كان الظّلام يغلّف المكان، باستثناء ضوء شحيح يصل عبر زجاج النافذة المهشّم، حين أودعوني وحيداً في أمواج الليل داخل زنزانة انفرادية، بعد أن قبضوا عليّ متلبساً بأداة الجريمة: قلمي الأخضر الّذي يفيض خياله الخصب بحب الوطن وقسوة المعاناة وبشاعة الظّلم في سجونهم.
ارتبكت المشاعر في خاطري: مزيج من الخوف والقلق والترقب والذّهول، وكل ذلك يتضارب في رأسي لأدرك حقيقة اعتقالي.
استدرت إلى الخلف لأواجه جدران الزنزانة: كان الظّلام سيّد الموقف، مددت إليه يدي فصافحني، صار صديقاً أقاسمه الوقت. لم يخذلني الظّلام حين جلست متربعاً استحضر معه أفراد العائلة. أبي.. أمي.. أخوتي.. جلسوا جميعاً حولي، وبدت أطيافهم تضج بالتحدّي.
وإ ذاك أيقنت أن عتمتي ليست إلا عارضاً زائلاً.
ها أنذا أبدّد عزلتي بهذا الحضور البهيّ، بينما ينظر الجميع إليّ منتظرين مني أن أسمعهم آخر قصة كتبتها. حدثتهم عن تمرّد المظلوم ضدّ شريعة الغاب، عن عيون دامعة تعشق وطناً محفوراً في الوريد، عن قلوب تنبض خلف القضبان بحب الوطن. كانت قصة بعنوان "ماء وملح". وحين أنهيتها داهمنا ضوء ساطع من جهة النافذة التي تهشّم زجاجها كلّه، وراحت تكبر وتكبر حتى صارت بحجم شمس تشرق على وطن يشبه زنزانة كبيرة.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net