التنكيل بالأطفال في الفترة الاخيرة منتشر بشكل كبير، إذ أن المدارس والحضانات تشهد الكثير من حالات التعنيف وذلك من خلال المربيات وايضا بين الاطفال أنفسهم، وعدا عن ذلك العنف العائلي وتنكيل الاهالي بأطفالهم، فهناك العديد من الحالات التي شهدتها البلاد وضجت مواقع التواصل بالغضب والاستنكار.
وشهدت البلاد في الاسبوع المنصرم حالتي عنف بحق الأطفال، الأولى، العثور على الطفلة البالغة من العمر (5 سنوات) يوم الاثنين المنصرم، في اللد مقيدة في حمام المنزل، تظهر عليها علامات عنف في كافة أنحاء جسدها، والأمر الأكثر غرابة انه أثناء تحقيق الشرطة، تبيّن أن الطفلة من غير أوراق وليست مسجلة في بطاقة هوية العائلة.
بروفيسور خولة أبو بكر
وفي شأن متصل، قبضت الشرطة على أبوين ينكلان بطفلتهما البالغة من العمر 3 أشهر، من خلال رجها، الامر الذي أدى الى نزيف في المخ لدى الطفلة، والان تمكث الطفلة في العناية المشددة بالمستشفى.
وفي حديث لمراسلنا مع رئيسة جمعية العلاج الزوجي والأسري للمعالجين الفلسطينيين في إسرائيل، ومعالجة ومرشدة زوجية وأسرية مؤهلة، البروفيسور خولة أبو بكر، قالت لموقع "كل العرب":
"في الواقع، إن أسلوب التربية في المجتمع الفلسطيني والمجتمعات العربية فيها ضبط وصرامة وتشريع لإستعمال الشدة بذريعة أنها تفيد في "تهذيب" الطفل والسيطرة على سلوكه مستقبلا. عندما نتابع أسلوب التربية الذي اتبع مع الآباء الأجداد نرى أنه كان مشبعا بالتوبيخ، واللوم، والإذلال، والمقارنة، والتهديد والتخويف والحرمان والزجر والحبس - وكل هذا يُعرّف تحت عنوان العنف الكلامي والنفسي - إضافة لإستخدام الضرب بشتى أدواته، وهذا عنف جسدي مباشر. في الماضي كان كل البالغين في العائلة يشتركون في تعنيف الطفل، من الوالدين والأعمام والأخوال والإخوة الأكبر سنا وأحيانا الجيران، تحت عنوان "تربية الطفل". هناك من يتغنى بالنوستالجيا التي كان بها الوالد يقول للمدرسة "إلك اللحمات وإلنا العظمات" وبهذا يسمح ويشرّع لجهاز التعليم بإستخدام العنف تجاه الطلاب تحت ذريعة "مصلحة الطالب" وطبعا كان هذا عنفا يشترك به كل المجتمع".
وتابعت: "جميعنا ما زلنا تحت تأثير هذا النوع من التعامل مع الأطفال والقاصرين، الفرق اليوم هو أنه يوجد قانون دولة يُعرّف هذه السلوكيات كعنف ويحاسب عليها. أيضا هناك أجهزة هواتف ذكية بإمكانها تسجيل فيديو لكل هذه الوقائع ونشرها في شبكات التواصل أو إيصالها للسلطات. ومن يحظر على نفسه الضرب غالبا يخاف من العقاب ولكنه ليس مقتنعا بوجوب منع العنف".
ما هي الأسباب التي تجعل الأهالي يعنفون أطفالهم بهذا الشكل؟ وايضا التعنيف بالمؤسسات التعليمية وخاصة حضانات الأطفال؟؟
"من المقبول في المجتمع العربي إستخدام كلمة "عقاب" بمفهوم "تربية". يعني يقول الوالد لإبنته "راح أربيكي" وهو يقصد "سوف أعاقبك". وهذا مدلول يتعلق بتاريخ شرعية قمع الفرد في الأسرة العربية لصالح "المجموعة". يعني هذا أن المجتمع العربي يرى أنه لا ضير من تسبيب الألم النفسي أو الجسدي للفرد طالما أن بهذا مصلحة للمجموعة. فكلما "أزعج" سلوك الطفل أو القاصر الكبار يسعون لإسكاته فورا وغالبا تكون هذه الطرق قمعية مؤذية. حتى نغيّر هذه النزعة يجب إتباع التالي (1) إنتقادها، (2) منع العنف والتعامل معه كجنحة، (3) رفع مكانة الطفل، (4) تزويد أولياء الأمر والمعتنين بالأطفال بأدوات سليمة للتربية، و(5) تفعيل جهاز مراقبة ومتابعة. بالإمكان التوسيع في كل بند والحديث عنه مطولا في إطار آخر".
صورة توضيحية
وأضافت: "من الأسباب الأخرى للعنف الأسري هي معاناة بعض أولياء الأمر من أمراض أو إضطرابات نفسية أو من الإدمانات ما يجعلهم غير قادرين على ضبط سلوكهم. من المهم أن أؤكد أن العنف هو سلوك مُعدٍ. فإذا كان الوالدان مُعنَفين من قبل أحدهما الآخر أو من قبل آخرين فإنهما سوف يعنفان أولادهما. كذلك الأمر بالنسبة للأولاد، فسوف يعنّف الإبن الأكبر إخوته الأصغر وهكذا. فنتوقع أنه في الأسرة التي يتم بها الصراخ على الزوجة أو ضربها سيكون أولادها مضروبين وضاربين لأجيال قادمة. كل هذا يحدث أمام سمع الأسرة، الحمولة، الجيرة وتحت إشرافها وأحيانا بتأييدها. ومن هنا يجب تغيير المفاهيم تجاه التعامل مع المرأة والأطفال حتى نبدأ في التغيير والعلاج الجذري للتعنيف".
العديد من الاهالي يقومون بمعاقبة اولادهم بعقوبات غريبة وشديدة نوعا ما، ما تعقيبك على هذا الأمر؟ وما هي العقوبات الصحيحة لتحسين سلوك الطفل؟؟
"لا يوجد مصطلح إسمه "عقوبة صحيحة". العقاب هو عنف.
على الوالدين والمربين شرح السلوك السليم للطفل قبل كل أداء وفي كل حالة. عندما يخطئ الطفل، يكون هذا في معظم الأحيان سلوكا عفويا نتيجة لغياب المهارة والسيطرة. في هذه الحالة، على المربين تقويم السلوك بواسطة جعل الطفل يتعلم من النتيجة غير المرجوة. يتم تعليم الأهل هذه الأداة بواسطة دورات خاصة تجعل الطفل يتحمل مسؤولية في عمره الراهن ولاحقا كبالغ ويتعلم السلوك السليم من كل سلوك كان به خطأ. أما إذا كان سلوك الطفل مقصودا، فيحتاج الأهل التوجه لمعالج/ة في أقرب وقت حتى يحصلا على الإستشارة اللازمة".
باعتقاد بروفيسور خولة، هل من المهم على الأزواج الشباب اخذ دورات ما قبل الإنجاب، او حتى قبل الزواج؟
"من الضروري جدا أن يتسجل الخطيبان لدورة خاصة بالتحضير للزواج حتى يبنيا علاقة زوجية سليمة منذ المرحلة الأولى. أثناء الحمل، عليهما التسجيل لدورة خاصة بالتربية، لتعلم أسس الوالدية السليمة لمرحلة الطفولة حتى السنة. ثم يتابعان في تعلّم دورات تخصصية في كل مرحلة عمرية قبل أن يبلغ أولادهما هذه المرحلة - فتشمل الدورات مرحلة الولادة وحتى نهاية المراهقة. تهدف هذه الدورات لمنح تثقيف خاص بأسس التربية وأدوات لتصحيح سلوكيات غير سليمة للأطفال. بإمكان الوالدان لأطفال في كل فئة عمرية آنية الإنضمام للدورات للوصول لأداء والدي أفضل. سوف تعلن "جمعية العلاج الزوجي والأسري للمعالجين الفلسطينيين في إسرائيل" قريبا عن إقامة هذه الدورات في عدة بلدات لصالح الأزواج الشابة والأسر".
ما هي الرسالة التي توجهها ابو بكر؟
"على المجتمع الخروج بحملة ضد الزواج المبكر والوالدية المبكرة لما لها من أثر سلبي على الصحة النفسية للفرد، للزواج وللوالدية. كما يجب التعامل مع كل مظهر من مظاهر العنف، سواء الكلامي أو النفسي أو الجسدي أو ضد الأملاك على أنه مؤشر خطير من الممكن أن يعكس مناخا عنيفا آنيا أو لاحقا لأسرة كاملة.
على الأفراد أصحاب المسؤولية داخل هذه الأسر أو من المهتمين بها أن يوجهوا الأفراد للعلاج عند ظهور العلامات الأولى للعنف، قبل أن يستفحل وقبل أن يؤثر على باقي أفراد الأسرة ويتحول لمرض معد. نتمنى الأفضل لأسرنا ولمجتمعنا".