رزان بشارات في مقالها:
نحن نعيش في مجتمع ذكوري أبوي رأسمالي يرسم لَنا ذواتنا ويشقنا إلى أجزاء
نحن فئة الشباب الناشطين متشابهون ولكننا مختلفون، متشابهون في الصراع الذي نشعر به كوننا نحارب الظلم والذل والقمع والحكم على الآخر
علينا فهم ان لكل دور هويّته الخاصة ومحاولة التكيّف والعيش مَع هَذا الاختلاف ومع هذه الفَجوة التي تلتحم بالحُب
مَن منا شبان وشابات لا يتنازع مع الاهل؟! مَن لا يَشعر بأن الاستقلالية الفكرية احيانًا كذبة؟! ومَن لا يشعر أن هناك رباطًا عاطفيًّا يدفعه للتَضامن مع العادات والتَقاليد والتربية في العائلة من جهة وإلى الحاجة الماسة للاستقلالية والابتعاد عن هذه المسلمات من جهة أخرى؟! من منا لا يخوض هذا الصراع الباطني ويحاول جاهدًا التعامل مع الفجوات؟! الفَجوات التي تلتحم وتتوسع في نفس الوتيرة، وتأخذنا معها إلى رحلة نضاليّة بين الأنا والآخر.
نحن فئة الشباب الناشطين متشابهون ولكننا مختلفون، متشابهون في الصراع الذي نشعر به كوننا نحارب الظلم والذل والقمع والحكم على الآخر ومختلفون في الطريقة التي نعبر من خلالها عن هذا التصارع الانساني. فنحن نمر في صراعين، الصراع الداخلي والصراع الخارجي، الداخلي الذي هو عبارة عن سيرورة اكتشاف الذات حيث تتفتح عيوننا بمدى إيماننا على كل ما هو آخر، نتذكر طفولتنا، تربيتنا، مجتمعنا وأهلنا والعديد من المواقف والصراعات التي نمر بها والحوادث التي نصطدم معها يوميَا، ونحاول التعمق بها احيانًا بدون وعي، على علم أنها الأكثر تأثيرَا على تصرفاتنا والأكثر محاربةً لنا، هذه هي الأفكار المجتمعية المذوتة داخلنا والتي نصارع أنفسنا معها، هذه التجارب تحمل معها العديد من الأدوات الحافرة التي تلقن ذهوننا دروس يوميّة حيثُ نرى الاختلافات بين الأشخاص وبين الفئات ونؤمن ان لكل انسان مميزاته الخاصة، ونؤمن بحقنا الإنساني في العيش بكرامة وعدالة ولا نرضى بما هو أقل.
اما الصراع الخارجي فهو عبارة عن الانكشاف على الذات الذي يدفع جزء من الأفراد إلى الشعور بالمسؤولية للتغيير والتطوير المجتمعي ودَفع ثمن الخروج عَن القاعدة الذهبيّة المعهودة، قاعدة القَطيع، إلى قاعدة أخرى ايضًا محكومة بالتربية والمفاهيم المذوّتة من الطفولة ولكن بنطاق أوسع وهَذا ما يخلق الصراع في العائلة وخاصةً مع الأهل، فهم وسيلة التلقين الأولى للتربية ونَقل المعلومات بين المجتمع والطفل وتختلف بين الأجيال القدرة على تحمل "دفع الثمن" والقدرة على المخاطرة والانكشاف.
بحسب الباحثة كروس (2010)، هنالك ست مراحل يمر بها الفرد في العائلة واحدة منها مَرحلة الجيل الشبابي المستقل التي تستمر لغاية جيل الثلاثين وبها تتطوّر قدرة الشاب/ة على الشعور بالاستقلاليّة الفكرية والحاجة إلى النَظر عن بعد على حسنات وسيئات العائلة. في هذه المرحلة على الأهل إتاحة هذا الابتعاد من خلال فهم المساحة الشخصيّة التي يحتاجها الجيل الشبابي لبلورية الهوية. العلاقة بين الشاب/ة والأهل في هذه لكل جيل نظاراته التي يرتديها ويؤمن بها ويرى من خلالها زوايا مختلفة، نحن نعيش في مجتمع ذكوري أبوي رأسمالي يرسم لَنا ذواتنا ويشقنا إلى أجزاء، حَسب رغبة الأغلبية الساحقة ومن حقنا دحض هَذا المساق الذي يَخطه لنا الآخر، فنغدو غرباء عن كل ما هو مألوف للغالبية ولكن مألوفين لذواتنا، متصالحين مع أنفسنا، والتحدي الأكبر هو الاختيار، اختيار الثَمن الذي نريد دَفعه، او الاصح اختيار قدرة احتمالنا على دَفع الثمن الذي يلقيه علينا مجتمعنا لمجرد أننا رسمنا لأنفسنا رسمة مزركشة مختلفة عن قوانين اللعبة، رسمة تلغي معتقدات بالية مزعجة، رسمة تكسر الآراء المسبقة تجاه الفئات المختلفة في مجتمعي، رسمة تنبت حب وانسانيّة وامل. في النهاية علينا فهم ان لكل دور هويّته الخاصة ومحاولة التكيّف والعيش مَع هَذا الاختلاف ومع هذه الفَجوة التي تلتحم بالحُب.
الناصرة
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net