عبد الباري عطوان:
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بات يجد نفسه وحيدا في مواجهة اعدائه الروس
جمود الوضع يريح الاطراف المختلفة، ابتداء من النظام، وانتهاء بالقوتين العظميين، روسيا وامريكا، ولكنه قطعا لا يريح المعارضة السورية، والقوى التي تقف خلفها، وتقدم لها الدعم منذ ان بدأت الازمة قبل خمس سنوات
من تابع مداولات وتصريحات ممثلي القوتين العظميين الذين ترأسا اجتماع فيينا، الذي انعقد اليوم الثلاثاء بحضور 15 دولة اخرى لبحث آخر تطورات الاوضاع في سورية، يشعر انهما حولا جدول اعماله من بحث قضايا سياسية وعسكرية، الى بحث اعمال اغاثية، وبذل محاولات شبه يائسة لتثبيت اتفاق وقف اطلاق النار وتوسيعه.
السؤال المشروع هو، ماذا عن المفاوضات بين وفد الحكومة ووفود المعارضة؟ ماذا عن المرحلة الانتقالية، والحكومة ذات الصلاحيات الكاملة، ماذا عن الدستور الجديد والانتخابات التي من المفترض ان تتلوه؟
لا اجابات، فقط حديث مبهم للمبعوث الدولي استيفان دي ميستورا عن احتمال استئناف المفاوضات في اوائل حزيران (يونيو) المقبل.. مجرد احتمال لا اكثر ولا اقل.
نقول للمستر دي ميستورا، ولكن اول حزيران (يونيو) هو بداية شهر رمضان المبارك، والعرب والمسلمون ينقطعون للصلاة والصوم، ويقضون معظم اوقاتهم، اما نياما، او في الصلوات والتهجد، ولا ننسى التراويح ايضا، واذا كان وفد النظام، ونظيره المعارض الروسي من “العلمانيين”، فان الوفد القادم من الرياض من المفترض ان يكون عكس ذلك تماما.
القوتان العظميان اتفقتا فيما بينهما على بعض التفاهمات الاساسية، واولها، انه لا يوجد بديل للنظام يمكن ان يسيطر على البلاد في حال انهيار الاول (اي النظام)، واذا كان هناك بديل، فهو الجماعات الجهادية الاسلامية، اما التفاهم الآخر، فيؤكد على عدم تحقيق الحلم التركي في اقتطاع حلب، واقامة امارة اسلامية على ارضها.
احد القادمين من دمشق قال لنا بالحرف الواحد، ان النظام يشعر بحالة من الارتياح غير مسبوقة، ويعتقد انه خرج من عنق الزجاجة، بينما دخل الآخرون اليها، ويقصد بالآخرين، تركيا وقطر والسعودية، وان الوجود الروسي حقق توازنا استراتيجيا مهما مع النفوذ الايراني، واكد ان هناك حالة من الارتياح في اوساط بعض مكونات النسيج الاجتماعي السوري لهذا التوازن.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بات يجد نفسه وحيدا في مواجهة اعدائه الروس، بعد ان تخلى عنه الامريكان، وبدأت صداماته مع “الدولة الاسلامية” تزداد حدة، اما حليفه السعودي، فقد عوّل كثيرا على مفاوضات الكويت للخروج من المأزق اليمني، لكي يتفرغ للملف السوري، ويشفي غليله من النظام الذي افسد كل رهاناته، واستمر لخمس سنوات في الحكم، ولكن تعويله كان في غير محله، والمفاوضات اليمنية في الكويت تترنح، وتنظيم “القاعدة” خرج من باب المكلا لتعود اليها قوات “الدولة الاسلامية” من النافذة.
زائر لندن القادم من دمشق قال بالحرف الواحد، ان الروس، ولاول مرة منذ العهد القيصري، يعتبرون سورية احد جمهوريات الاتحاد الروسي غير المعلنة، ولم يذهبوا اليها حتى يخرجوا منها، ويعتبرون الاتراك العدو الاول الذي يتقدم على المنظمات التي يدرجونها على قائمة “الارهاب”، مثل “جبهة النصرة”، و”الدولة الاسلامية”، وهم الآن يضعون كل ثقلهم خلف الاكراد، سواء كانوا اكراد سورية او تركيا، ويقدمون لهم اسلحة نوعية متقدمة جدا، من بينها صواريخ مضادة للدروع والطيران، وبآلاف الاطنان، والهدف هو “كسر شوكة السلطان العثماني المقيم في “القصر الابيض” بأنقرة، ومن المفارقة، والكلام نفسه للضيف الزائر، انهم لا يواجهون اي معارضة من “الخصم” الامريكي.
جبهة حلب ربما تهدأ قليلا في الايام المقبلة، ولكنه هدوء مؤقت، فالحشود الايرانية في ذروتها، ولدى قيادتها رغبة غير مسبوقة بالثأر والانتقام لقتلاها في “خان طومان”، ولدى “حزب الله”، ذراعها العسكري القوي في لبنان وسورية، الرغبة نفسها، ان لم يكن اكبر، خاصة ان دماء قائد جناحه العسكري مصطفى بدر الدين لم تجف بعد، اما الروس الذين تعرضوا لانتقادات شديدة من حليفيهما السوري والايراني لعدم تقديمهم المساعدة العسكرية المطلوبة، فوعدوا بغطاء جوي اكثر فاعلية في المعركة المقبلة والوشيكة.
معركة حلب الوشيكة ستكون معركة “كسر العظم”، وام المعارك، وابوها، وجدها، وهذا ما يفسر تأكيدات جون كيري، بأن الجهة التي ستخرق وقف اطلاق النار فيها ستتعرض لعقوبات، وسيتم رفع الحماية عنها، والرسالة هذه موجهة الى المعارضة السورية المسلحة باطيافها كافة.
جمود الوضع يريح الاطراف المختلفة، ابتداء من النظام، وانتهاء بالقوتين العظميين، روسيا وامريكا، ولكنه قطعا لا يريح المعارضة السورية، والقوى التي تقف خلفها، وتقدم لها الدعم منذ ان بدأت الازمة قبل خمس سنوات.
المعضلة الاكبر في المعادلتين العسكرية والسياسية على الارض السورية ومحيطها، ان النظام بات على قناعة راسخة انه يزداد قوة، بينما يزداد خصومه ضعفا.. الامر الذي يعزز شعورا بالارتياح لديه، ويزيد ثقة من يقاتلون في صفوفه.. وعودة الثقة التي اهتزت في بداية الازمة ووسطها، امر مهم للغاية بالنسبة اليه على الاقل.
كيري ولافروف حقنا العملية السياسية السورية بحقنة مخدر قوي، يستمر مفعولها لبضعة ايام او اكثر، وهذا ما يفسر غضب المعارضة المفهوم، وصمت السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي احد ابرز المشاركين في اجتماع فيينا.
نقلا عن الرأي اليوم
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net