الدكتور جمال زحالقة رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي:
القائمة المشتركة إنجاز وقضية استراتيجية بالنسبة لنا والتجمع يرى بها جبهة وطنية موحدة مقابل نظام استعماري، فنحن نواجه استعمارا داخليا
كي نواصل مسيرتنا علينا الخروج من البئر العميقة المسماة «سلطة» الإسرائيليون حسموا أمرهم ولا يريدون تسوية وعلينا بمقاومة شعبية
نحن كشعب فلسطيني أمام خيار تاريخي ..هل نريد دولة أم شعبا؟ ولا يمكن الحصول على الاثنين
قامت المشتركة على نسبة وقوة الأحزاب الممثلة في الكنيست عام 2013 وزادت قوة كل منها بفضل المشتركة. هذه تركيبة منصفة وعلينا الاستمرار بها كي لا نفتح بابا أمام نقاشات تحرفنا عن الطريق
يعتبر الدكتور جمال زحالقة رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي في الكنيست، أن إسرائيل حسمت أمرها ولن تقبل بتسوية الصراع إلا مجبرة، داعيا للتركيز على المقاومة الشعبية والتوجه للحلبة الدولية. كما اعتبر زحالقة أن السلطة الفلسطينية ببقائها حتى اليوم تجسد خطأ فادحا كونها باتت حاجزا أمام الدولة الفلسطينية. وتابع «من أجل استكمال طريقنا الطويل كشعب فلسطيني علينا الخروج من هذه البئر التي تسمى سلطة وطنية وهذا ليس من باب المماحكة معها. وصلنا الى مفترق تاريخي ولا بد من إثارة كل الأسئلة».
جاءت أقوال زحالقة هذه في حوار أجراه معه الصحفي وديع عواودة، بمناسبة إنهائه عمله البرلماني بعد 16 عاما.
الدكتور جمال زحالقة
- لماذا أنهيت حياتك البرلمانية؟
استقلت كي اتفرغ للعمل الجماهيري ولدي مشاريع كتابة أيضا خاصة في السياسة والمجتمع والثقافة بالاستفادة من تجربتي في الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية.
- كان الدستور الداخلي في حزبك يسمح لك بالاستمرار؟
طبعا فهو يقتضي بحصول أي مرشح على 60% من أصوات مؤتمر التجمع بعد ثماني سنوات في الكنيست وأنا انتخبت بنسبة 80% في كل دوراتي السابقة. ولو رغبت لما كانت هذه عقبة بيد أنني أعلنت قبل عام عن نيتي إنهاء العمل البرلماني في 2019.
- أهم عمل قمت به أنت وزملاؤك في الكنيست ؟
مشروع «دولة كل مواطنيها» الذي يشكل بديلا شاملا للنظام الإسرائيلي القائم وللمشروع الصهيوني. قبل شهر منعنا من طرح مشروع قانون، والمحكمة العليا اختارت عدم التدخل بسبب الانتخابات المبكرة.
- لكن هذا المشروع الذي حمله التجمع منذ ثلاثة عقود لم يطبق منه شيء؟
هذا مشروع استراتيجي وبوصلة سياسية مفادها أننا لا نقبل الاندماج والنظام الاسرائيلي وندعو فيه لمساواة كل المواطنين بصرف النظر ونتحدى به الصهيونية تحديا ديمقراطيا وهو لا يقل استفزازا وخطورة من التحدي القومي للصهيونية، فالأمور لا تقاس بنتائج عملية فقط، فقد ناضل شعبنا ضد الصهيونية طيلة قرن ولم نقض عليها وما زلنا نناضل ولذا "دولة كل مواطنيها" سلاح مهم.
- توجه انتقادات للتجمع لتركيزه على البعد القومي لا الديمقراطي في السنوات الأخيرة؟
شهدنا تطرفا إسرائيليا غير مسبوق تجلى بشن حروب على غزة وتهويد القدس والنقب وغيرها من المشاريع الصهيونية، وكان من واجبنا ان نواجهها ونحن ملتزمون بقضايا شعبنا. ورغم كل هذه المعارك السياسية الكبرى ثابرنا في معالجة القضايا الحياتية للناس والمجالات المدنية كالعمل والحكم المحلي وغيره، وكان الفضل للتجمع بدفع العمل السياسي العربي المحلي.
- هل تخوض المشتركة مجددا الانتخابات المقبلة؟
أريد لها ان تستمر وأعتقد أنها مستمرة رغم النقاشات. هذا إنجاز وقضية استراتيجية بالنسبة لنا والتجمع يرى بها جبهة وطنية موحدة مقابل نظام استعماري، فنحن نواجه استعمارا داخليا، ليس لأن هناك يمينا في اسرائيل وهو تحالف يساري بل جبهة في وجه نظام استعماري قائم.
- ماذا حققت في السنوات الأربع؟
هناك إنجازات مهمة يمكن البناء عليها. أولا أجبرنا اسرائيل على التعامل معنا كممثلي المجتمع العربي فيها، وهذا اعتراف عملي منها كجماعة وطنية. وبفضل التعاون بين المشتركة وبين الحكم المحلي العربي زادت الميزانيات الحكومية بشكل لافت للسلطات المحلية العربية، وطبعا نطالب بأكثر من ذلك. كذلك المشتركة زادت من عدد النواب العرب في الكنيست بمقعدين بالمقارنة مع الماضي. كذلك هي استجابة لرغبة جماهيرية واضحة، وقد ساهمت شخصيا بترجمة هذه الرغبة بصياغة قائمة وحدوية مشتركة.
- وأبرز إخفاقاتها؟
المهمة ليست سهلة فقد كانت وليدا خديجا لأنها ولدت بسرعة ولم يعد لها بشكل كاف واكتفينا باتفاق مكتوب بسيط لم يتطرق لكل القضايا كالتناوب، مما فتح ثغرة سنقوم بتلافيها مستقبلا من خلال صياغة اتفاق تفصيلي شامل. هذه نقطة ضعف المشتركة ومصدر مشاكلها ولذا لا بد من اتفاق تفصيلي. هناك تنسيق واتفاق على 90% من القضايا، ومع ذلك لا بد من تعزيز التعاون لعمل وحدوي أكثر متانة ومناعة وتجنيد كفاءات من خارجها ليكونوا ظهيرا ومصدر توجيه .هذا واحد من أهم دروسها وسبب لتصحيح مسارها.
- هناك من يدعو لمفاتيح أخرى في التمثيل والمحاصصة داخل المشتركة؟
قامت المشتركة على نسبة وقوة الأحزاب الممثلة في الكنيست عام 2013 وزادت قوة كل منها بفضل المشتركة. هذه تركيبة منصفة وعلينا الاستمرار بها كي لا نفتح بابا أمام نقاشات تحرفنا عن الطريق.
- كسياسي فلسطيني هل عشت لحظات سألت فيها نفسك ما أعمل هنا داخل أهم رموز الصهيونية؟ ألم تشعر بالاغتراب؟
أشعر بالاغتراب دائما خاصة أيام الحروب على غزة ولبنان. كنت بحالة تأجج مشاعر. كنت ابتعد عن كل ما له علاقة بالطقوس البرلمانية بل قاطعناها.
- اسرائيل تستغل التمثيل العربي باقة ورد على طاولة ديمقراطيتها ومادة دعائية؟
نحن ندفع ثمنا بدخولنا للكنيست واسرائيل تدعي في العالم انها ديمقراطية والعرب فيها ممثلون. في المقابل نحن نحقق مكاسب. كفة المشاركة ترجح على كفة المقاطعة، فالسؤال ليس ان تكون في البرلمان أم لا تكون كما قال تروتسكي. نحن في الكنيست لا لمنحه الشرعية بل وجودنا خاصة نواب التجمع وجودهم وجود تحد للنظام الاسرائيلي وفضحه. الكنيست تعطينا منبرا، فالأضواء سلطت على حنين زعبي خلال أسطول كسر الحصار عن غزة لأنها عضو كنيست، وكذلك انا يوم قلت لنتنياهو إننا قبلك وسنبقى بعدك وصارت ضجة واسعة ما كانت لتكون لولا كوني نائبا. حينما نتيقن ان الخسارة أكبر من الربح لن نكون في الكنيست.
- مقاطعة في حال شطبت كتلة التجمع؟
هذا تغيير لكل أصول اللعبة وكسر لقواعد اللعبة وهذا يحتاج الى رد مماثل بمقاطعة جماعية.
- وهل هذا وارد ؟
وارد جدا، فالتحريض على التجمع لا يتوقف ويقال إنه يدعم نضال الشعب الفلسطيني ولا يعترف بإسرائيل كدولة يهودية. المحكمة العليا الاسرائيلية منعت حتى الآن شطب التجمع ولا أعرف الى متى ستبقى على موقفها. لا يعقل ان نبقى نلعب وفق قواعد اللعبة القديمة إذا وضعت اسرائيل قواعد جديدة.
- العالم العربي غير نظرته للفلسطينيين في إسرائيل؟
أحد الأسباب المركزية لاستقواء اسرائيل علينا هو ضعف العالم العربي وانقسامه ومن قبل الربيع العربي. هل يجرؤ في شرق آسيا على قمع أقلية صينية ؟ هل يجرؤ أحد في الجمهوريات المحيطة بروسيا على قمع أقلية روسية؟ العالم العربي غير نظرة التشكيك واعتبارنا «سرائيليين». لكن في المقابل انتقل لنظرة ووصف البطولة. استغرب سماع جهات عربية تتحدث عن ان العالم العربي يعول علينا. هل يعقل التعويل على مليون شخص مقموعين وتحت الاضطهاد الإسرائيلي والعرب يعدون نحو 300 مليون نسمة؟ هناك مبالغة تارة بالتهمة بالخيانة وتارة بالبطولة.
- لأي مدى أنت مطمئن ان الذراع البرلمانية للتجمع ستواصل المشوار كما يجب بعد استبداله الوشيك لمندوبيه في الكنيست ؟
التجمع حزب مؤدلج وله عقيدة راسخة ومبادئ واضحة ونهج سياسي معروف للجميع، ولذا لا أشك في البوصلة خاصة ان النواب يتبعون للمكتب السياسي ونحن متعاونون. وبسبب كون عدد النواب محدودا لذا اتوقع منافسة ليست سهلة داخل التجمع.
- الى أين ذاهب الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في ظل فقدان أفق للتسوية وسياسات اسرائيل التوسعية والانشقاق الفلسطيني؟
الاستراتيجية المركزية الإسرائيلية تتمحور حول تفتيت الشعب الفلسطيني والسيطرة على كل مجموعة. انظر كيف تسيطر اسرائيل علينا.. غزة وحدها والقدس وحدها والضفة وحدها والفلسطينيون في الداخل وحدهم وكذلك فلسطينيو الشتات. كانت منظمة التحرير تتحدى التجزئة وعامل وحدة حاملا للوحدة. اليوم للأسف القيادة الفلسطينية واقولها بألم عميق يقبلون بالتفتيت بل يساعدون اسرائيل من خلال القول لإسرائيل نحن نفتت أنفسنا. لا نستطيع مواجهة المشروع الاسرائيلي إلا بوحدة فلسطينية لاسيما وأننا في حالة تفتيت سياسي وجغرافي والجغرافي أصعب . منظمة التحرير كانت تواجه التفتيت الجغرافي بالتوحيد السياسي. لا أرى أفقا للتغيير في هذا المضمار وفق ما نسمعه. ولذا المأزق خطير على المستوى الاستراتيجي.
- وما الحل؟
مواجهة اسرائيل طويلة الأمد والدرس الأساسي هو لا يمكن الرهان على تغيير داخلي في اسرائيل فهي حسمت أمرها ولن ينتج الاسرائيليون توجها للسلام إلا مجبرين، ولذا لا بد من التركيز على ساحة مواجهة بموازاة التوجه للساحة الدولية، وهذه لن تتحرك دون مواجهة ميدانية عالمية.
- مواجهة عسكرية ؟
في الظرف الحالي مواجهة سلمية شعبية ضد الاحتلال، وقد يتطلب في مرحلة معينة حل السلطة الفلسطينية. السلطة الوطنية أدخلتنا في مفارقة رهيبة، فكلما نجحت فشلنا وإذا فشلت فشلنا أيضا فقد خلقت حالة مستقرة ولا حاجة للتغيير. إذا فشلت سيقول العالم إننا غير ناضجين لإدارة دولة. لا أقول ذلك للمماحكة. حتى لو كانت السلطة بأفضل حالة فلن تؤدي المهمة . نحن وقعنا كمن وقع في بئر وكي تصل لهدفك ينبغي ان تخرج من البئر المسماة سلطة فلسطينية.
- اليوم لو كان الأمر بيديك ؟
كنا نقوم بدراسة الموضوع ونخطط له كي نسلم المفاتيح كما يقال باللهجة العامية«إن ما خربت ما بتعمر»، خططوا للسلطة خمس سنوات فقط وهاي عمرها اليوم 25 سنة وأصبحت تدافع عن كيان والجهد المركزي يصب كيف تستمر. خطط لها لأن تكون خمس سنوات فلماذا نحافظ عليها؟ كيف يأتي العالم ليضغط على اسرائيل لإنهاء الاحتلال طالما ان السلطة تقوم بواجبها. نحن لا نتحدث عن أدائها.. فأداؤها البيروقراطي للأسف جيد ولا أفرح بهذا النجاح فهو مصيبة لأنه يقطع الطريق أمام الدولة.
- قلت مثل هذا الكلام لمسؤولين في السلطة ؟
اقول هذا الكلام في كل مكان. نحن نقترب من أسئلة صعبة منها هل تستمر السلطة أم لا ؟ هل تساعد السلطة في إقامة الدولة ؟ هل هي محطة في الطريق للدولة أم حاجز؟ أعتقد أنها حاجز لأنها خلقت حالة من الاستقرار.
- الدولتان؟
نحن كشعب فلسطيني أمام خيار تاريخي ..هل نريد دولة أم شعبا؟ ولا يمكن الحصول على الاثنين. فالدولة تعني كيانا لقسم من الشعب الفلسطيني واستثناء الكثير من الفلسطينيين، وفي المقابل فإن وحدة الشعب الفلسطيني تعني انه لن تكون لك دولة لوحدك، وربما تكون دولة ثنائية القومية هي الخيار الأفضل.
- ماذا كنت تختار؟
المفارقة الكبرى ان وحدة الشعب السياسية السيادية ممكنة فقط في ظل ثنائية القومية. هذه أسئلة ينبغي ان تثار. مثقفون فلسطينيون كثر تحدثت معهم في هذا المضمار وهم بمعظمهم يريدون كيانية الشعب لا الدولة. هذا ما هو موجود من الناحية الواقعية لا الرومانسية السياسية.
- هذا يعني أن التجمع بصدد تغيير برنامجه وتأييده لـ «الدولتين» ؟
ربما. ما زلنا نطالب بإنهاء الاحتلال وتحقيق الدولتين، لكننا متجهون لفتح النقاش حول حلول الصراع، فالى أين تسير القضية الفلسطينية؟ سؤال كبير يحتاج لدراسة متأنية.