اعتقد انه يتوجب علينا أن نخوض بعمق في موضوع الآثار المترتبة عن الأسى، لنكتشف من اجل أنفسنا إمكانية تعايش الحب والأسى.
وان نكتشف أيضا ماهية علاقتنا بالأسى كبشرية، وليس فقط حزننا الشخصي اليومي، والجرح،والألم، والحزن الذي يتسبب به الموت. لقد خاضت البشرية آلاف الحروب، إلى حد يبدو فيه أن الحرب لا تنتهي. وفي كل أنحاء العالم، تركنا أمر تحقيق السلام للسياسيين، إلا أن مايفعلونه، إن فهمتموهم جيدا، لن يجلب السلام أبدا. فنحن جميعا نحضر للحرب. وذات يوم، ستتفجر هذه التحضيرات في مكان ما من العالم. وككائنات بشرية لم نتمكن أبدا من العيش بسلام مع بعضننا،مع أننا نتحدث دوما وبكثرة عن السلام. كما بشرت الأديان بالسلام_ بالسلام على الأرض وبالنوايا الحسنة_ لكن يبدو أنه لم يكن بالإمكان تحقيق السلام على الأرض، وأنا لا أعني هنا الأرض الفرنسية أو البريطانية، بل أرضنا. أرضنا نحن!!!
فنحن لم نتمكن يوما من حل مشكلة قتلنا لبعضنا البعض.
ربما يوجد العنف في قلوبنا، وربما لم نتحرر البتة من الإحساس بالعداوة، أو من الرغبة بالثأر، لم نتحرر من مخاوفنا وآلامنا وماسينا وجراحنا، ولم نتغلب على آلام الحياة اليومية، لم نحظ أبدا بالسلام أو بالراحة، بل نعيش دوما في عناء. هذا بعض حياتنا ومن معاناتنا اليومية. لقد جرب الإنسان العديد والعديد من الطرق، بدون حب، للتحرر من كل تلك المعاناة، فقمعها وهرب منها، متماهيا مع أمور أعظم، مسلما نفسه للأفكار أو المثل أو المعتقدات. إلا أنه، على مايبدو، لايمكن لتلك الآلام أن تنتهي، فقد اعتدنا عليها، وأعددنا لها العدة، وتسامحنا معها، من دون أن نسأل أنفسنا أبدا، بوعي وبجدية، ما إذا كان من الممكن إنهاؤها.
فكيف يمكن للحب أن يوجد إذا لم نتخلص من الأسى؟ غريب ربطنا الأسى بالحب. (أنا أحب ابني وحين يموت سأمتلئ حزنا)_ ذلك الحزن المرتبط بالمحبة. وهانحن نتساءل: هل من الممكن أن يوجد الحب حين يوجد الأسى؟ وهل الحب يعني الرغبة، هل يعني الحب المتعة_ بحيث إننا إذا حرمنا من تلك الرغبة والمتعة سيتولد الحزن؟ نحن نقول إن المعاناة كالغيرة والتعلق وحب الامتلاك هي بعض من الحب. لكن هذه اشراطاتنا، وهذه هي الطريقة التي نشأنا عليها، إنها جزء من ميراثنا وثقافتنا. الآن، يمكن للحب والحزن ألا يتفقا.
وهذا ليس كلاما نظريا او تأكيدا كلاميا فارغا. فعندما يتمعن الواحد منا في أعماق الأسى ويفهم صيرورته التي تشمل المتعة والرغبة والتعلق ونتائج هذا التعلق وعواقبه وما يتسبب به من خراب، ويدرك طبيعة الأسى. أم ان الحب شيء يختلف كليا؟ يجب إن يكون واضحا إن تكريس الذات لشخص او لرمز او للعائلة ليس حبا.
لأني إن كرست ذاتي من أجلك لأسباب عديدة فسيكون هناك حب حتما.
إذا كنت تمنحني المتعة الجنسية او سواها فان هذا سيولد التبعية، أي أن الدافع سيكون الاتكال عليك، لأنك تعطيني شيئا ما في المقابل، وطالما بقينا معا اسمي مايجمعنا حبا.
لدى وجود الطموح، سواء في العالم المادي او في العالم النفسيكطموح ان تكون في القمة وان تحصد النجاحات المستمرة وان تحوز على السلطة الدينية او المادية هل يمكن للحب أن يوجد؟ من الواضح إن هذا غير ممكن. ونحن نعترف بأن هذا غير ممكن. ورغم ذلك نستمر في بناء العلاقات....
على سبيل المثال أنا طموح، وأريد أن اقترب من الله روحيا، وأن أكون يده اليمنى، وأريد أن أحقق الاستنارة_ أنت تعرف كل تلك الخيبة، ليس بوسعك أن تستنير، ليس بوسعك تحقيق ما يتجاوز الزمن. يستمر التنافس والخضوع والغيرة والتخوف والكره يسري في أنفسنا وفي أعماقنا.
فإما أن نعي ذلك أو أن نتفاداه. ومع ذلك نستمر في قول: أحبك....لزوجي أو لأبي كائنا من كان. وما الذي يحصل عندما توجد كل هذه التناقضات العميقة في حياتي وفي علاقاتي؟ كيف يمكن لهذا التناقض أن يفسح مجالا لوجود الصدق.. ومع ذلك هذا مانفعله إلى أن نموت. هل يمكن لأحدنا أن يعيش بدون طموح وبدون منافسة؟ انظر إلى ما يجري في العالم الخارجي، هناك تنافس بين مختلف الأمم، يتنافسون السياسيون فيما بينهم اقتصاديا وتقنيا وفي بناء أدوات الحرب، وهكذا تجدنا ندمر أنفسنا، ونحن نسمح لهذا بالاستمرار لأننا تنافسيون في أعماقنا...
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net