راجح الخوري في مقاله:
يعرف بري جيداً ان التغيير في المزاج الشعبي اللبناني كبير، ولم يغال عندما قال لجريدة "السفير": "إن الرائحة الكريهة لا تزال تعمّ الشارع اللبناني
تبقى التحية والتقدير العميق لقصة ذلك الخوري الذي خسر في المخترة أمام شيعي في بلدة جنوبية مختلطة، فعمل بري شخصياً على جعله عضواً فخرياً في مجلسها البلدي إستناداً الى القانون
سؤال واحد ينزل الآن على السياسيين بعد صاعقة الإنتخابات البلدية التي أشعلت الحرائق في أذيال الكثيرين : كيف سيكون شكل "كأس السم" ومن الذي سيتجرعها سعيداً ؟
هناك طريقتان لتجرع هذه الكأس، إما دفع اللبنانيين الى شربها بفرض قانون الستين الكارثي أساساً لإجراء إنتخابات نيابية تزويرية أخرى، وهو ما سيعمّق الهوة بين الشعب والسياسيين، وقد بانت مقدماتها عبر نتائج الإنتخابات البلدية.
وإما الذهاب مرة جديدة الى التمديد لمجلس النواب، على رغم تكرار الرئيس نبيه بري رفضه التمديد بوتيرة تصاعدية في الأسابيع الماضية، ولكن في ظل عدم الإتفاق على قانون جديد عادل ومنصف ومتوازن، قد يجد بعض الأكارم من "ممثلي الشعب" أنه يجوز القول للناس: ها نحن نتجرع كأس سمّ التمديد فقط لأننا لم نتفق على قانون انتخابي جديد!
يعرف بري جيداً ان التغيير في المزاج الشعبي اللبناني كبير، ولم يغال عندما قال لجريدة "السفير": "إن الرائحة الكريهة لا تزال تعمّ الشارع اللبناني". يعرف ايضاً انهم جميعاً إلتقطوا ورصدوا المفاجآت الصاعقة وغير المنتظرة، وليس بينهم أي أعمى أو أغشى. لكن العبرة في النهاية تبقى في قدرة السياسيين على التغيير والتحسين واستجابة شروط الناس ومطالبهم المتراكمة والمنسية من أيام نوح، وخصوصاً الآن بعدما أكدت الصناديق البلدية ان الشعب بمختلف تلاوينه ليس أعمى ولا أغشى!
هذا رد فعل عفوي من الناس على سلوك الطبقة السياسية وما أفرزه من أزمات، وتماماً كما أشار بري: يكفي ان تمّام سلام الرجل الآدمي والمقهور على بلد حمّلوه وزر حكومته التي مزقوها إرباً، يقول إن حكومته هي الأفسد والأفشل، بما يعني أننا أمام تاريخ طويل من الحكومات التي راوحت في الفشل والفساد. ولكن اذا كانت الأحزاب مطالبة بمراجعة حساباتها والدولة مدعوة الى مراجعة سياستها، فمن أين نأتي بالشجاعة وحسّ معنى المسؤولية وإدراك متطلبات التمثيل العام؟ ومن أين نأتي بالحياء وقد طقّ في السياسة شرش الحياء ؟
والسؤال: هل يستطيع هذا الطقم السياسي ان يهرب من قاعدة النسبية وعدالتها في توليفة أي قانون جديد للإنتخابات، خصوصاً ان نسبة كبيرة من النسيج اللبناني على تلاوينه الطائفية والمذهبية باتت ترفض عملياً المحادل الطائفية والبوسطات المذهبية والأحزاب الإلغائية والزعامات الفوقية والوكالات السياسية الحصرية؟
لن تستطيعوا الهروب من النسبية، فقد باتت بمثابة إطار يلقى للغرقى جميعاً في بلد يعوم على بحر الفساد، إطار يلقى للسياسيين لينقذوا أنفسهم كما يلقى للمواطنين ليلتقطوا أنفاسهم... مفهوم؟
تبقى التحية والتقدير العميق لقصة ذلك الخوري الذي خسر في المخترة أمام شيعي في بلدة جنوبية مختلطة، فعمل بري شخصياً على جعله عضواً فخرياً في مجلسها البلدي إستناداً الى القانون.
نقلا عن جريدة النهار
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net