ما زالت انتخابات السلطات المحلية العربية حكراً على العائلات الكبيرة سواء أكان المرشح تقدم باسم العائلة أم باسم حزب محسوب على عائلة، فإن تغير الشكل فالجوهر نفسه، هو التقوقع داخل عباءة العائلة الكبيرة، وكأنه لا دور ولا وجود للعائلات الصغيرة في البلدان العربية
أسماء بلا مضامين وكلام بلا عمل ووعود بلا تنفيذ وأوهام جوفاء وشخصيات خرقاء وديكورات زائفة ووجوه بلاستيكية وقلوب بلا نبض وعقول عليها أقفالها، لا هم لهم إلا مصالحهم، ولا تشكل قضايا الشعب عندهم أدنى اهتمام
ومن اللافت للانتباه في هذا الصدد أمر بالغ الأهمية ويفرض نفسه بعمق في المشهد الانتخابي المحلي العربي، ألا وهو وضع المرأة العربية في السلطات المحلية العربية، فأين دورها ووجودها؟
لماذا لا نشهد حتى يومنا هذا وجود امرأة مرشحة لرئاسة بلدية، أو حتى لعضوية بلدية؟
انتخابات السلطات المحلية العربية عملية سياسية هامة جدا، وهي أحد أهم التطبيقات النقابية والسياسية في أي مجتمع، ووجه حضاري للتفاعل الاجتماعي والسياسي.
بدأت القصة في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، حيث منح الحُكّام العسكريون الإسرائيليون إدارة السلطات المحلية في كل منطقة إلى مخاتير العائلات الكبيرة الذين كان أغلبهم آنذاك أعضاء في حزب ( مُباي)، وبذلك قدّم الحكام العسكريون مكافأة للمتعاونين معهم على الدور الذي لعبوه والعمل الذي قاموا به خدمة لأهداف إسرائيل، ولم تباشر السلطات المحلية العربية عملها آنذاك بصورة ديموقراطية بحتة، كمؤسسة منتخبة، ولم يكن هدفها خدمة المواطنين وتسيير سبل عيشهم ووجودهم وبقائهم، وإنما تمحور دورهم في تلك المرحلة على أن يكونوا أداة سيطرة على الداخل.
لقد كان من بين أهداف تعيين الدولة للمخاتير أو تسهيل انتخابهم هو تقسيم العرب إلى طوائف ومناطق وخلق أجواء تنافس شديدة في انتخابات السلطات المحلية لتعميق الانقسام بين شرائح المجتمع العربي وأبنائه، وتفعيل سياسة ( فرّق تسد)، ولصرف وجهة الصراع وتغيير اتجاهه، من صراع قومي بين العرب واليهود إلى صراع طوائف وقبائل وعائلات عربية بعضها ببعض، وأكبر دليل على ذلك هو تنظيم صناديق الاقتراع حتى يومنا هذا في القرى العربية على أساس عائلي.
وعلى النقيض من هذا الشكل للمجالس المحلية العربية، فقد مارست المؤسسة العسكرية الضغوط الشديدة على المجالس التي حصل فيها الحزب الشيوعي على نسبة كبرى من التمثيل وشكل فيها ائتلافاً. إذ كانت تلك المجالس تنتمي لهذا الشعب العربي، وتعمل على تثبيت صموده وتحسين ظروف عيشه ولهذا واجهت المجالس المحلية حملات من المضايقات والمحاربة ومحاولة إفشال وإخماد جذوة تلك المجالس لأنها لم تكن تسبح بحمد الدولة ولم تكن تدور في فلكها ولا تأتمر بأوامرها ولا تنتهي بنواهيها.
واليوم وبعد مرور خمسة وستين عاماً نشهد الأمر نفسه وإن تغيرت الأساليب والوسائل.
فما زالت انتخابات السلطات المحلية العربية حكراً على العائلات الكبيرة سواء أكان المرشح تقدم باسم العائلة أم باسم حزب محسوب على عائلة، فإن تغير الشكل فالجوهر نفسه، هو التقوقع داخل عباءة العائلة الكبيرة، وكأنه لا دور ولا وجود للعائلات الصغيرة في البلدان العربية، ومما يزيد الطين بِلة بعد العملية الانتخابية هو ما ينتج عنها من تعيينات في السلطات المحلية لموظفين ومعلمين ومديري مدارس غالباً ما ينتمون إلى تلك العائلات الكبيرة وكأننا نعيش ليس في فترة الخمسينيات فحسب، بل في العصر الجاهلي القبلي عصر القبيلة وشيخ القبيلة وابن شيخ القبيلة......
أسماء بلا مضامين وكلام بلا عمل ووعود بلا تنفيذ وأوهام جوفاء وشخصيات خرقاء وديكورات زائفة ووجوه بلاستيكية وقلوب بلا نبض وعقول عليها أقفالها، لا هم لهم إلا مصالحهم، ولا تشكل قضايا الشعب عندهم أدنى اهتمام.
يعيشون في ظل القبيلة التي هي من مخلفات العصور البائدة والأزمنة الغابرة وما زالوا معزولين عن الواقع ومحجوبين عن الشمس لا يعلمون إلى أين وصلت البشرية يجهلون معنى قول النبي الحبيب – عليه الصلاة والسلام : لا فضل لعربي على أعجمي... إلا بالتقوى".
ليس عندهم أدنى فكرة عن قوله تعالى: " إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم".
ما زالوا خارج العصر وإن لبسوا ثياب العصر لكن عقولهم يسكنها الغبار، وهم كمن يقبع في كهف أو غار، يتشدقون بالعشيرة التي ولى زمانها وأوانها وانحسر تأثيرها وأثرها...
اليوم الزمن للميدان لمن يعمل لمن ينجز لمن يقدم لمن يضحي :" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".
ومن اللافت للانتباه في هذا الصدد أمر بالغ الأهمية ويفرض نفسه بعمق في المشهد الانتخابي المحلي العربي، ألا وهو وضع المرأة العربية في السلطات المحلية العربية، فأين دورها ووجودها؟
لماذا لا نشهد حتى يومنا هذا وجود امرأة مرشحة لرئاسة بلدية، أو حتى لعضوية بلدية؟
وإن كنا نشهد تغييرا ًطفيفاً في هذا السياق مثلما حدث في سخنين، فهذا غير كافٍ فمعظم البلدات العربية ما زالت تفتقد إلى دور المرأة الريادي.
فحقوق المرأة ليست اقتصادية فقط، بل هي سياسية واجتماعية ....
كيف نسعى لرفع الظلم الواقع علينا والإجحاف الذي تمارسه المؤسسات الإسرائيلية بحقنا، ونحن نمارس هذا الإجحاف ضد أنفسنا؟
لماذا نتباكى من تهميش إسرائيل لنا وعنصريتها ضدنا ما دمنا نتفنن في إذكاء العنصرية بين أنفسنا، وما دمنا نهمش أنفسنا، وما دمنا نقصي شرائح واسعة من مجتمعنا العربي، وما دمنا نتصرف وكأننا في الصحراء قبل خمسة عشر قرناً؟
ألم نسمع بحديث الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – وهو يحذر من العصبية القبلية والنزعة العائلية والعشائرية وهو يقول: " دعوها فإنها مُنتنة".
ألم نستوعب قوله تعالى:
" إنَّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
فالتغيير يبدأ من الداخل. والذي لا يقيم نظاماً سليماً في داخل نفسه، لا يمكنه تأسيس نظام قابل للعيش والبقاء على الأرض.
ونحن نستحضر بيت الشعر العربي القديم القائل:
لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتي مثلَه عارٌ عليكَ إذا فعلْتَ عظيمُ
وفي النهاية: المجالس المحلية ليست هدفاً بل وسيلة حضارية لخدمة الشعب، والتربع على كرسيها لا ينبغي أن يكون تشريفاً للظهور والوجاهة بل يجب أن يكون تكليفا لأنه منوط بمدى الانتماء إلى قضايا الناس وهويتهم وحقوقهم السليبة والخدمات المنتقصة والواقع العصيب...
ولا يجوز أن نعود آلاف السنين للوراء فيما يتقدم جميع البشر إلى الأمام...
لا يجوز أن تكون العائلة معياراً للقيادة بل الكفاءة والنزاهة واليد البيضاء النظيفة والسجلات المشرفة والإخلاص هي المعيار الأمثل والأقوم والأسمى لتولية المسؤولين شؤوننا وأُمورنا وإدارة مصالحنا... وما عدا ذلك فسوف نظل نحصد في الهشيم.