شاء بعض الكتاب أن يقصُروا معنى (الصوم) على الانقطاع عن الكلام بدليل قوله تعالى: "إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلّم اليوم إنسيًا"، سورة مريم 26.
وأراد هؤلاء تحديد معنى (الصيام) = الانقطاع عن المُفطرات من الفجر إلى غروب الشمس، بدليل قوله تعالى: "يأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين من قبْلكم"- البقرة 183، كما تكررت لفظة (الصيام) في القرآن ثماني مرات في سياقات مختلفة.
..
إذن، فثمة من يرى فرقًا بين (الصوم) و (الصيام)، وحجّتهم في ذلك ما ورد في القرآن الكريم، وقد غفلوا أن هناك مصادر لغوية أخرى تورد كلتيهما مصدرين للفعل (صام) رمضان، وهما (الصوم) و (الصيام)، مثل الضوء والضياء والعوذ والعياذ....
..
إذا نظرنا في كلام العلماء بخصوص هذا السياق، فإنَّنا نجد العينيَّ يقول في شرح (سنن أبي داود 2/ 450): "والصيام والصوم واحد، وهو الإمساك لغةً" وكذا نصَّ كثير غيره من الفقهاء.
...
وُفّق (المعجم الوسيط) في تحديد معنى كلمة (الصوم) الشاملة- بأنه الإمساك عن أي فعل أو قول كان.
..
في معجم (مقاييس اللغة) أورد ابن فارس أن الصاد والواو والميم أصل لغوي يدُل على إمساك وركود في مكان، ومن ذلك صوم الصائم.
وأما الركود فكما قال النابغة:
خيلٌ صِيام وخيل غير صائمة *** تحت العَجاج وخيل تعلُك اللُجُـما
(صيام جمع صائم أو صائمة، ومن معانيها كذلك وقوفها على أرجلها الأربع).*
وتأتي (الصوم) بمعنى ركود الريح، أو استواء الشمس في كبِد السماء.
ورد في (لسان العرب): قال أبو عبيدة: "كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم".
...
لا نستطيع إذن قصر لفظة (الصيام) على الفريضة هي فقط، فأركان الإسلام خمسة ثالثها (صوم) رمضان، وقد وردت في حديث شريف يحدد هذه الأركان:
"بني الإسلام على خمس... (صحيح البخاري - ج 1 / ص 11 - 7 ).
ومن الأحاديث القدسية:
"كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به".
وفي حديث آخر "ليس في الصوم رياء".
..
رأى الزمخشري أن المقصد الحقيقي للكلمة هو لصيام الإنسان عن طعامه، فقال:
"هو شهر الصوم والصِيام- فمن شهد منكم الشهر فليصمه- أي فليصم فيه.
وجعل المعنى المجازي لغير ذلك من الوجوه، فصام بمعنى صمت، وصامت الشمس بمعنى كبَدت أي استوت، وصامت الفرس إذا لم تعتلف....إلخ (أساس البلاغة- مادة صوم).
...
ما أكثر من جمع بين اللفظتين معًا دون أن يرى بينهما فرقًا:
قال محيي الدين بن عربي:
يوم الصيام له ثقل يحسّ به *** من صامه والذي لربنا الصوم
وفي كتاب (محاضرات الأدباء) للراغب الأصفهاني (ج 2، باب فضل الصوم)- لا تجد أي فرق بين استعمال هذه الكلمة أو تلك، على نحو:
نهى النبي عن صوم يوم الفطر، وقال أيضًا ليس من البر االصيام في السفر.
...
أخلص إلى القول إن معنى الصوم وارد بمعنى كل انقطاع أو ركود، سواء كان كلامًا أم عن طعام وشراب، بينما يندر استخدام المصدر (صيام) في غير المعنى الشرعي.
..
أخيرًا ندعو لكم، فنقول:
صومًا مقبولاً أو صيامًا مقبولاً،
فالمهم القبول.
........................
*المعنى أنه قسَّم الخيلَ إلى ثلاثة أقسامٍ؛ خيل واقفة ساكنة ليست في قتال، فهي مُستغنى عنها لكثرة الخيل عندهم، وأخرى غير صائمة، فهي تحتَ العَجاجِ في الحرب والقتال، وقسم ثالث تَعلكُ اللُّجما، يعني قد أُسرجَت وأُلجمت وأُعدَّتْ للحربِ، فهي مُهَيَّأةٌ للقِتال.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net