محمد علي طه:
الطّبع يغلب التّطبّع ويبدو أيضًا أنّنا نسينا القول الشّهير الذي يصف نفسيّة العربيّ وحقيقته يا قُفَّة العدس ع الرّز ميلي... كلنا روووس ما فينا قنانيري!
لا أعرف صاحب القول الشّهير "إتّفق العربُ ألّا يتّفقوا" الذي وصف الحالة العربيّة بدّقة منذ أربعينات القرن الماضي حتّى أيّامنا هذه، ولكنّني أعلم أنّ اليمينيّ العنصريّ أفيغدور ليبرمان قال "العرب لا يتّحدون" ردًّا على تساؤل وتخوّف صديقه المحرّض الأوّل بنيامين نتنياهو وهما يبحثان رفع نسبة الحسم لانتخابات الكنيست قبل أربع سنوات وبضعة أشهر.
وبما أنّنا أقليّة، اسم الله ما شاء الله عنها، متواضعة جدًّا، ولا يوجد عندها استعلاء ولا شوفة نفس على أبناء شعبنا في الضّفة الغربيّة وقطاع غزّة المحتّلّين وعلى أشّقائنا المصريّين والأردنيّين قرّرنا (أعني الشّعب قرّر) قبل أربع سنوات أن نتوحّد ونقيم القائمة المشتركة ونفرك بصلة بلديّة في عيون ليبرمان ونتنياهو وجميع العنصريّين من أولاد عمومتنا، وجميع العرب المتشرذمين في لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا وبلاد الواق واق، وفي عيون إخوتنا من أمّنا وأبينا، فتحاويّين وحمساويّين... يا هيك يا بلاش.... نحن الحجر الذي أهمله البنّاؤون... وبالطّول وبالعرض وحدتنا تهزّ الأرض... مشتركة مشتركة... مشتركة وبَسْ!
ويبدو أنّ الطّبع يغلب التّطبّع ويبدو أيضًا أنّنا نسينا القول الشّهير الذي يصف نفسيّة العربيّ وحقيقته "يا قُفَّة العدس ع الرّز ميلي... كلنا روووس ما فينا قنانيري!" ولأنّ الوسواس الخنّاس درسنا وعرفنا وقرأنا بتمعّن وحلّل كلّ جزء فينا فاكتشف حبّنا للزعامة ولو على خازوق، وشغفنا بالشّخصنة ولو على شاشة، وتعلّقنا باليورو والدّولار والدّينار والين والشّاقل، فتسلّلت أصابعه بمرونة بيننا وعبثت فينا فإذا نحن عرب ومسيحيّون، أو عرب ومسيحيّون وآرميّون، أو عرب ودروز، أو عرب مسلمون ومسيحيّون ودروز وبدو، وإذا البدو إثنان هما بدو النّقب وبدو الشّمال، وإذا نحن مدن وقرى، وإذا المدن أيضًا مدن عربيّة ومدن مختلطة ومدن السّاحل، وإن أنسَ لا أنسى أنّنا جليل ومثلث ونقب... وكرمل أيضًا.. وبطّوف ومرج ابن عامر... وشعب النّاصرة.. نعم شعب النّاصرة!
ولا بأس أن نبرّر كلّ هذا علميًّا فنحن ننقسم من أجل التّعدّديّة الفكريّة، ونحن نتشرذم من أجل التّنافس الحضاريّ، ونحن نتجزّأ من أجل الدّيموقراطيّة، ونحن نتفرّق من أجل أن نتوحّد، ونحن نتوحّد من أجل أن نتفرّق، ولا جديد تحت الشّمس وكلّ عمرك يا زبيبة.
لا تستغربوا أذا إستلقى خواجة ليبرمان على ظهره وقهقه وانتفخ كرشه وهبط مثل كور المُبَيِّض (الأكثريّة منكم لا تعرف هذا الكور ولم تره) وقال: مش قلت لكم العرب عرب ... ولو أكلهم الجرب!
كما لا تنذهلوا إذا شاهدنا صباح الغدِ أهلنا من الدّول الشّقيقة، الكويت والبحرين والإمارات والعراق وقطر والسّعوديّة والمغرب وعُمان وجزر القمر واليمن الذي كان سعيدًا.. وطبعًا كردستان يحجّون إلى تل أبيب، مربط خيلنا، زرافات ووحدانًا وبالسّر وبالعلانيّة واستقبلناهم بالأحضان وبالعناق، وانهالوا علينا بالقبلات وبالمعسّل والقات، وما أحد أفضل من أحد، فنحن عرب أقحاح، عرب ضدّ التّغيير وشعارنا: لا تبديل ولا تغيير، غير التّشرذم ما بصير... يللا ويللا وهيه!!!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com