الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 13 / نوفمبر 01:02

لا تهدئة بدون هدنة ولا هدنة بدون تهدئة!/ بقلم: سميح خلف

سميح خلف
نُشر: 07/11/18 15:57,  حُتلن: 16:16

الخطورة الآن ليست في الشعارات المرحلية او الشعارات الاستراتيجية الكبرى التي فشلت كلا من منظمة التحرير وحماس والفصائل الاخرى من تحقيق اي خطوات للامام في طريق تحرير فلسطين 

مسيرات العودة فعلًا بممارستها وتقدمها نحو السلك الشائك وسقوط شهداء وجرحى كانت تهدد اسرائيل فعليًا ووجودها ونظرية وجودها ايضًا واشعرت الاسرائيليين بانهم لا أمن لهم على هذه الأرض وهذا هو مصدر قوة المسيرة

البعض يخلط بين التهدئة والهدنة، في حين ان هناك تشابك بينهما فلا تهدئة بدون هدنة ولا هدنة بدون تهدئة! هكذا يقول عالم الأمن وعالم السياسة، فإذا ما نظرنا الى حرب 2014 وبنتائجها وبخسائرها وبآثارها وبازعاجتها وتكاليفها للاحتلال كان الرأي مرجحًا بأنها ستكون آخر الحروب على الأقل في الوقت المنظور، هذا اذا أعطينا خصوصية للحالة الفلسطينية ولحالة الصراع والتي قد تختلف كثيرًا عن التجارب الأخرى في تفاصيلها وإن اشتركت في العناوين والحالة وهي حالة الاحتلال، فالحالة الفلسطينية وبعد ان كانت منظمة التحرير جامعة لكل القوى الفلسطينية باستثناء بعض الفصائل التي انسحبت ما بعد اتفاق اوسلو فاننا نجد أن منظمة التحرير الآن بالإضافة الى عجزها وفشلها وتجمدها عجزت عن توحيد الثقافة الفلسطينية والأداء الفلسطيني والتي أضيفت له القوى الاسلامية بشكل فاعل بعد الانتفاضة الأولى او في اثنائها، ومازاد الطين بلة هو وجود نظامين سياسيين مختلفين ولدا من نتائج اوسلو نظام سياسي امني في الضفة، ونظام سياسي أمني في غزة وكلاهما كما قلت من رحم اوسلو، فالقوى الاسلامية الممثلة بحماس دخلت الانتخابات في عام 2006 تحت مظلة أوسلو بمؤسسة التشريعي، ولكن الصراع احتدم بين برنامجين مختلفين أدّيا الى الانقسام الكارثي عام 2007، لا نريد ان ندخل في تفاصيل هذا الانقسام والاقتتال ولكن لكل تحدث وربما كان الرأي الراجح بأن الانقسام اتى لكي لا يذهب وليضفي ظلاله ونتائجه على وحدة الشعب الفلسطيني وعلى الجغرافيا الفلسطينية وعلى طبيعة الاستيطان والمشروع الصهيوني الذي اغتال الضفة بالمستوطنات ويهدد بل فعليا بدأ بتوسيع الادارة المدنية وظيفيًا في ظل عجز كامل للسلطة ولمنظمة التحرير في وضع معالجات حقيقية ببرنامج فاعل يهدد الاستيطان ويخل بأمنه بحيث يبقى مكلفًا للجانب الاسرائيلي، اما في الطرف الآخر في غزة فقد كانت المقاومة الفلسطينية التي تقودها حماس والجهاد الاسلامي هي مقاومة دفاعية وليست هجومية تدافع عن حدود قطاع غزة وعن وجود حماس والجهاد كفصائل مهيمنة على غزة بصرف النظر عن شعارات كبرى رفعتها حماس كالتحرير الكامل للتراب الفلسطيني والتي تم تعديله في وثيقتها بقبول دولة على 67 .

الخطورة الآن ليست في الشعارات المرحلية او الشعارات الاستراتيجية الكبرى التي فشلت كلا من منظمة التحرير وحماس والفصائل الاخرى من تحقيق اي خطوات للامام في طريق تحرير فلسطين، فالوضع الفلسطيني وضع وهن ضعيف مريض بفصائل كما قلت فشلت في تلبية أي من متطلبات الشعب الفلسطيني سواء المرحلية او الاستراتيجية، في حين بدت اسرائيل اكثر نجاحًا واكثر قوة في تمددها الدبلوماسي والأمني في الوطن العربي وفي افريقيا واسيا بل اصبح التمثيل الاسرائيلي يأخذ العلن اكثر من السر في كثير من الدول العربية، بالتأكيد اذا ما بحثنا في هذا التمدد فلن نصرخ ولن نبكي فاذا صرخنا وبكينا فاننا سنصرخ على ذاتنا اولا قبل ان نصرخ ونغضب من الاخرين، فلا نريد ان ندخل في الخطيئة والخطايا الآن التي قادت القيادة الفلسطينية للاتصال بالاسرائيليين عبر مكاتب ووسطاء منذ المنتصف الثاني من السبعينات، وبقدر هذا الاتصال وبتوسعه كان هناك الاضمحلال في ثوابت الثورة الفلسطينية وفي بنائها ايضاً الى ان اتى اعلان القاهرة لنبذ الارهاب في عام 1986 الذي اعلنت عنه منظمة التحرير كحسن نوايا لتوثيق اتصال مباشر مع الادارة الامريكية والذي نتج عنه الاعتراف بشكل مباشر بـ242 و338 وعلى ضوءه اعلن الاستقلال في مؤتمر الجزائر عام 1988، هذ الاعلان الذي لم يستفد منه الشعب الفلسطيني لا بنيويًا وعلى معنويًا ولا وحدوديًا.

المهم في وجهة نظري ان حرب 2014 كانت اخر الحروب في الوقت المنظور بصرف النظر عن عمليات التسخين والتبريد او التبريد والتسخين، فهذه كانت خطوات محسوبة للوصول الى نموذج جديد للتعامل في الصراع وهي التهدئة التي لم تنفذ اسرائيل منها الا البعض القليل ما بعد ترأس السلطة للمفاوضات مع الاسرائيليين في عام 2014 في القاهرة.

مسيرات العودة كان طرحها ليس بجديد فقط طرحت في يوم الارض اكثر من مرة وتم ممارستها على الحدود اللبنانية والسورية ولكن ايضًا بشكل محسوب وبانورامي ولم يهدد امنيًا الاسرائيليين وربما كانت اقوال هيلاري كلينتون لنتنياهو محل دراسة للجانب الفلسطيني فكيف لا تكون محل دراسة للكتاب والمفكرين عندما قالت له هل تتصور ان مليون فلسطيني يزحفون على الحدود رافعين الرايات البيضاء وبدون سلاح يقتحمون الحدود ماذا ستقول في هذا الحين؟ وكم ستقتل منهم؟ وماذا سيقول العالم لك ان مارست القتل الجماعي؟ ( لن تنفعكم في هذه الحالة مفاعل ديمونا ولا سلاح طيرانكم)، كلينتون نصحت نتنياهو بأن يخفف الضغط على الفلسطينيين في المفاوضات.

مسيرات العودة فعلًا بممارستها وتقدمها نحو السلك الشائك وسقوط شهداء وجرحى كانت تهدد اسرائيل فعليًا ووجودها ونظرية وجودها ايضًا واشعرت الاسرائيليين بانهم لا أمن لهم على هذه الأرض وهذا هو مصدر قوة المسيرة، ولكن مسيرات العودة لم تكن بغرض التحرير والتقدم نحو مستعمرات غلاف غزة على الاقل كما صور بعض الكتاب مسرحية كبرى للاقتحام والسيطرة والوجود على كل بلدات غلاف غزة، بل كانت مسيرات العودة هي بمثابة مسيرات (فك الحصار) ويا ليتنا سمينا هذه المسيرة بشهدائها وجرحاها وفعالياتها بمسيرة فك الحصار على الاقل كانت ستكون هناك مصداقية في التضحية بكل انواعها، فالبتأكيد ان فك الحصار على غزة هدف وطني لابد ان يمارس لكي تاخذ غزة حريتها، وفي هذه الحالة لن يصدم احد بالتفاوت بين الشعار والتسمية والواقع، فمسيرات العودة كانت مجرد تسخين لعملية التهدئة اساسياتها ما تم الاتفاق عليه عام 2014 بالاضافة الى التوسع في مفهوم الحل الانساني الذي قربت فيه غزة الى منطقة تدويل من خلال دول اقليم والامم المتحدة، ولكن هل التهدئة هي نهاية المطاف؟ اعتقد هي مقدمة زمنية لهدنة طويلة طرحتها حماس منذ سنوات تصل الى 15 عام، ولو ان تلك الهدنة بما يطرح الان تدريجيًا ولحسن النوايا ستمر عبر تهدئة لمدة 6 شهور يتم فيها فكفكة ازمات غزة الحياتية مثل الكهرباء والغاز والمياه والصحة والمعابر، وفتح الحدود الاسرائيلية لعدد محدود من العمال والتجار ودخول المال القطري لدفع الرواتب لمدة ست شهور وتنشيط مؤسسات توظيف العمالة الؤقتة من خلال وزارة العمل وزيادة مساحة الصيد البحري التي قد تصل الى 12 ميل بحري.

هذا ما صرح به السنوار قائد حماس في غزة الذي اتى بمتغيرات كبرى عند فوزه بالمكتب السياسي وبرئاسة حماس في غزة والذي اتى ايضا بناءً على التغير الذي طرأ على حماس التي اصحبت براغماتية في حدود الخصوصية الحزبية ايضًا.

ولكن السؤال المهم الآن هل ستتحول حماس الى نظام سياسي معترف به اقليميا ودوليا؟ ويعني ذلك الانفصال، وهل تقبل دول العالم ان تعقد اتفاقيات استراتيجية مع حماس؟ وما مصير السلطة ومنظمة التحرير ووجودها في الضفة الغربية والقدس ايضا، فنتنياهو صرح أكثر من مرة ان امن اسرائيل يبدأ من نهر الأردن الى المتوسط باستثناء غزة، وهل لتوسيع الإدارة المدنية وظيفيا بالضفة الغربية بعيد عن احتمالات تحويل الضفة الى روابط مدن؟ وهنا (اريد ان اذكر بالاتفاق بين الشوى والجعبري في اوائل الخمسينات بضرورة وحدة الضفة جغرافيًا في اي حل سياسي قادم للقضية الفلسطينية) هل يتذكر قادة اليوم هذا الاتفاق؟ ام سيسير كل منهما في نهجه نحو تطبيق صفقة القرن التي لا تعدو عن ما بين اقل من دولة واكثر من حكم ذاتي، هنا السؤال والاجابة ايضًا!

اذا التهدئة لن تكون يتيمة بل ستحمل معها هدنة ولكن الى اي المتجهات الى اي نظام سياسي والى اي جغرافيا فلسطينية؟  

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة

.