات تعليمية واحتياجات خاصّة، فكان الهاجس هو المستقبل، كيف ستُكمل طريقها بعد المدرسة، كيف ستتطوّر؟ خلال مراحل التّعليم لم أتركها أبدًا حرصت على أن أجلس معها 4 ساعات يوميًّا نُكرر ما تعلّمته في المدرسة ونحاول تطبيقه، وهذا ساعدها كثيرًا من حيث الشّخصيّة والتّطوّر".
بعد ذلك في قسم الشؤون في مدينة نوف هجليل، قالوا لي بأنّه: "يمكنني تسجيلها لدروات تُعزّز من مهاراتها في المطبخ عن طريق التّأمين الوطني"، بالفعل توجّهت إليهم ولكنّهم رفضوا انتسابها للدّورات لأنّها غير حاصلة على شهادة إنهاء المدرسة الثانوية (البجروت)، كنت مُستعدّة أن أتواجد معها في الدّورة لكنّ الرّفض كان الجواب الأخير. لم أتوقّف عن دعم ابنتي وسأواصل دعمها حتّى النّهاية، الأمر ليس هيّنًا على الإطلاق، لأنّها مسؤولية كبيرة جدًّا وعلى الاهل أن يكونوا قادرين على احتواء أولادهم، لم أتوانَ عن وضع ابنتي في المسار الصّحيح، منذ عام وأنا أبحث عن طريقة أبرز من خلالها مهارة ابنتي في المطبخ ولكنّي لم أرد أن اسيء تعريفها، أو أن أجعل النّاس يشفقون عليها لأنّها تستحقّ كُل الدّعم".
"خوفي على لونا جعلني حريصة عليها بشكل كبير، وحتّى قبل أشهر لم يكن بإمكانها أن تخرج من المنزل لوحدها بشكل مُستقل، ولكنّها اليوم تستطيع، التحقتْ بمجموعة أشخاص مع احتياجات خاصّة لكنّها وصلت إلى مرحلة بدأت فيها بالتذّمّر لم يكن هذا الأمر الذي تُريده، فقالت لي أنّها لا تريد الاستمرار ضمن المجموعة، ازداد خوفي لأنّ الخطوة التّالية كانت مجهولة بالنّسبة لمُستقبل لونا. اجتهدنا كثيرًا لتصل لونا إلى مرحلة تشعر بها بسعادة كاملة بما تقوم به، في البداية كان من الصّعوبة أن تقوم بإعداد الحلويات لوحدها وتحضير المكوّنات وحساب الكمّيات، واليوم أنا أرافقها في مرحلة الخبز عند الفرن".
"نحن نعرف قيمة هذه النّعمة التي منحنا إياها الله، ونقدّرها ونشكره دومًا عليها، ولكن الأهم أن لونا تعرف تماما قيمتها وما هي قدراتها وإمكانياتها ورغم صعوبة النّطق والتّحدّيات التي تواجهها بشكل كبير، إلا أنّها تسعى دائمًا لتثبت أنّها قادرة على الإنجاز، من يعرف لونا منذ صغرها يعرف ما هي المراحل التي مرّت بها، ويرى التّطوّر الكبير في مسار حياتها وهذا أمر يُسعدنا كثيرًا".
"لونا، زهرة حياتنا ليست ابنتنا فقط، بل يجب أن تكون نموذجًا يُحتذى به لكُل أم وأب لديهم نفس النّعمة، لونا هي رسالة أمل ومُثابرة للجميع، على الأهل أن يفتخروا بأبنائهم مهما كانت قدراتهم وأن يصبروا ويعطوهم من أوقاتهم ليحصنوهم بثقة يخرجون بها إلى المُجتمع. نحن أهل لونا كُنا داعمين لها بشكل كبير لذلك نحن جزء من نجاحها، ولكن النّجاح الأساسي هو إيمانها بنفسها وإيمانها أنّ اختلافها هو أمر جميل يجعلها في مكان أكثر تميّزًا. نحرص أنا ووالدها على تثبيت أقدامها في المسار الصّحيح لتستطيع تحمّل مسؤوليّتها الكاملة بنفسها".
اليوم لونا افتتحت مشروعها الخاص من المنزل وهو تحضير المُعجّنات والحلويات وبيعها بشكل شبه مُستقل، ومن جانب آخر كانت لي الفرصة أن أتحدّث مع صديقة، لونا زريق، وتملك مطعمًا بنفس الاسم "لونا"، فتحت الأبواب لابنتي وأعطتها الفُرصة لان تكون ضمن طاقم العمل هُناك، فبدأت لونا بالعمل هناك لمدة ساعتين في الأسبوع، ومع التّقدّم خطوة وراء خطوة، أصبحت تعمل ثلاثة أيّام في الأسبوع، وهي في تطوّر مُستمر".
وأنهت السّدة هالة سروجي حديثها قائلةً: "هذه فُرصة عبر منبر كُل العرب بأن أوجّه رسالة لكُل الأهالي، آمنوا بأبنائكم، بالإصرار والصّبر والدّعم من الممكن أن يصل أبناؤكم إلى أماكن لم تتخيّلوها يومًا، فقط امنحوهم الثّقة والجوّ المُلائم للإنجاز وآمنوا بهم وبقدراتهم، هؤلاء الأبناء هم أمانة من الله وعلينا أن نُحافظ عليها بكُل ثمن".
وأنهى والد لونا المهندس نادر سروجي التّقرير بهذه الكلمات: "إن الإهتمام بشريحة ذوي الإحتياجات الخاصة وإعطاءهم حقوقهم ( وليس بالشعارات فقط)، الذين هم جزء من لحمنا ودمنا، دليلٌ صادق ونبضٌ دافئ على رقيّ ومعافاة مجتمعنا. وواجبنا ان نكشف على مساحة الضوء الموجودة في داخلهم، وعلى نظافة قلوبهم".