"أبناؤكم ليسوا لكم!"
هل نوافق جبران؟
أ. د فاروق مواسي
.......................
يقول جبران خليل جبران في كتابه (النبي)- فصل "الأبناء":
"أولادكم ليسوا لكم......
ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم...."
....
اسمحوا لي هنا ألا أوافق جبران الذي قال ذلك بصورة بلاغية وبمبالغة:
فأبناؤنا هم لنا ولأنفسهم، وللحياة معًا!
نحن ملك لهم، وهم ملك لنا إلى حد ما – بمعنى أنهم يمضون على نهجنا ووَفق رؤانا، ومن الطبيعي ألا يتجاوزوا بشكل حادّ قيمنا الأساسية، ولا يتناقضون قطعيًا مع ما نعايشه.
..
ما قاله جبران يعني به خروج الأبناء عن مألوف الآباء، فهم ليسوا لنا وليسوا ملكًا لنا.
..
أقول: يظل الأبناء الصالحون مستمرين فيما خططنا نحن الآباء لمسيرتهم، فينطلقون ويستقلون دون انقطاع عنا، وقد يغيّرون ما يشاءون تدريجيًا، لذا هم يبقون منا ولنا وفينا، ويستمر تاريخنا متواصلاً، ولا ينقطع الخيط.
من هنا صحّ الحديث الشريف كما رواه ابن ماجه في سننه، وما ذُكر في مسند أحمد:
"أنت ومالك لأبيك".
يقول تعالى:
"المال والبنون زينة الحياة الدنيا"- الكهف 46
رأى الذكر الحكيم أن الأبناء هم زينة، فهل تكون الزينة خارجة عن وجودنا غير مرتبطة بنا، أو أنها ليست لنا؟
بل إن ابن نوح الذي استقل في رأيه وأبى أن يلحق بفُلك أبيه خوطب فيه نوح:
"إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح.." (هود- 46)، فهل هذا التمرد والخروج عن إرادة الأب نموذج يُحتذى؟
..
أنجبناهم وتعبنا في تربيتهم، فهم لنا، وملك لنا حتى ولو كانت لهم آراء مختلفة، فهم ليسوا نسخًا عنا، فقد ربيناهم برمش العين، وصدق حِطّان بن المُعلّى في قوله:
وإنما أولادنا بيننا *** أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبّت الريح على بعضهم *** لامتنعت عيني عن الغمض
فهل يكافئ جبران هؤلاء الذين رعَوا أبناءهم وحدبوا عليهم برضا ومحبة بقوله لهم:
"أولادكم ليسوا أولادًا لكم"؟!!
...
إن مسيرة الأبناء هي خاصة وذاتية حقًا، وهذا أمر مفترض، ولكنها تظل مشحونة بما قدّم الآباء من عطاء، وفي ذلك يقول الشاعر اللبناني إلياس فياض:
تلك آباؤنا وذاك تراث المجد منهم باقٍ إلى الأبناء
...
ربيناهم حتى ينطلقوا أحرارًا وفق مفاهيم مجتمعية لا يتجاوزونها طفرة واحدة، فقد يعززون وجود الآباء وفضلهم، وفي ذلك يقول عَديّ بن الرِقاع:
والمرء يُحيي مجده أبناؤه *** ويموت آخر وهو في الأحياء
..
أولادنا لنا، وهم ملك لنا لأنهم يجددون مسيرتنا، ويمضون على ما استقام من طريقتنا، ووجد هوى في نفوسهم، وينطلقون في دروب غير دروبنا.
خاطب بدر شاكر السياب ابنه غَيلان في قصيدته "مرحى غيلان"، فوصفه بمشاعر أب يصبو إلى البعث وعودة الحياة، فقال:
يا ظليَ الممتدَّ حين أموت
يا ميلاد عمري من جديد!
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net