الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 14 / نوفمبر 22:02

في الذكرى الثامنة للهبة الجماهيرية


نُشر: 29/09/08 16:50

يكاد لا يمر أسبوع إلا ونشهد فيه تصعيدا إضافيا في عملية تضييق الخناق على الوجود الجماعي والحراك الوطني لللاقلية العربية الفلسطينية في البلاد، بدءا بالمحاولات المستمرة لنزع الشرعية السياسية عن قيادتها السياسية، مرورا بالمخططات العنصرية المتجددة في كل ناحية في حياتنا، وصولا إلى سياسات التهميش والإقصاء العامة التي تحتل بوتيرة متصاعدة ذروات جديدة وخطيرة في هيمنتها وإجحافها

قد تختلف هذه السياسات بشكلها والياتها وحجمها، كما أنها قد تختلف من ناحية شريحة المستهدفين بها، لكنها كلها برأينا تصب باتجاه واحد وهدف واضح: النيل من مكانة الجماهير الفلسطينية في البلاد ومن قدرتها على تطوير وجودها الجماعي كمشروع وطني متكامل يوحد المليون وربع فلسطيني في البلاد

يبدو لنا أن المؤسسة الإسرائيلية تسعى في السنوات الأخيرة إلى إعادة رسم حدود العلاقة مع الأقلية الفلسطينية في إسرائيل بحيث تضع في ظل الواقع السياسي المتزامن معادلة جديدة (أو متجددة) ترسخ من خلالها دونية مكانة المواطن الفلسطيني، في ظل ترسيخ يهودية الدولة (فوقية قومية يهودية)

ولا يمكن الفصل برأينا بين الإصرار على يهودية الدولة ومحاولات فرض القبول بهذا التعريف على الطرف الفلسطيني بين شقي الخط الأخضر، من ناحية، وبين القضايا أو المخططات المركزية التي تسعى المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة إلى حسمها في السنوات الأخيرة، من ناحية أخرى

بل وتسعى هذه المؤسسة إلى ضمان معادلة سياسية تشرعن هذا الحسم

ويمكن الإشارة في هذا السياق، على سبيل المثال الواضح للعين لا الحصر، إلى عدة مخططات أساسية تسعى المؤسسة الإسرائيلية إلى فرضها ضمن المعادلة المذكورة:
أولا، تحديد المكانة الدونية للمواطنين العرب في الدولة كمواطنين من درجة ثانية أو ثالثة من خلال دستور رسمي لإسرائيل يشرعن فوقية اليهودي، بما في ذالك تثبيت رموز الدولة وحصرها على رموز وتراث الشعب اليهودي لا غير، بالإضافة إلى حسم قضية ملكية الأراضي في البلاد وشرعنه حصرها دستوريا بأيد يهودية وبملكية أجسام صهيونية

ثانيا، تقييد المشاركة السياسية والتأثير السياسي للأقلية العربية في البلاد من خلال تحديد الحراك السياسي والحزبي، وحتى الأهلي، لهذه الأقلية ضمن تخوم أيدلوجية "الدولة اليهودية"، بما في ذالك شطب الأحزاب التي تطرح حدودا مغايرة وملاحقة الفعاليات والمؤسسات التي تتحدى هذه الخطوط

ثالثا، فرض "الخدمة المدنية" على المواطنين العرب ضمن مشروع حكومي اشمل لتهويد الهوية العربية الفلسطينية للأقلية العربية

ورابعا، الترويج لطروحات الترانسفير أو "التبادل السكاني" ومحاولة "التخلص" من أجزاء إضافية من الفلسطينيين في إسرائيل، وذالك على اقل رقعة ممكنة من الأرض

وتتزامن هذه المخططات مع اقتراحات قانون جديدة بادرت إليها الحكومة وتسعى من خلال بلورتها إلى تقييد عمل المحكمة العليا و"مصادرة" صلاحياتها في إلغاء قوانين غير دستورية تمس بحقوق الإنسان، والى إطلاق يد العنان للمشرع الإسرائيلي للاستمرار في نهجه في السنوات الأخيرة، الذي يقوم على سن قوانين جديدة تمس بحقوق المواطن الأساسية وتهدد ما تبقى من الجوانب الديمقراطية في البلاد

ومما يزيد من خطورة هذه المخططات في هذه الحقبة الزمنية هو السيطرة السياسية شبه الكاملة التي يملكها اليمين الإسرائيلي اليوم في الملعب  البرلماني، الأمر الذي يمكنه من سن القوانين التي يهواها دون رقيب أو حسيب يذكر (انظر قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية في إسرائيل وقانون منع التعويضات للفلسطينيين ضحايا الاحتلال)

وحيال مثل هذه المخططات الرسمية الخانقة، تنامى الوعي الوطني الشعبي بين ظهرانينا إلى ضرورة التحرك الجماهيري الوحدوي دفاعا عن الوجود وعن الحق الطبيعي بحياة حرة وكريمة على ارض الآباء والأجداد

في الأشهر القليلة الأخيرة خرجت الجماهير الفلسطينية في البلاد بآلافها في أربع مظاهرات شعبية تجلت فيها إلى حد كبير الوحدة الوطنية الشعبية والإرادة الجماهيرية: مظاهرة سخنين ضد قرار المستشار القضائي إغلاق ملفات "هبة القدس والأقصى"، مظاهرة يوم الأرض في عرابة، مظاهرة أم الفحم تضامنا مع غزة واستنكارا للعدوان على أهلها، وأخيرا مسيرة العودة إلى صفورية في الذكرى الستين للنكبة

على الصعيد الشعبي، فان هذه المظاهرات الجماهيرية المدوية التي جابت شوارع بلداتنا كانت من اكبر واهيب المظاهرات الوحدوية التي شهدتها ساحات جماهيرنا في السنوات الأخيرة

ولا أبالغ بالقول أن هذا الحراك الشعبي الوحدوي يمكن، إن تم صقله بحكمة ومثابرة، أن يشكل نقطة انعطاف هامة في مستوى الاحتجاج الجماهيري السياسي لدى شعبنا

يقين أن مثل هذه اللحمة الجماهيرية التي تجلت بين أبناء وبنات شعبنا من كافة تياراته ومشاربه السياسية والاجتماعية هي الكنز الأهم والسلاح الأقوى لدى جماهيرنا في معركة الصمود والتطور

ثم أن مثل هذا الالتفاف السياسي حول قيادة وطنية موحدة ومتعاضدة هو قاعدة أساسية في توحيد الصف الوطني وتعزيزه، على مستوى القيادة والكوادر على حد سواء

وللحقيقة، فان المخططات أعلاه، وغيرها، تحتم على أبناء وبنات شعبنا إفراز قيادات سياسية واجتماعية ومهنية ترتقي إلى مستوى التحديات الوطنية والمجتمعية التي تهدد حياه وستقبل شعبنا، حتى تقوم هذه القيادة بمهامها القيادية المؤتمنة عليها على أكمل وجه، ولتشكل محط ثقة واطمئنان لأبناء شعبنا

يعلمنا التاريخ، والأمثلة عديدة، أن النضالات التحررية للشعوب المظلومة هي نضالات شاقة، وعنيدة

لا توجد هنا وصفة سحرية جاهزة لنجاح هذه النضالات، على سياقاتها وظروفها المختلفة

لكن تبقى الحقيقة الأهم، المجربة تاريخيا، هي أن القاعدة الأساسية التي يمكن التعويل علية لنجاح هذه النضالات هي الجماهير بعينها ونضالها الدءوب المبني على حراكها الواسع ومشاركتها المثابرة

وفي حالتنا، فأن مطلب الساعة للتصدي بحزم وكرامة للمخططات المرسومة هو جبهة جماهيرية وحدوية، في صلبها النضال الجماهيري المقرون باستراتيجيات مدروسة للوقوف بوجه التحديات

إن مهمة المرحلة تكمن بضمان حراك شعبي واسع يعتمد على جبهة جماهيرية عريضة، وقيادة وطنية موحدة

لا يمكن الإفراط في التشديد على مصيرية هذه المهمة،  ولا يصح العبث فيها

 

مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.74
USD
3.94
EUR
4.74
GBP
329862.19
BTC
0.52
CNY
.