إسلام عكرية في مقاله:
تشهد قرية كابول هدوءًا غير مسبوق في فترة الانتخابات الحالية
اتفق المرشحون والأهالي على وقف ظاهرة الأعلام والصور والملصقات الانتخابية، فلا تجد في القرية صور لمرشح ما ولا أعلام ولا ملصقات الا في مقرات المرشحين أنفسهم
أرى أنَّ الهدوء السائد والمظهر الحالي جميل ورائع بغض النظر عن دوافعه، وقد يقول قائل إنَّ الدوافع لا تحتمل المستوى الثقافي ونسبة المتعلمين ورجاحة العقل في البلدة
سأطرح في السطور التالية نموذجا جميلا وحضاريا من حيث المظهر في الانتخابات الحالية في قرية كابول.
تشهد قرية كابول هدوءًا غير مسبوق في فترة الانتخابات الحالية، وقد سبق وأثبت المواطنون في القرية هدوء ووداعة في فترات سابقة، وقد تمثل ذلك جوهرا ومظهرا، فعلى صعيد الجوهر تناول المرشحون لرئاسة السلطة المحلية والمنتخبون الانتخابات على أنها مناسبة ستنقضي عما قريب فلا حميّة مقلقة فيها ولا تعصبا أعمى وإن لم يخلُ هذا الأمر عند البعض. رأيت من الواجب أن أذكر المظهر الجميل الذي تعكسه القرية على خلاف الكثير من القرى والمدن العربية المجاورة في هذه الفترة، فقد اتفق المرشحون والأهالي على وقف ظاهرة الأعلام والصور والملصقات الانتخابية، فلا تجد في القرية صور لمرشح ما ولا أعلام ولا ملصقات الا في مقرات المرشحين أنفسهم، أي أن الداخل للقرية يظن لوهلة بأن هذه القرية لا انتخابات فيها.
وبغض النظر عن إيجابيات أو سلبيات هذه الظاهرة -الجميلة برأيي- فان ظاهرة كهذه قلما تجدها في باقي القرى والمدن العربية المجاورة، والسؤال المطروح: ما هي أسباب هذه الظاهرة المختلفة عما عهدناه في البلدات العربية؟ هل للمستوى الثقافي ونسبة المتعلمين العالية في البلدة دور في انتاج أو افراز مثل هذه الظواهر الجميلة؟ أم هي نتيجة احباط وأزمة ثقة؟
أرى أنَّ الهدوء السائد والمظهر الحالي جميل ورائع بغض النظر عن دوافعه، وقد يقول قائل إنَّ الدوافع لا تحتمل المستوى الثقافي ونسبة المتعلمين ورجاحة العقل في البلدة، فدوافع هذا الهدوء لا تتعدى الإحباط وأزمات الثقة وطبيعة تركيب المجتمع في القرية، وإلا كيف نفسّر الاتفاقيات بين المرشحين ووجهاء من كل عائلة؟ اتفاقيات لا تتعدى المصلحة الشخصية الضيقة جدا، كأن يعطي "كبير العائلة" تعهدا بعدد أصوات ما للمرشح الذي بدوره يعده بوظائف معينة لأناس مقربين لذاك الكبير، وقد يذهب الأمر بهم إلى أبعد من هذا، فمنهم من أخذ توقيعا من المرشح على ما يسمى "ضمانات"!
لكن، كيف ساهمت هذه الآلية في الهدوء الموجود؟
تكررت هذه السيرورة حتى اعتاد عليها المواطن، فاقتصرت الانتخابات على زعيم العائلة وحاشيته، مما أدى إلى أن يفقد المنتخبون الثقة بالمرشحين، ولسان حالهم أن الانتخابات لعبة بين المرشحين ووجهاء العائلات. لكن، يهم المرشح عدد الأصوات التي اتفق عليها مع وجهاء العائلات، لذلك فإن نجاح تجنيد هذه الأصوات يهم أيضا وجهاء العائلات، فالاتفاق اتفاق، لذلك شكّل وجهاء العائلات حواجز بفعل ضغوطات على أفراد العائلة، ولما كان السكوت هو أفضل طريقة لعدم التعرض لهكذا ضغوطات كان الهدوء الحالي. وقد يسأل سائل، كيف لوجهاء العائلات وأذرعهم أن يعلموا بأي صوت يدلي فلان وعلان خلف ستار الصندوق، لا حاجة لأن يعلموا، يكفيهم الاستشعار من تصرفات فلان وعلان، لذلك فالسكوت كان أسلم وسيلة، وعلى العموم فهذا الوضع ليس دائما لكي يستدعي مقاومته ورفضه بصخب، فهو مرة كل خمس سنين، وهذا سبب آخر للسكوت الذي يليه الإحباط وتفاقم أزمة الثقة.
وقد يقول آخر ان الانتخابات في القرية من المحتمل بشدة أن تشهد جولة ثانية، وهي مدعاة لحفظ السلام والصداقة بين الأطراف المتنافسة على إدارة المجلس المحلي، فقد يحتاج فصيل فصيلا آخر في الجولة الثانية، لذلك فإن الامتحان الحقيقي لهذا الهدوء هو الجولة الثانية لا الأولى، فإذا نظرنا إلى القرى أو المدن التي من الواضح أنها لن تشهد جولة ثانية، فسنرى أن الجو العام مستعرا فيها أكثر منه في المدن والقرى التي ستشهد جولة أخرى، لذلك فإن رجاحة العقل والمستوى الثقافي والوعي سيتجلى في الجولة الثانية أكثر من الجولة الأولى التي تضمن سلامها مصلحة المرشح وقائمته في حال تجاوزها المرحلة الأولى بنجاح.
طبعا هذه الأسباب ليست الوحيدة التي ساهمت في هدوء الجو العام في القرية، فهناك أسباب أخرى -أكثر إيجابية ربما- أذكر منها هدوء المرشحين وعدم انجرافهم خلف إلهاب الجماهير وتحريك مشاعرهم بشتى الطرق، وإن كان سبب هذا يعود لما ذكرته آنفا، فقد فهم رجال السياسة المحليّة وأدركوا مفاتيح إدارة اللعبة الانتخابية، يكفي آل فلان أن ترضي منهم "كبيرهم"، لذلك فإن إلهاب وشحن الجو العام سيعود بالسلبية على فاعله ليس إلا. كما أن علاقات النسب واختلاط العائلات من حيث الأنساب لها دور في ضبط النفوس وعدم الانزلاق خلف النزاعات والضغينة.
ويبقى السؤال حول نجاعة هذا الهدوء مفتوحا، فقد تَضمَنُ هذه الصمامات الهدوء المنشود، لكن هل تضمنه على مدى أبعد، وهل تضمن جودته؟
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net