سليم نصار في مقاله:
ربما تكون منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثرًا بعامل المياه والدليل ما حققته الأطماع الإسرائيلية بعد سرقة مياه أنهر الوزّاني والحاصباني وبانياس واليرموك والأردن
يرى المراقبون أن انشغال الرئيس باراك اوباما بالانتخابات الرئاسية قد أبعده عن هموم الشرق الأوسط الأمر الذي استغله بوتين لإعادة رسم التحالفات بطريقة تخدم مصالح بلاده ومصالح الذين يناوئون الولايات المتحدة
أكثر ما يسترعي انتباه السيّاح لدى مرورهم في شارع صلاح سالم، أثناء توجههم الى مطار القاهرة، الساعة الإلكترونية المثبتة على الجدار الخارجي لمبنى الجهاز المركزي للإحصاء. وهي ليست ساعة عادية لتحديد الوقت، وإنما هي ساعة مبرمجة لإطلاع المواطنين والغرباء على آخر رقم لعدد سكان مصر.
وبما أن الدولة لا تستطيع محاكاة الصين في إصدار قرار يحدد نسبة المواليد بطفل واحد لكل زوجين، فإن مشكلة الإنجاب ستظل تمثل «كعب أخيل» بالنسبة الى حكومات مصر. خصوصًا أن علماء الدين المسلمين يتعاملون مع هذه المسألة الحساسة بمنتهى الشدة، بحيث يلتقون مع المواقف المسيحية في ممانعة الإجهاض. وهكذا تحولت عملية النمو السكاني المتزايد الى قنبلة بشرية موقوتة، من المتوقع أن تنفجر وتعطل كل مشاريع الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني.
الخبراء الأميركيون الذين ترددوا على القاهرة في عهد الرئيس حسني مبارك، اقترحوا على مستشاره أسامه الباز ضرورة تأمين كميات كبيرة من حبوب منع الحمل. وبالفعل تم توزيع تلك الحبوب كجزء من المساعدة الاقتصادية التي تحصل عليها مصر.
ولم تكن ردود الفعل على عملية توزيع تلك الحبوب مشجعة إطلاقًا. والسبب أن الناصريين والشيوعيين وأنصارهم شككوا في أهدافها الاجتماعية، واعتبروها مؤامرة لتخفيض عدد المسلمين في مصر. كذلك استغلها الموزعون لأسباب تجارية، وراحوا يحتكرونها، ثم يبيعونها في السوق السوداء، علمًا أنها كانت تقدَّم مجانًا من ضمن المعونة الأميركية.
المهم في هذا الأمر أن حكام العهود السابقة تهربوا من مواجهة أزمة تكاثر السكان في مصر، بحيث قفز الرقم من 23 مليون نسمة سنة 1964 الى حوالى مئة مليون سنة 2016.
المشكلة الأخرى التي تتهيأ مصر لاحتواء أضرارها الخطرة، هي مشكلة استهلاك مياه النيل، بعد إنجاز «سد النهضة» في إثيوبيا. وكان مكتب استصلاح الأراضي الأميركي قد اقترح، عبر دراسات استمرت من 1959 الى 1994، إنشاء 33 سدًا على النيل الأزرق بعد توزيع فروعها كالتالي: 14 سدًا للريّ و11 سدًا لتوليد الكهرباء و8 سدود لأغراض مختلفة. وذكر التقرير أن سعة التخزين لكل السدود تبلغ 118.45 بليون متر مكعب، على أن تروي مساحة مليون فدّان تحتاج الى 6.4 بليون متر مكعب. وافترضت الدراسة إنشاء أربعة سدود كبيرة على الجزء الأخير من مجرى النهر، هي: سدود كارادوبي ومابيل ومانديا وبوردر.
وفوجئت مصر والسودان بإعلان إثيوبيا عن البدء في إنشاء سد «بوردر» الذي تغير اسمه الى «سد الألفية»، ثم الى «سد النهضة»، مع زيادة جديدة في المواصفات التي تضمنتها الدراسة الأميركية.
وكان من الطبيعي أن تعترض مصر والسودان على قرار إثيوبيا المنفرد والمفاجئ، من دون التشاور معهما. وبعد وساطة الاتحاد الأفريقي، وافقت إثيوبيا على تشكيل لجنة ثلاثية مؤلفة من مصر والسودان وإثيوبيا تضم خبيرَيْن من كل دولة، إضافة الى أربعة خبراء دوليين.
وتنحصر مهمة اللجنة في إجراء تقويم لتأثيرات السد على مصر والسودان، مع الأخذ في الاعتبار بأن قرارات اللجنة ليست ملزمة. وهذا ما أثار حفيظة الحكومة المصرية، لأن عوامل التغيير لم تؤخذ في الحسبان.
ويُستدَل من المفاوضات التي أجريت خلال السنتين الماضيتين أن السدود الأربعة التي تبنيها إثيوبيا، ستتسبب في حدوث عجز مائي في حصة مصر بمتوسط سنوي مقداره 18 بليون متر مكعب سنويًا يجرى اقتسامها مناصفة مع السودان وفق اتفاقية 1959. ومن المتوقع أيضًا أن تؤثر السدود الإثيوبية في وصول المياه الى بحيرة السد العالي، وتقلل من مخزون الماء في بحيرة ناصر بنسبة ما ستأخذه إثيوبيا.
وعقدت في القاهرة قبل فترة ندوة برعاية كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بهدف الوقوف على حقيقة الأضرار التي ستحدثها السدود الإثيوبية على احتياجات مصر من المياه. وخلص المشاركون في الندوة الى عدة حقائق، بينها احتمال حدوث مجموعة أزمات اقتصادية واجتماعية وبيئية لمصر، الأمر الذي يفرض على الحكومة اجتراح حلول مجدية تمنع حجب حصة مصر من مياه النيل.
الرئيس الراحل أنور السادات توقع في أحد أحاديثه الصحافية أن حروب المياه ستكون هي الظاهرة المميزة للقرن الواحد والعشرين... تمامًا مثلما كانت حروب النفط هي الظاهرة الطاغية طوال القرن العشرين.
وربما تكون منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثرًا بعامل المياه. والدليل ما حققته الأطماع الإسرائيلية بعد سرقة مياه أنهر الوزّاني والحاصباني وبانياس واليرموك والأردن. وهكذا تزودت الدولة المصطنعة بمياه لبنان، في حين حرمت دولة المصدر من حصصها الطبيعية.
ويتذكر المزارعون المصريون أنهم كانوا يصدّرون محاصيل القمح والفواكه والخضار الى دول الخليج. ولكن تضاؤل مساحات الأراضي المزروعة فرض على مصر استيراد ما نسبته ستون في المئة من هذه المواد الضرورية، والتي تدفع ثمنها بالعملة الصعبة.
ويرى الخبراء أن ازدياد عدد سكان مصر بهذه النسبة المرتفعة التي دنت من المئة مليون نسمة، سيخلق مضاعفات خطرة على مختلف الأصعدة المرتبطة بمياه الزراعة وكلفة أسعار الكهرباء والأمور الضرورية.
وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الكهرباء محمد شاكر الشهر الماضي، أعلن رفع زيادة أسعار الكهرباء بنسبة 35 في المئة. وأعلن أيضًا دعمًا متوقعًا هذه السنة لقطاع الكهرباء يبلغ 30 بليون جنيه.
كذلك شدّد وزير التجارة والصناعة طارق قابيل على ضرورة تجاوز الوضع الحالي الذي يمرّ به الاقتصاد المصري. وقال إن تطوير المناخ الاستثماري يحتاج الى جذب 15 بليون دولار سنويًا، بهدف التصدي لعجز الموازنة وتحقيق معدل نمو أعلى من المعدل الحالي.
المشكلة الثالثة التي تقلق المجتمع المصري ليست جديدة على الحكام، منذ أعلن حسن البنا سنة 1928 تأسيس جماعة «الإخوان المسلمين». وعلى الرغم من معارضة الحكومات التي تصدّت لها - وخصوصًا في عهد جمال عبدالناصر - إلا أن عناصرها ظلت متماسكة، تقاتل من أجل عقيدتها. والمؤكد أن هذا التيار الديني المناهض بقي يتغذى من حالات الفقر والبطالة، مع وعد بأن تبقى المنابر والمساجد هي المأوى والرجاء.
ويرى المراقبون أن القضاء على تنظيم «داعش» في العراق وسورية سيُضعف قوة «الإخوان المسلمين»، علمًا أن هذه الظاهرة ستظل جزءًا من تكوين المجتمع المصري. وسيبقى العنف هو طريقها الأوحد الى الشهادة، والى اغتيال المناوئين من أمثال الرئيس أنور السادات الذي اغتاله خالد الاسلامبولي. وقد كرّمه النظام الإيراني الذي أطلق اسمه على أحد شوارع طهران.
المشكلة المستعصية الرابعة أتت من التهميش السياسي الذي تتعرض له مصر، في ظل الاتفاق الذي أخرج إيران من عزلتها السابقة. ذلك أن اتفاق إيران مع تركيا، خلق فضاء سياسيًا جديدًا في المنطقة. فالتحالف القائم حاليًا بين روسيا وإيران وتركيا أنشئ بغرض إراحة كل ضلع من الأضلع الثلاثة. ذلك أن إيران خرجت من عزلتها لتجدد ذكرى الإمبراطوريتَيْن الفارسية والعثمانية. وكان من الطبيعي أن تريح التوازنات الجديدة زعيم «حزب العدالة والتنمية» رجب طيب اردوغان. أما بالنسبة إلى دور روسيا داخل هذا التحالف، فقد تسلح الرئيس فلاديمير بوتين بموافقة طهران لاستخدام قاعدة همدان الجوية ليضرب أهدافًا داخل سورية لا تصيب سوى أنصار الولايات المتحدة. ومثل هذا الدور سيوظفه الرئيس الروسي لإبعاد تهديدات الحلف الأطلسي عن غلافه الاستراتيجي في اوكرانيا وجورجيا. ومن جهة أخرى، فإن إنقاذ اردوغان من ورطته الداخلية سهَّل لبوتين استمالة الجمهوريات التركمانية في الاتحاد السوفياتي السابق، مثل أذربيجان واوزبكستان وكازاخستان وتركمنستان وقيرغيزيا.
ويرى المراقبون أن انشغال الرئيس باراك اوباما بالانتخابات الرئاسية قد أبعده عن هموم الشرق الأوسط، الأمر الذي استغله بوتين لإعادة رسم التحالفات بطريقة تخدم مصالح بلاده ومصالح الذين يناوئون الولايات المتحدة!
نقلا عن الحياة
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net