قيصر إغبارية في مقاله:
قصدت ألا نقتصر فقط على الوظيفة وألا يكون اعتمادنا فقط على دخل وحيد متقلب وغير ثابت
الوظيفة يجب أن تكون مكانا للحصول على أكبر قدر من الخبرات والتجارب ليستفيد الموظف منها مستقبلا لتطوير حياته الاقتصادية
الحل أن يحافظ كل صاحب وظيفة على وظيفته بعد أن يتأكد أنها تناسبه وتلائمه وتحقق طموحه وبإمكانه أن ينفع ويفيد الآخرين من خلالها وأن يجتهد أن يطور مهاراته
يصنف أحد خبراء الإدارة الوظائف والأعمال إلى ثلاثة أنواع، وهي:
- وظيفة (Job) وهي ما تفعله لتحصل على المال لتعيش، دون أي اندماج معها.
- مهنة : (Career) تندمج أكثر هنا مع الوظيفة بسبب محبتك لها، وتبدأ بالتخطيط أكثر لتكبر في هذه المهنة وتتسلق المراتب فيها، وتتقدم وتتطور من خلال الوظيفة بالإضافة إلى مجالات أخرى كالعمل الحر وإنشاء مشروع.
- الرسالة (Calling) تتعدى هنا محبتك واندماجك في عملك، إلى أن يتحول العمل إلى جزء أساسي من حياتك، جزء لا يمكن أن يغادرك. فما تفعله يتعدى منفعتك إلى منفعة من حولك، وبذلك فإنك تعيش من أجل أن تقدم هذا العمل.
بذلك يتبين أنني أقصد بالوظيفة التي تعمل على إبقاء صاحبها فقيرا، هي الاقتصار فقط على الوظيفة وجعل الغاية العظمى والهدف الأسمى للموظف أن يؤدي ما يُطلب منه، ويقضي بعض الساعات في عمله دون أن يحرص أن يقدم فائدة وقيمة للآخرين من خلال عمله، أو أن يرضى الموظف ويقنع بوظيفته ولا يطمح لأن يطور وضعه الاقتصادي من خلال اكتسابه لخبرات ومهارات وتجارب تعينه على أن يرفع من دخله، ويتطور اقتصاديا. فتراه يقضي عشرات السنين وهو يراوح مكانه، بل ربما يرجع إلى الوراء.
ولست أدعو لأن يترك كل صاحب وظيفة وظيفته، ليس هذا المقصود، وليس بعاقل من يطلب ذلك. إنما قصدت أن لا نقتصر فقط على الوظيفة، وأن لا يكون اعتمادنا فقط على دخل وحيد، متقلب وغير ثابت، وإن كان ثابتا في بعض الأحيان فإنه محدود جدا لا يفي بالمتطلبات الأساسية للإنسان الذي ينشد الحرية المالية.
وإنما يجب على كل صاحب وظيفة بالإضافة إلى وظيفته أن يحرص على أن يكون له دخل إضافي، مهما كان قليلا، من خلال خيارات عدة، منها أن يكون عنده عمل حر ومستقل إضافي يختاره بحسب ما يمتلك من قدرات ومهارات، وما يتمتع به من رغبات وميول، ومن خلال اكتشاف المنطقة المشتركة بين الأمرين يطور عملا مستقلا من خلاله يتمكن من إفادة الآخرين وتحصيل دخل إضافي.
كما أن الوظيفة يجب أن تكون مكانا للحصول على أكبر قدر من الخبرات والتجارب ليستفيد الموظف منها مستقبلا لتطوير حياته الاقتصادية.
إن مما يعيق الكثيرين عن البقاء في الوظيفة والاقتصار عليها هو بعض المعتقدات الخاطئة حول المشاريع، منها أنني إذا أردت أن أكون صاحب مشروع أو عمل حر، يجب أن أترك الوظيفة، وهذا غير صحيح أبدا، ولا ينصح به أحد من الخبراء، إنما لا بد من الحرص على الوظيفة بالإضافة إلى عمل حر إضافي أو مشروع معين، وعند نمو وتطور وثبات المشروع، حينها بالإمكان ترك الوظيفة والاعتماد على المشروع.
كذلك دائما نظن أن أي مشروع لا بد له من رأس مال كبير وخبرة طويلة، وهذا غير صحيح، فهناك مشاريع لا تحصى بدأت بدون رأس مال أو برأس مال متواضع، ولم يكن عند أصحابها خبرة طويلة، وأخذت تنمو شيئا فشيئا إلى أن حققت نجاحات هائلة.
خلاصة الأمر أن الوظيفة بالمعنى الموضح آنفا تعمل في إبقاء صاحبها فقيرا، لعدة أسباب منها:
- أن صاحب الوظيفة يبقى محدودا في دخله، فمهما حقق من زيادات وحصل على امتيازات يبقى محدودا، وكلما تقدم به السن زادت مصروفاته بوتيرة أكبر بكثير من دخله، مما يؤدي إلى اتساع الفجوة بين دخله ومصروفاته، مما يؤدي إلى تراكم الديون، بدلا من أن يراكم المال لتأمين مستقبله ومستقبل أبنائه.
- لم يعد هناك ما يسمى بالأمان الوظيفي، بل هناك تقلبات هائلة في سوق العمل، ويوميا يتم فصل العديد من الموظفين.
- الوظيفة تستحوذ على وقت الموظف، ولا تبقي له وقت ليفكر في مستقبله وليخطط لإنشاء مشروعه الخاص.
- الموظف في الغالب محدود المهارات والخبرات لأنه غير منكشف على العالم الخارجي، ولم يخض تجارب عدة تؤهله ليحقق نجاحا اقتصاديا.
إذا كان هذا هو واقع الوظيفة، فما هو الحل؟!
الحل أن يحافظ كل صاحب وظيفة على وظيفته بعد أن يتأكد أنها تناسبه وتلائمه وتحقق طموحه وبإمكانه أن ينفع ويفيد الآخرين من خلالها. وأن يجتهد أن يطور مهاراته ويجدد نفسه ليصل إلى أقصى درجات المهنية في مجاله، وأن يواصل المسير لتتحول هذه المهنة إلى رسالة له في الحياة، يخدم من خلالها الأخرين وينفع بها المجتمع، ويعمل على أن يتطور ماليا واقتصاديا من خلال المبادرات والمشروعات.
ماجستير اقتصاد ومصارف إسلامية
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net