جاء المساء واخذت تلم الشمس أذيالها الذهبية عن الحقل
فجلس يذرف الدموع على حضيض وطئته
عندما يضيق القلب بأسرارهِ وتتقرح الأجفان من حرارة دموعها
وتكاد الدموع تتمزق من نمو مخبآت الصدور
لا يجد المرء سوى البكاء والشكوى
حانياً رأسهُ على صدرهِ كأنه يمنع قلبه من الخروج
جاثياً على ركبتيه مثلما فعل موسى عندما رأى العليقة مشتعلة أمامه
ولما أراد الكلام إرتج عليه فنابت عيناه الطافحتان بالدمع عن لسانه
وإنفجر قلبهُ عنوة، وقال بصوت مهزوم:-
"لو لم يكن العمر لحظة لكنت صعدتُ النجوم
لو لم يكن العمر لحظة لكنت تلحفت الفضاء
لو لم يكن العمر لحظة لكنت لبست اجنحة طائرٍ
لو لم يكن العمر لحظة، لأحببتكِ محبة مطلقة
لو يكن العمر لحظة، لعشت بلا قيود وسلاسل
لو لم يكن العمر لحظة، لما انشغلت بكلام الناس
لو يكن العمر لحظة لعاينت الحياة بتفاصيلها
لو لم يكن العمر لحظة، لما خبأت ضحكاتي
لو لم يكن العمر لحظة، لأطلقت روحي نحو الفضاء
لو لم يكن العمر لحظة لفعلت كل ما تمنيت
فولى العمر، وتراكضت السنين، ولم أفعل شيئاً
وها هي روحي تفارق جسدي، حزينة على ايامي
باكيةً على جهلي، وعلى سنيني الأشبه بالهشيم"
فهمدت الأصوات ، وسكنت الحركات ، وسكنت الجوارح
وقد ألفيته جثة تارزة لا روح فيها، وألفيته جسداً هامداً
وفي الجِنازةً مشيت خلف النعش، مطأطئة الرأس احتراماً
وكان الضباب قد انحدر من أعالي الجبال وغمَرَ نواحي البلدة
فوقفت محدقةً بالناس، مصغية إلى تهاليلهم،
مفكرة بالقوى السرمدية الكامنة وراء الحياة
فالحياة عبار ة عن لحظات
لحظات يُمجدها الفرح
ولحظات تمزق ثيابها حزناً
وهناك أناس موتى بحياتهم
فالدقيقة تلي الأخرى
وهم عالقين بين دقائق الحياة بلا حراك
هاربين من أحلامهم، رافضين ضحكاتهم وبكائهم
يجلدوا امنياتهم، صالبينَ قلوبهم
وساجنينَ عقولهم خلق القضبان
فإنهم موتى الى أجل غير مسمى
وبعضُ الناس كالسلم يصعد عليه الصاعدون
وينزل عنه النازلون
واما هم فلا يصعدون ولا ينزلون
***
في لحظات الحياة عليك ان تشعر بحواسك
عليك ان تعاين النور المستتر وراء الظلمة
في لحظات الحياة عليك ان تسمع في ليلك الحالك
تراتيل الصباح، وتغريد العصافير
في لحظةٍ ستسقط لتقوم، وترفع رأسك نحو العلاء وتبتهج
وعندها نفخت الحياة بي روحها
فصعدت الى الجبل المقدس لأعاين تفاصيل الحياة
فأدركت أن العمر رقماً من اختراع البشر
وأن الحياة أسمى وأفضل من أن نحيا بدائرة الأرقام
وحينها صرت أبحث في أعماق ذاتي
وأبحر بين مشاعري وبين دفاتري
عن فرحٍ أبدي يعانق ذاتي
ويتربع على عرش قلبي
فتتكلل حياتي بلحظاتٍ من نور
الرامة
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net