سونا زعبي عثمان في مقالها:
إلى متى سيستمر هذا الهوس في جسد المرأة، والى متى ستسمر المحاولات المتكررة في تقليص المساحة المكشوفة منه حتى لا تثير الرجل، لا سمح الله، طبعا؟!!
الى متى ستبقى مهمة ترويض الشهوة الذكورية ملقاة على عاتق الطفلة والفتاة والمرأة؟ ولا يحتصر هذا الهوس بمجتمعنا العربي، فهو لا يزال، وإن تفاوتت حدته من بلد لآخر، يسبب المعاناة لكل نساء العالم
من قبل دخول الديانات للبشرية وثم بالطبع من بعد دخولها، خضعت المرأة لعشرات الآلاف من السنين لرحلة "تبييتها" فتنحت جانبا ولا ادري للآن رغم بحثي هل تم هذا الشيء بارادتها او برغبة من الرجل او من أجل اَي سبب آخر
نرى انه كلما زادت حصة الرجل في إحضار المدخول المادي او التمويني أكثر، كلما أضاف في صلاحياته في اتخاذ القرارات المصيرية والتحكم في الهيكل الزوجي والعائلي المشترك، وبما في ذلك التحكم بجسد المرأة
ان كانت الديانات السماوية قد أعلنت انها تعمل على حماية المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع والعمل على المساواة ما بينها وبين الرجل، كيف عملت اذا على تغطية جسدها وحثها على إخماد رغبتها الفطرية في إبراز جمالها وشخصيتها عوضا عن تكريس الطاقة الدينية في ترويض الشهوة الذكورية؟
نحن متدينات او غير متدينات، متحفظات او ليبراليات راديكاليات، لا يهم، نحتاج أن نقف معا يدا بيد، بصدق، شفافية ومسؤولية من اجل تحسين مستقبل طفلتنا، طالما لا نزال نعاني في كل مكان من جميع انواع التحرش لمجرد أننا خلقنا إناثًا.
"أخوها لا يسمح لها أن تخرج من البيت بهذا الفستان"
"زوجها لا يحب أن تلبس القصير"
"كيف يسمح لها والدها بالخروج هكذا؟"
كلما سمعت هذه الجُمل في المجتمع من حولي، والتي تتفوه فيها امرأة في العادة، أشعر بالإحباط وأنا أسأل نفسي تكرارا
"تبا!
إلى متى سيستمر هذا الهوس في جسد المرأة، والى متى ستسمر المحاولات المتكررة في تقليص المساحة المكشوفة منه حتى لا تثير الرجل، لا سمح الله، طبعا؟!!"
وأعود لأبحث من جديد، كما أفعل دائما عندما أرغب في رؤية الحقيقة أكثر، فأبحث في كل مكان عن تاريخ هذا الهوس، ابحث في الماضي البعيد وفِي الحاضر، كيف ومتى أصبحت المرأة وجسدها ملكا لرجال عائلتها ومجتمعها، من أبيها وأخيها وعمها.. ثم انتقاليا الى زوجها وحتى ابنها!! ناهيك أن يكون ملكا أيضا لعيني رجلٍ جائع همجي في شارعها يجب أن تتمنع من إمكانية أن يثير جسدها غريزته؟!
وما هذا الهوس المريض في جسدها؟؟ والى متى؟
الى متى ستبقى مهمة ترويض الشهوة الذكورية ملقاة على عاتق الطفلة والفتاة والمرأة؟ ولا يحتصر هذا الهوس بمجتمعنا العربي، فهو لا يزال، وإن تفاوتت حدته من بلد لآخر، يسبب المعاناة لكل نساء العالم.
وبما أن كل الأنبياء رجال، والغالبية الساحقة لحكام اليوم هم من الرجال كان علي أن أرجع في بحثي للوراء فيما قبل دخول الديانات والقوانين لحياتنا، حتى أحاول أن أبحث في أُسس علاقة الرجل الحقيقية بالمرأة منذ البداية وقبل أن يكتب الرجل القوانين بنفسه، السماوية كانت أم الدنيوية.
وأبدأ أبحث من جديد كهاوية لعلم الأنثروبولوجيا، فأُقلّب المقالات عما يفسر لي التغيير المستمر منذ ملايين السنين في علاقة الرجال والنساء خلال تطور البشرية. فأبحث عن مكانة المرأة في الحياة الاجتماعية منذ التكوين البشري، منذ المغارة، الى ان خرجنا للزراعة والحياة الريفية وثم لدخول الديانات ومحاولاتها لتنظيم حياتنا.
قبل مئات آلاف السنين إختلفت حياة المرأة. فقد كانت تعود من رحلات الصيد للمغارة برصيد يصل ما بين 60-80 بالمئة من غذاء اليوم، مما جعل مكانتها كبيرة من الناحية الاجتماعية ومن ناحية اتخاذ القرارات المصيرية وصولا الى الاستقلال الجسدي والجنسي، فكانت تقود في رحلات الصيد وكانت تتوزع المهام بناءا على قدرتها العقلية والجسدية دون أن توضع في خلف الرحلة بشكل مفهوم ضمنا.
لكن مع مرور السنين، من قبل دخول الديانات للبشرية وثم بالطبع من بعد دخولها، خضعت المرأة لعشرات الآلاف من السنين لرحلة "تبييتها" فتنحت جانبا ولا ادري للآن رغم بحثي هل تم هذا الشيء بارادتها او برغبة من الرجل او من أجل اَي سبب آخر، وكيف حُصِرَتْ انجازاتها رويدا رويدا في تربية الاولاد وبمسؤوليات البيت فقط، فتكون أقصى حدودها المساعدة في الحقل.
ونرى انه كلما زادت حصة الرجل في إحضار المدخول المادي او التمويني أكثر، كلما أضاف في صلاحياته في اتخاذ القرارات المصيرية والتحكم في الهيكل الزوجي والعائلي المشترك، وبما في ذلك التحكم بجسد المرأة، ما لا تقوم المرأة بفعله في حال كانت هي المسؤولة الرئيسيّة عن المدخول المادي أو التمويني.
أتمنى أن أتوغل أكثر لأتعرف على حياة المرأة في ذلك الوقت، منذ مئات وعشرات آلاف السنين، ما الذي كانت تقوم به خلال اليوم؟ من كان يهتم بالأطفال لو خرجت هي للصيد؟ هل كانت النساء والرجال الكبار في العمر يهتمون بالأطفال ليسمحوا للطبقة الفتية بالخروج للصيد؟ متى بدأ هيكل العائلة؟ ومتى يخرج الاولاد من العائلة للتزاوج والانضمام الى رفيق او رفيقة؟ هل كان الحُبْ هو الدافع للبحث عن الرفيق وبناء عائلة؟ ام ان الضمان المعيشي وتأمين الغذاء والحياة هو الدافع؟
وهل كان الرجل يحتكر جسد المرأة آنذاك؟ وكيف كان اُسلوب انتقاء الرفيق او الرفيقة؟ هل كانت المرأة تختار، أم الرجل؟ ام لربما اختيار مشترك؟ كل ذلك ربما قد يلقي ضوءا أوضح على بداية بنية العلاقة ما بين الرجل والمرأة.
وأعود ليومنا هذا من رحلة بحثي، وأجول النظر من حولي، وأفكر، ما الذي ساهمت به الديانات حين دخلت للبشرية لحماية المرأة وهل هذا حقا واجب الدين أم من واجب المرأة ذاتها أن تدافع عن حقوقها ورغباتها؟ ان كانت الديانات السماوية قد أعلنت انها تعمل على حماية المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع والعمل على المساواة ما بينها وبين الرجل، كيف عملت اذا على تغطية جسدها وحثها على إخماد رغبتها الفطرية في إبراز جمالها وشخصيتها عوضا عن تكريس الطاقة الدينية في ترويض الشهوة الذكورية؟
وإن كان ذلك الطريق صحيحا، فلماذا لم تفلح بذلك؟ لماذا نجد أصعب جرائم التحرش الجنسي تنكشف في المجتمعات المتدينة المغلقة وربما اكثر بكثير من المجتمعات الغير متدينة؟
أين أخطأت الأديان في المعادلة؟ وأين تخطئ الانسانية في هذه المعادلة؟ وأين الفجوة في علم النفس والعلوم الاجتماعية التي لم تستطع ان تدخل التوعية الجسدية والجنسية لدى اطفالنا في الهيكل الاجتماعي الحالي؟
وما الذي يجعل أفغانستان المتدينة أكثر دولة في العالم تعاني من التحرش الجنسي، وما الذي يجعل النرويج الغير متدينة أقل دولة في العالم تعاني من التحرش الجنسي. هل هو القانون الدولي؟ ام الأخلاق؟ ام الوعي؟
وبما أنني من سكان القدس، أرى أمامي المجتمعات المتدينة وغير المتدينة الثلاث بذروتها.
أرى المسلمة المتدينة، والمسيحية المتدينة واليهودية المتدينة.
وأرى هوس الرجل المتدين، المتزوج للمرأة المتدينة، لجسد المرأة.
وثم أرى هوس الرجل الغير متدين، المتزوج للمرأة الغير متدينة، لجسد المرأة.
وأعود لأدور حول نفسي ألف مرة لأفهم الحقيقة ونواة هذا الهوس.
أنا واثقة بأننا كمجتمع عالمي ذكوري، ومجتمع عربي ذكوري لا نزال نحتاج الى سنين عديدة من البحث والتطور والى العمل الاجتماعي الجذري المستمر لنستطيع أن نضع موضوع التحرش الجسدي والجنسي بأنواعه وأشكاله المختلفة على طاولة الحوار، في المدارس، في البيوت، في الجامعات، في أماكن العمل ولا سيما في الشارع.
فنحن متدينات او غير متدينات، متحفظات او ليبراليات راديكاليات، لا يهم، نحتاج أن نقف معا يدا بيد، بصدق، شفافية ومسؤولية من اجل تحسين مستقبل طفلتنا، طالما لا نزال نعاني في كل مكان من جميع انواع التحرش لمجرد أننا خلقنا إناثًا.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net