الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 13 / نوفمبر 00:02

الهاتف/ بقلم: أسيل منصور

كل العرب
نُشر: 28/10/17 07:35,  حُتلن: 18:32

في أرض بعيدة تشرق الشمس لزمن قصير وتغرق الأرض في باقي الأوقات في الظلمة.
بشاشة الضجيج في صباحٍ ليس بصباحٍ تصاب بالعين بشكل شبه دائم فيضجُّ المارّون بعضهم ببعض ويسير كلٌّ منهم برفقة سمّاعات تبعد عنهم دفء القرب بالغرباء ويجاهد كلٌّ منهم كي لا يسمع موسيقى داخليّة لأيٍّ من باقي العابرين لئلا تختلط عليهم الأمور فيقفوا فجأة ليتساءلوا عمّا إذا كان هناك خطأٌ ما في خارطة حياتهم.
إِلَّا تالة.. تالة التي كانت تمشي دائماً عكس السّير تخاطب الغرباء وتطلب أن يتوقفوا عن الأوتوماتيكية ليفكّروا برهة بماذا حلّ في العالم منذ الخليقة وإلى أين سيتجه إذا ما ظلّوا على ما هم عليه.

تالة بشعرها الأسود الداكن وعيناها الحالمتان
تقف في حجرة التلفون العمومي كل يوم ..لا لشيء يخصّها ولا لحاجة تمسّها إِلَّا أنّها تمسك السمّاعة وتصغي للصمت المطبق من الجهة الأخرى . لم يكن لتالة أيّ قِبْلَةٍ تتصل بها لكنّها أرادت أن تشغل حجرة الهاتف لتمنع الأحبّاء من الاتصال عبر هذا الجهاز المعطل للتواصل الحقيقي .
كانت تريد بشغلها لحجرة الهاتف أن تصنع جسرا يتقابل به أبناء العائلة وجهاً لوجه ..
هل كان يظنّ بيل چراهام أنّ الهواتف ستُعطل التواصل الحقيقي بين المُحبّين وستقطع أواصر الاتصال الإنساني الملموس بين النَّاس ؟! حين يطبق الصمت بين البعض فلا بدّ من هاتف شلّ العلاقة وجعلها روبوتوكية وبعيدة كل البعد عن البشرية وضعفها القويّ أمام الأحاسيس المبثوثة عبر تعابير الوجه ولغة الجسد المعبّرة .. بل إنّ التوّحد قد تفشّى حتّى بين غير المتوّحدين فباءت لغة العينين شبه معدومة عند الجيل الصغير من صنّاع الحياة أو الموت ..
وتالة ابنة الثمانين تسير بين المحطّات وقد غفلت عن أنّ حجرات الهواتف العمومية كادت أن تنقرض وأنّ كل شخص وإن كان غارقا في الفقر المدقع يمسك جوّالاً ويرسل عبره بضع صور رسمها غيره من الذكاء الاصطناعي وخطّتها الحواسيب ليعبر بها هو الإنسان عن حبّه الاصطناعي العابرِ لغيره. 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة

.