تجمّع الأطفال حول أبيهم وراحوا يسألونه:
أبي… ما الذي ستشتريه لنا في العيد؟
صورة توضيحيّة
قالت سُعاد: أريد ثوبًا، وقالت علياء: أريد حذاءً، وقال جميل: أريد معطفًا.
سكت الأب وانحدرت على خدّيه دمعتان. فقد كان صيادًا فقيرًا لا يستطيع أن يشتري لأولاده ما يطلبونه. وفي المساء نام حزينًا، ورأى في حلمه بأنه يصطاد عروس البحر ويقصّ من شعرها الذّهبي خصلةً، فيبيعها في السوق ويشتري لأولاده الثياب والحلوى.
وعند الفجر، استيقظ وأخذ شبكته وأتّجه إلى الشاطئ، وركب زورقه الصغير وراح يجدّف في عرض البحر، ثم توقف وألقى شبكته في الماء، وانتظر قليلاً، ثم أخذ يجذبها فوجدها ثقيلةً جدًا، وقال في نفسه: لا بُدّ أنّها سمكة كبيرة. عروس البحر والصياد
ولمّا أخرج الشبكة وجد فيها قمقمًا فأحسّ بالخيبة، وهَمّ بأن يعيده إلى البحر، ولكنّه توقف حين سمع من داخل القمقم صوت استغاثة وقرّر أن يفتحه. ولما فتحه تصاعد منه دخان كثيف ورأى من خلاله ماردًا.
خاف الصياد. لكن المارد ابتسم له وقال: لا تخف أيها الصّياد الطيّب. كنت محبوسًا في هذا القمقم آلاف السّنين، وكنت أستغيث، إلى أن جئتَ أنتَ وحرّرتني. فاطلب منّي ما تريد.
قال الصياد: أريد عروس البحر.
فقال المارد: هذا أمرٌ سهل. إركب على ظهري وسآخذك إلى جزر عرائس البحر. سأطير فوق الماء حينًا، وأغوص في الماء حينًا آخر. وعليك ألا تتكلّم أبدًا أثناء الطريق، وإذا سئلت فلا تُجَب، لأنّك إن نطقت بكلمةٍ واحدةٍ، فستسقط عن ظهري وتغرق.
ركب الصياد على ظهر المارد، فطار به فوق سطح الماء مدةً، ثم أخذ يغوص شيئًا فشيئًا في أعماق البحر.
رأى الصياد أنواعًا كثيرةً من حيوانات البحر، منها حوت ضخم. فقال في نفسه: لواستطعت اصطياد هذا الحوت، فإنّ ثمنه سيجعلني غنيًا. فأحسّ بزلزلةٍ وكاد يسقط من فوق ظهر المارد.
رأى سمكةً من أسماك القرش المفترسة فخاف. فقال له المارد: لا تخف، تمسّك بي جيدًا.
ورأى ثعابين الماء وهي تنساب في مجموعاتٍ راسمةً أشكالاً جميلةً. اقتربت منه سلحفاة كبيرةٌ، وطلبت إليه أن يركب على ظهرها بدلاً من ظهر المارد. ولم يردّ الصياد، لأنه تذكر ما قاله له المارد.
وبعد قليلٍ، أقبل كلب البحر وطلب إلى الصياد أن يلعب معه. وكاد الصياد أن يتكلّم، لكنه أغلق فمه خوفًا من أن يسقط عن ظهر المارد.
ثم رأى نجم البحر، وقد ظنّ الصّياد هذا النّجم سمكةً غريبةً.. وفجأة التفّ أخطبوط على رجله، فخلّص الصّياد نفسه منه.. ولم يتكلّم.
أخذ الماردُ يرتفع قليلاً قليلاً حتّى صار على وجه الماء. وسمع الصياد أصوات غناءٍ من بعيد. نظر أمامه فرأى جزرًا صغيرةً متقاربةً. فقال المارد:
لقد وصلنا جُزر عرائس البحر، انزل وابحث عن عروس البحر. أمّا أنا فسأتحوّل إلى شجرة صنوبر ونادني عندما تصبح جاهزًا. وتحوّل المارد إلى دخانٍ، وصار شجرة صنوبر. وسار الصياد على الشاطئ يبحث عن عروس البحر.
فجأةً، رأى فتاةً جميلةً تخرج من الماء، وشعرها الذّهبي يتدلى على صدرها وظهرها. وعندما صارت الفتاة على الشاطئ، تعجّب الصياد، لأن نصفها إنسان ونصفها سمكة، وعرف أنّها عروس البحر. فهجم عليها بسرعةٍ وأمسكها من شعرها فخافت وأخذت تصرخ. أمّا الصياد، فاستمرّ يتأمّل شعرها المصنوع من الذّهب الخالص.
قال لها الصياد: لن تهربي منّي يا عروس البحر.
قالت عروس البحر: لا تقتلني أرجوك.. إنّ لحمي لا يُؤكَل…
قال لها الصياد: لا أريد أن أقتلك… أريد فقط خصلةً من شعرك الذهبي.
بكت عروس البحر ورجته ألاّ يقصّ شعرها لأنه سرّ جمالها..
وجاءت عرائس البحر وأمامهن تسير الملكة وأحطن بالصياد.. فخاف. فقالت له الملكة: لا تخف أيها الصياد. أخبرني لماذا تمسك ابنتي من شعرها؟
أخبرها الصياد أنه رجل فقير، ويريد أن يبيع الشعر الذهبي حتى يشتري لأولاده الملابس والحلوى بمناسبة العيد.
طلبت إليه الملكة أن يترك شعر ابنتها، وقالت له: عُد إلى عملك، فعمل الإنسان هو كنزه الذّهبي. ووعدته أن تضع له في الشبكة مساء كل يوم عيدٍ جوهرةً كبيرةً، يبيعها ويشتري بثمنها ما يريد، شرط أن يعمل بجدٍ وإخلاص.
وافق الصياد ولكنّه سألها: هل أعود اليوم إلى أولادي فارغ اليدين وغدًا العيد؟
فقالت الملكة: ستعود اليوم بربحٍ وفيرٍ. سنمشّط شعرنا. خُذ ما يتساقط منه وبِعه في السوق.
فرح الصياد بهذا. ولما تمشّطت عرائس البحر، جمع الصياد ما تساقط من خيوط الذهب، وجاء إلى شجرة الصّنوبر فهزّها، فعادت دخانًا وتكاثف، فصار ماردًا.
ركب الصياد على ظهر المارد وراح يلوّح بيديه مودعًا عرائس البحر، التي أخذت تلوّح بالمناديل للصّياد الفقير العائد إلى وطنه.