د.محمد خليل مصلح في مقاله:
لماذا نجا عبد الناصر والقيادة العسكرية من محاكمة التاريخ عن هزيمة حزيران ؟
فكرة التقسيم و التوسع والاستيطان كانت دافع قوي لبن غوريون ليفكر بالحرب والاستيلاء على الاراضي الفلسطينية بحسب قرار التقسيم
منذ كارثة 1948 إلى هزيمة 1967، أي طول 19 سنة كاملة، استمرت احتفالات الصهاينة بالانتصارات للأسباب ذاتها التي التقطتها دولة اسرائيل واستغلت البيئة الاستراتيجية كما لخصها ديفيد بن غورين: نقص الادارة والتنظيم العربيين
هزيمة حزيران لم تزل تتحكم في أي مسار الصراع مع دولة الاحتلال وان حرب تشرين التحريكية لم تزل اثاره على صعيد القضية الفلسطينية بل جرت كل الدول العربية للاعتراف بإسرائيل
تكتيك خلق النزاعات الى الافتعال المباشر للحرب مع الدول العربية كانت منذ البداية وهو مرتبطة بنضج الظروف بالنسبة للاحتلال وهذا ما كان في حرب الايام بل الساعات الستة نزاعات عربية حرب اليمن ونزاعات داخلية الوحدة العربية والصراعات على السلطة في الدولة الواحدة مراكز القوى المرتبطة بصالح الاستعمار والمصالح الشخصية وهكذا كانت الظروف المحيطة في هزيمة حرب حزيران 67 التي لحقت بجموع الدول العربية وجيوشها ، ومازال السؤال لم يجد له الجواب كيف هزمت اسرائيل الجيوش العربية في ستة ايام بل ستة ساعات ؟ من المسئول عن الهزيمة ؟ وأين دور الشعوب في معاقبة اؤلئك الزعماء القوميين عن الهزيمة ولماذا لم تحاسبهم ؟ ولماذا نجا عبد الناصر والقيادة العسكرية من محاكمة التاريخ عن هزيمة حزيران ؟.
لاشك انها مرحلة افقدت العرب الثقة بالنفس في هزيمة دولة الاحتلال وأسست لنظرية التطبيع مع الاحتلال في السر ومد جسور التعاون والتآمر على القضية الفلسطينية ،ومع ذلك ظل خيار المقاومة والأمل في مواجهة دولة الاحتلال في اطار وحدوي وبقي الامن القومي العربي بنظريته الجماعية وان اسرائيل عدو مركزي للعرب ولم تتجرأ دولة عربية الاعلان عن التطبيع وبناء علاقات مكشوفة مع اسرائيل ، وعقدت تلك الدول في" العاصمة السودانية الخرطوم في 29 أغسطس1967 على خلفية هزيمة عام 1967 أو ما عرف بالنكسة. وقد عرفت القمة باسم قمة اللاءات الثلاثة حيث خرجت القمة بإصرار على التمسك بالثوابت من خلال لاءات ثلاثة: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه، وحضرت كل الدول العربية المؤتمر باستثناء سوريا". حتى حرب تشرين 73 التي يبدو لي انها كانت تحت غطاء تحريكي لجر المنطقة الى السلام مع اسرائيل جماعيا او فرديا والاعتراف بها شريك وجزء من امن المنطقة القومي، وما زال موضوع اعتبارها جزء من الامن القومي مستبعد الحدوث لكن هناك ما يسمى في اطار مشروع شيمعون بيرس الشرق الاوسط الجديد ما يسوغ لدول المنطقة الاعتراف بإسرائيل تحت هذا الغطاء، وهو ما يطالب به اليوم؛ من دول عربية خليجية في اطار مواجهة التمدد الشيعي والتهديد الايراني لسيادة دول المنطقة خاصة منها الخليجية.
ديفيد بن غوريون مهندس الحرب
في العام 1967 لخص بن غوريون فكرته عن العرب بما يلي: " لا توجد حقوق تاريخية الا تاريخ شعبنا وأرضه، لا يوجد شعب بعيد عن ارضه ومشتت 2000 سنة. هناك حق للعرب في ارض إسرائيل ولكن لا حقوق للأمة العربية في ارض اسرائيل التي لها مطالب واحد وهو الشعب اليهودي الذي لا يملك بلد اخر .... للأمة العربية توجد بلاد كثيرة وأكثرها غير مأهولة.
وهو لم يكن يرى في حدود 1948 تكفي لدولة اسرائيل وكان يرى حاجة اسرائيل لمزيد من الاراضي لإغراض امنية وعسكرية لحماية الجبهة الداخلية وحتى لا تكون مسرح أي حرب قادمة المجال الاستراتيجي الدفاعي للدولة؛ ففي يناير 1964 ، وضعت هيئة الأركان العامة للجيش الاسرائيلي عدة خطط عسكرية مفصلة، تهدف الى توسيع حدود إسرائيل في جميع الاتجاهات. وكان ذلك في خطط؛ أهم هذه الخطط: الجيش الإسرائيلي؛ احتلال سيناء وقطاع غزة، والوصول الى قناة السويس باسم خطة كلشون) الشوكة او المذراة (: وهي خطة السويس خلال ستة أيام. ووضعت هيئة الأركان هذه الخطة في آذار/ مارس 1964، واستندت هذه الخطة الى تفعيل خطة "موكيد" ) الموقد ( التي وضعها سلاح الجو لجيش الاحتلال لضرب المطارات المصرية وتدمير الطائرات فيها، ومن ثم تتقدم القوات البرية لاحتلال سيناء من عدة محاور، و احتلال الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية والوصول الى خطة فرجول פרגול ) الكرباج (: وهي خطة الجيش الاسرائيلي الى نهر الأردن خلال 72 ساعة. وهي تطوير لخطط إسرائيلية سابقة بهذا الشأن، واحتلال هضبة الجولان السورية حتى مشارف دمشق، واستندت خطة ملكحايم) الكماشة".
ففكرة التقسيم و التوسع والاستيطان كانت دافع قوي لبن غوريون ليفكر بالحرب والاستيلاء على الاراضي الفلسطينية بحسب قرار التقسيم؛ حيث يرى في الموافقة على حدود 48 تكتيك مرحلي لتأسيس نوة دولة اسرائيل بقرار دولي، والآن جاءت اللحظة لتصحيح النهج التكتيكي الذي تطلبه تحقيق قرار قيام دولة اسرائيل ، وفي مقالة لوزير خارجية اسرائيل آبا ايبان صيف 1965 مجلة الشؤون الخارجية بعنوان( الواقع والرؤيا في الشرق الاوسط – نظرة اسرائيلية) ورد فيها " ليس من السخف ان نتصور قادة العرب يطالبون في المستقبل بالحاح بالعودة الى حدود 1966 او عام 1967 كما يطالبون اليوم بالعودة الى حدود 1947 تلك الحدود التي رفضوها في الماضي"
اسطورة النصر الجيش الذي لا يقهر.
منذ كارثة 1948 إلى هزيمة 1967، أي طول 19 سنة كاملة، استمرت احتفالات الصهاينة بالانتصارات للأسباب ذاتها التي التقطتها دولة اسرائيل واستغلت البيئة الاستراتيجية كما لخصها ديفيد بن غورين: نقص الادارة والتنظيم العربيين.
وهذا ما اشار له الفريق فوزي في مذكراته بتحديد رؤية للأسباب التي أدت إلى نكسة 1967، فيراها في العوامل الأتية:"
• التأثيرات السلبية لتركيز جهود القوات المسلحة المصرية على عملية الوحدة مع سوريا، ثم حرب اليمن، من حيث عدم الاهتمام بالتدريب وإعداد القوات المسلحة وتجهيز مسرح العمليات الرئيسي للمعركة المقبلة مع اسرائيل.
• العجز عن تحقيق الحد الادنى من التضامن العربي الكفيل بمساعدة دول المواجهة في وضع توقيت مناسب للمعركة مع اسرائيل.
• عداء الولايات المتحدة والدول الغربية السافر لنا، والأثر المهم لهذا العداء في عدم العدو الاسرائيلي.
• الصراع الخفي بين الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر، منذ 1962(أي بعد فشل الوحدة)، وانفراد المشير بالسلطة الفعلية في القوات المسلحة، تسبب في عدم وجود رأي جماعي وأثر بالتالي على صنع القرار الاستراتيجي العسكري للدولة.
• أن دعوى الأمن، أي أمن القائد والقوات المسلحة إلى الطريق أبعد ما يكون عن الالتزام الأصلي استعداد للمعركة ثم ان القوة واستغلال النفوذ والخلط بين السلطات والتمادي في الاستهتار وعدم الانضباط والتعالي والمخادعة لإعلامية عزل القوات المسلحة عن الشعب.
• وأخيرا القناعة بأن خطوة اغلاق خليج العقبة تمت بإصرار من المشير عامر.
• أن الأدبيات العربية تمتلئ بأطنان من التحليلات ووجهات النظر حول الأسباب التي ادت إلى سلوك طريق الهزيمة العسكرية في عام 1967 منها ما يتركز على العوامل الخارجية ومنها ما ينطلق من المعطيات الاقتصادية – الطبقة، ومنها أخيرا ما يرى في عوامل الايديولوجية أو "الايدولوجيا المهزومة" الجوهر الحقيقي للازمة".
الهزيمة لم تتوقف على الجغرافيا رقعة الأرض الجديدة التي تم احتلالها، والمقدرة بـ 68,659 كلم2 بل منحت دولة الاحتلال الخيال والاعتقاد بالعظمة وضعت فكرة ان يكون جيش الاحتلال اقوى من الجيوش العربية مجتمعة وهو الحل الوحيد للحفظ على ردع العرب من خوض حرب جدية ضدها "ديناميكية الهزيمة" واستغلالها لمصلحتها.
رفض هزيمة حزيران
وهكذا شكلت هزيمة عام 1967 نقطة تحول حاسمة في تاريخ المنطقة العربية وأساس منطقي جديد للتفاوض عليه وهذا ما كان يؤسس له قادة الاحتلال لانه كان هناك ادراك مبكر ووعي من قبل دولة الاحتلال ان المفاوضات ستتحقق بعد الاقرار العربي بالهزيمة واستحالت الانتصار العسكري عليهم أي كان التوسع تمهيدا للمفاوضات وهكذا تبلورت اهمية الرقعة التي تم التوسع فيها "وأصبحت محورا أساسيا في أزمة الشرق الأوسط وموضوعا لتجدد النزاع المسلح، ولمشاريع "السلام" المتلاحقة".
وهذا ما عبر بــن - غوريــون في مذكراتــه في ٢٣ تشــرين الأول/أكتــوبر ١٩٥٠" :قبــل قيــام الدولــة، عشــت أعوامــاً كثيــرة مصحوباً بكابوس احتمال إبادتنا... وأصـبح الخطـر في الواقـع أكثـر حـدة بإنشـاء الدولـة وبانتصارنا العسكري."
رفض الهزيمة المخادع على المستوى الرسمي
لا شك ان رد الفعل على الهزيمة كان بحجم الصدمة وانهيار الثقة بالنفس، وبذلك تشكل الاجماع العربي الظاهري برفض الهزيمة، والعمل على ازالتها والتي استغرق من مصر سنوات قبل حرب 73 تحت تكتيك حرب الاستنزاف .
وقد ولدت هزيمة الفكر القومي العربي الاشتراكي الذي تزعمه عبد الناصر والحزب العربي الاشتراكي؛ جملة من التطورات والانقلابات العسكرية، وفي نفس الوقت تحفيزا لدى الفلسطينيين للاعتماد على انفسهم باستغلال ردة الغضب من الجمهور العربي على الهزيمة، وقد عكس نشاط المقاومة الفلسطينية والالتفاف الشعبي حولها أحد مظاهر هذا المد الجماهيري.
ولقد كشفت المواقف الدولية خاصة الاوروبية ومدى التزامها بأمن دولة الاحتلال وحجم المساعدات التي تقدمها، ونشاط اسرائيل في تطوير ترسانتها العسكرية على حساب ترسانة الجيوش العربية .
الهروب من تحمل المسؤولية ثقافة عربية مبنية على تشوه بنيوي في نمط التفكير والحياة في العقل العربي؛ عدم قبول تحمل المسؤولية تأليه النفس والقرارات الديكتاتورية باعتمادها على قرار الفرد وتقديسه لفرض الطاعة على الاخرين، والخضوع وزرع الرهبة من محاسبة قرار الفرد ، وهكذا التاريخ يكشف حقيقة الموقف العربي من الاحتلال والعلاقات التاريخية معه لدول كثيرة في الخليج ومن الجوار ما يعني انهم انتظروا تلك السنوات الواحدة والخمسين ليبدأ العد التنازلي في الاعتراف بإسرائيل، واعتبارها عنصر مهم جدا في الامن القومي العربي والتصريح بصداقة اسرائيل، وحاجة النظام العربي الرسمي للتحالف معها للحفاظ على المصالح المشتركة في مواجهة رياح التغيير القادمة؛ من المشروع الايراني الشيعي او المشروع التركي الاسلامي الاخواني كما يعبر عنه ابواق اعلامية ،ومؤسسات اكاديمية تابعة لنظام التبعية العربي في اطار التحالف الامريكي الصهيوني.
الخلاصة
ان هزيمة حزيران لم تزل تتحكم في أي مسار الصراع مع دولة الاحتلال وان حرب تشرين التحريكية لم تزل اثاره على صعيد القضية الفلسطينية بل جرت كل الدول العربية للاعتراف بإسرائيل ونجت اسرائيل في حروبها بترويض العرب للقبول بها بل الايمان انها عامل استقرار للأمن القومي العرب و المنطقة في مواجهة الاخطار التي صنعتها اسرائيل وأمريكا للعرب وان ما يجري اليوم من تصفية لقضية الفلسطينية تم بحلول هزيمة 1967م.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net