حسين الغول:
على كلّ مواطن عربيّ يدعو للتصويت هناك مواطن آخر يحاول بكلّ السبل إقناع الناس بعدم التصويت
علينا أن نعترفَ أوّلًا أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات المزمع إجراؤها في الـ- 17 أيلول 2019 لن تكون كما يبدو بأفضل ممّا كان عليه الحال في الانتخابات السابقة التي جرت في الـ- 9 من نيسان الفائت. حيث كانت نسبة التصويت في الانتخابات الأخيرة متواضعة ولم تتجاوز الـ- 50%. ولعلّها كانت ستكون أقلّ من ذلك بكثير لولا النداءات المتكرّرة التي أطلقت قبيل موعد إغلاق صناديق الاقتراع بقليل، حينما أدركت بعض الجهات أنّ احتمال عدم تخطّي حزبيّ التجمّع الوطنيّ والقائمة العربيّة الموحّدة عتبة نسبة الحسم شبه مؤكّد. ويبدو أنّ نداءات الاستغاثة الصادرة في اللحظة الأخيرة، وتجاوب بعض المصوّتين معها لأسباب كثيرة، هي التي أثمرت عن حصول هذين الحزبين على أربعة مقاعد بشقّ الأنفس. يستند هذا الاستنتاج إلى حقيقة ما يجري على أرض الواقع، حيث إنّ الأصوات الداعية لمقاطعة الانتخابات هي الرائجة في العديد من المناطق ويبدو أنّ صوت المؤيّدين للمشاركة في الانتخابات ودعم القائمة المشتركة لا يكاد يُسمع.
على كلّ مواطن عربيّ يدعو للتصويت هناك مواطن آخر يحاول بكلّ السبل إقناع الناس بعدم التصويت. حتّى إنّ الدعوة لمقاطعة المشاركة في الانتخابات أصبحت ظاهرة ملموسة على شبكات التواصل الاجتماعي، مما جعل الكثير من أصحاب حقّ الاقتراع يمتنعونَ عن التصويت المرّة الماضية وربّما سيفعلون هكذا في أيلول القادم. يخيّل إليك أحيانًا أنّ الناس غير واعين وغير مُدركين لأهميّة المشاركة في الانتخابات لأنّ أكثر المتضرّرين من حُكم اليمين على مدار العقد الأخير هم المواطنون العرب في الدولة. ربّما لو كانت هناك نسب مشاركة أكبر لاستطاعت الأحزاب العربيّة الحصول على أكثر من 15 مقعدًا وهذا ليس بالمستحيل. عند الحديث عن نسب المشاركة المتدنيّة في الانتخابات القطريّة يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي: لماذا يعزف الكثير من المواطنين العرب عن المشاركة في الانتخابات القطريّة بينما يُقبلون بأعداد كبيرة على المشاركة في الانتخابات للسلطات المحلّيّة حيث تتخطّى النسبة أحيانًا الـ- 90%؟. الكثير من الدراسات تطرّقت إلى هذه القضيّة، ولعلّنا نحاول في هذا المقال الإشارة إلى بعض الأسباب التي تجعل الكثير من العرب يُحجمون عن الإدلاء بأصواتهم، وبالذات في مثل هذه الانتخابات التي يعتبر كلّ صوت فيها له تأثير جديّ.
ثمّة أسباب عديدة تجعل الكثير من الشرائح في المجتمع العربي تنأى بنفسها عن المشاركة في الانتخابات، ولكن يمكن إيجاز هذه الأسباب في النقاط التالية:
اللامبالاة- نسبة لا يستهان بها من المواطنين العرب غير مكترثين بالانتخابات وبالأحزاب والبرامج التي تطرحها؛ وذلك لأنّ هذه الأحزاب تبقى بعيدة عن الدوائر التي تُتّخذ فيها القرارات بشأنهم وبشأن القضايا التي تهمّهم مثل، قضايا المسكن، هدم المنازل، انعدام المساواة، شحّ الميزانيّات ومحاربة الجريمة وغيرها. كما أنّ هناك مَن يشعر بالاغتراب تجاه مؤسسات الدولة التي غالبًا ما يتأذّون من سياساتها. كما أنّ بعض المواطنين العرب يرى أنّه ليس هناك إمكانيّة لتأثير الأحزاب العربيّة على سياسات الدولة مهما كانت قوّتها. وبالتالي فهم على قناعة تامّة بأنّ المشاركة من عدمها لن تغيّر شيئًا على أرض الواقع؛ ممّا حدا بهم إلى عدم الاهتمام بنتيجة الانتخابات.
الخلافات داخل القائمة المشتركة- الخلافات التي صاحبت تشكيل تركيبة القائمة المشتركة منذ الانتخابات الماضية، وعند الإعلان عن جولة الانتخابات الثانية قد تكون من بين العوامل الأكثر تأثيرًا على عدم المشاركة في الانتخابات للكنيست، أو التصويت لصالح أحزاب أخرى. لم تستطعِ الأحزاب الأربعة الاتّفاق السريع على تركيبة القائمة رغم تدخّل لجنة الوفاق التي تشكّلت في حينه لمساعدة المشتركة في تخطّي خلافاتها. كما أنّ القضايا التي اختلف حولها رؤساء القوائم كانت تعتبر قضايا ثانويّة في نظر الجمهور إذا ما قورنت بالقضايا التي يرزح تحتها المجتمع العربيّ. وحتّى بعد الإعلان عن ولادة القائمة المشتركة بعد مخاض عسير مؤخّرًا فهذا لا يعني أنّها ستحصل على حصّة الأسد من الأصوات، أو أنّ نسبة التصويت سترتفع، بل قد يحدث العكس وتكون النتيجة مخيّبة للآمال وتتدنى نسب التصويت أكثر.
الإنجازات المتواضعة: لم تتمكّن الأحزاب العربيّة عل مدى أكثر من عقديْن من تحقيق إنجازات ملموسة لكي تقنع الجمهور العربيّ بدعمها. فمنذُ الانتخابات التي جرتْ في عام 2015 ونتجَ عنها حصول القائمة المشتركة على 13 مقعدًا لم يكن بوسعها أن تكون ممثلًا جيدّا للعرب في هذه البلاد. كثيرًا ما انشغلت القائمة المشتركة بخلافاتها الداخليّة مما جعل إنجازاتها غير مرئيّة تقريبًا. وإذا كان لها من إنجازات فيمكن أن يكون ذلك ناتجًا عن تحالفات آنيّة لها مع بعض الأحزاب أو الائتلاف الحكوميّ، وخاصة عندما كان الائتلاف الحكوميّ بحاجة إلى أصواتها لتمرير بعض القوانين. لسان حال المواطنين العرب يقول: ليس بوسع المشتركة منع هدم كوخ صغير لامرأة عربيّة بدويّة تعيش على أرضها، أو الحيلولة دون صدور القوانين التي تستهدف الأقليّة العربيّة في هذه البلاد مثل، قانون القوميّة والقوانين التي تتعلّق بقضيّة التنظيم والبناء والطابع اليهوديّ للدولة.
أسباب أيديولوجية- هناك بعض الفئات في المجتمع العربيّ التي تقاطع الانتخابات لأسباب أيديولوجيّة ودينيّة مثل، الحركة الإسلاميّة- الجناح الشمالي وبعض الجماعات الأخرى. يؤدّي بعض المؤيّدين للحركة الإسلاميّة الشماليّة، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ أو منابر المساجد، دورًا محوريًّا في الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات والبحث عن أطر بديلة لمواجهة السياسات الحكوميّة المجحفة بحقّ السكّان العرب.
عدم وجود تمثيل لائق لبعض المناطق- هناك ثلاث مناطق رئيسيّة في البلاد تعتبر المخزون الرئيسيّ للأصوات الداعمة للقائمة المشتركة: الجليل، المثلّث والنقب، بالإضافة إلى المدن المختلطة. على مدار الأشهر الفائتة انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي وعبر الصحف ووسائل الاتّصال الأخرى، الكثير من الدعوات التي تعبّر عن سخطها حيال تركيبة القائمة المشتركة، وبالذات من عدم وجود تمثيل لائق لبعض المناطق فيها. من أبرز هذه الادعاءات هو عدم وجود مكان واقعيّ لمنطقة النقب في القائمة المشتركة. يحتلّ ممثّل النقب المكان الحادي عشر، وهناك من يعتبر هذا المكان غير مضمون في ظلّ تدنّي نسبة التصويت. يقول أصحاب هذا التوجّه إنّ منطقة النقب تواجه الكثير من التحدّيات والأزمات وفي مقدّمتها قضيّة هدم المنازل ومصادرة الأراضي؛ ممّا يحتّم على المشتركة إدراج ممثّل النقب في مكان واقعي وليس في ذيل القائمة.
نسب تصويت متدنية تاريخيًّا في بعض المناطق- نسبة المشاركة في الانتخابات القطرية آخذة في الانحسار في السنوات الأخيرة. وهناك مناطق لا تتجاوز نسبة الاقتراع فيها الـ-30% وبالذات في منطقة النقب ومناطق أخرى أيضًا.
تأثيرات الجهات الخارجيّة- هناك بعض الجهات غير العربية المدعومة وهي تعمل بكل ما أوتيت من قوّة لدعم حملة مقاطعة الانتخابات. وقد أشارت بعض الصحف بعد الانتخابات السابقة إلى الدور الذي لعبته بعض الجمعيّات غير العربيّة التي استثمرت الكثير من الموارد للدعوة إلى مقاطعة الانتخابات في المجتمع العربيّ وبالذات من خلال شبكات التواصل الاجتماعيّ، وذلك خدمة لمصالح الأحزاب اليمينيّة التي يتشكّل منها الائتلاف الحكومي بعيد الانتخابات.
مشاكل لوجستيّة- يواجه بعض الناخبين صعوبة في الوصول إلى صناديق الاقتراع التي تكون أحيانًا في أماكن نائيّة عن المواقع التي يقطنون فيها، وكذلك مشاكل تتعلّق بالمواصلات والسفريات. ترصد بعض الأحزاب الكثير من الموارد بغية توصيل السكّان الذين يحتاجون إلى السفريّات للإدلاء بأصواتهم لكنّ هذه الموارد لا يتمّ استغلالها للأهداف المخصّصة لها.
وختامًا، نأمل أن يفكّر الناخب العربيّ هذه المرّة بصورة مغايرة وأكثر واقعيّة وألّا يستجيب لدعوة مقاطعة الانتخابات كما كان في جولة الانتخابات السابقة. لا يملك المواطنون العرب هذه المرّة أيّ خيار آخر سوى التوجّه إلى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة. كما ونأمل أن تقوم الجهات المعنيّة بحملات توعية في أوساط المواطنين بغية التأثير على الناخبين من بينهم وحثّهم على التصويت والتركيز على القضايا التي تهم المواطن العربيّ.
حسين الغول- محاضر في الجامعة المفتوحة ومترجم.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com