بلال فوراني في مقاله:
الذكاء ليس أن تكون أذكى من غيرك، الذكاء أن تستفيد من غباء الآخرين كي تكون الأذكى دومًا أن توظف ردات فعل الآخر بعد دراسته بشكل وافٍ كي تتوقع الحركة القادمة منه
اليوم ينتظر العالم كله الردّ الروسي على طعنة الغدر التركي في ظهره هذا لتوصيف خطير وصفه القيصر بوتين بكل ذكاء وكأنه يضع النقاط فوق الحروف ويسمي الأشياء بمسمياتها
العالم كله يترقبّ مثل المجنون ماذا ستفعل روسيا هل ستتهور روسيا وتعلن الحرب على تركيا وعلى حلف الناتو الذي يدعمها؟ أم أنها ستسكت وتكتفي بالتهديد والوعيد؟ أم أنها ستقاطع تركيا سياحيا واقتصاديا وتجعلها تركع أما غازها الروسي؟
روسيا ليست دبّا بمعنى الكلمة العربية.. فهي تحمل عقلا محنكّا تغيّر تماما عن عقلية الاتحاد السوفيتي في الحسابات، لقد تعلمت من تجربتها في أفغانستان مالم تتعلمه أمريكا في العراق، وأصبحت تقرأ الأحداث بعيون البومة التي ترى في الظلام ما لا يراه الآخرون، لم تعد تخدعها تلك الألاعيب البهلوانية التي يمارسها الساحر الأمريكي كي يورطها في قبعة سوداء لن تخرج منه، ولم تعدّ تنزعج من الاستفزازات التي تخرجها عن طورها وتتصرف بصبيانية تعاقب عليها فيما بعد، فقد أصبحت ذاك الدب الذي لا يواتيه السبات الشتوي وينام وعينه عين ذئب وقلبه قلب أسد، لقد صارت ماهرة جدًا على مدى عقود من السنوات في تفسير أحلام الآخرين وكأنها صارت العرافة التي تخبرهم بمستقبلهم الواعد وهم لا يعلمون أنها تقرأ أفكارهم وتفهم نواياهم من أقنعتهم المزركشة بالكذب.
اليوم ينتظر العالم كله الردّ الروسي على طعنة الغدر التركي في ظهره، هذا لتوصيف خطير وصفه القيصر بوتين بكل ذكاء وكأنه يضع النقاط فوق الحروف ويسمي الأشياء بمسمياتها، وينزع الأقنعة عن الوجوه التي تسترت وراء مكافحة الإرهاب، العالم كله يلهث ويدق أبواب المحللين السياسيين كي يخبروهم عن تنبؤاتهم القادمة، كي يشبعوا فضولهم في معرفة كمية الغضب عند الروس، وخاصة أن روسيا معروفة بأنها لا تطعن أصدقائها وأكثر شيء تكرهه هو الطعن في الظهر، لأن النذالة ليست من طبعها ولكنه من طبع الحثالة التي تزور الحقائق وتشوه الوقائع، العالم كله يترقبّ مثل المجنون ماذا ستفعل روسيا، هل ستتهور روسيا وتعلن الحرب على تركيا وعلى حلف الناتو الذي يدعمها؟ أم أنها ستسكت وتكتفي بالتهديد والوعيد؟ أم أنها ستقاطع تركيا سياحيا واقتصاديا وتجعلها تركع أما غازها الروسي؟ أم أنها ستجعل تركيا تذرف دمعًا ودمًا على خيانتها الوقحة وبشكل سافر.
السؤال المطروح الآن على مائدة التساؤلات وطاولات التحليل السياسي، هل ما حدث كان مكيدة مبيتّة أم خدعة حقيرة أم تحرش مقصود لاستفزاز روسيا وجرها إلى مستنقع الحرب مع حلف الناتو، ولكن في الحقيقة فإن السؤال المفروض طرحه والذي يفرض نفسه على العقول الراقية والذي يجب أن يكون السؤال الأول في امتحان التحليل السياسي هو: ترى من خدع من..؟؟
من المجرم ومن الضحية، من القاتل ومن القتيل، من المعتدي ومن المعتدى عليه، وكل ما قرأته اليوم من أخبار يدير دفة الحوار إلى أن روسيا كانت الضحية وأنها كانت المطعونة في ظهرها، ولكن وبكل صدق دعونا نجرب أن نجمع الكلمات المتقاطعة بهدوء كي تفهموا ما هي الكلمة الضائعة، قبل يومين بوتين يزور إيران ولا يخفى على أحد أن زيارته هذه لم تكن عبثًا، وقبلها قال إن الضربات الروسية ممتازة ولكنها لا تكفي، بمعنى أن هناك مرحلة أخرى، وقبلها قام بقصف صهاريج النفط ومنشآت التكرير التابعة لداعش والتي صارت من إحدى أعمدة الاقتصاد التركي في الفترة الأخيرة، كي يقطع شريان الحياة التي يستمد داعش وحلفائه قوته منه، ثم يحدث أن تقوم تركيا بإسقاط طائرة روسية بحجة أنها انتهكت المجال التركي، رغم أن روسيا وتركيا ليستا دولتين عدوتين، وهناك تفاهم كي لا يحدث أي اصطدام كما حدث أنفًا، ولكن تركيا أسرعت تلملمّ ثيابها على عجل راكضة الى الناتو حتى قبل أن تتصل بروسيا كي تفسر لها ملابسات ما حدث، أو تقوم بشرح ما حدث اعتمادًا على أبسط المعايير الدولية حين يحدث سوء فهم بين دولتين، ثم قام وزير خارجيتها المسكين صاحب نظرية صفر مشاكل بالتصريح بأن تركيا لن تسمح بانتهاك أجوائها أو سيادتها.
إذن هل لاحظتم شيئا؟ هل انتبهتم أن الاستفزاز الروسي كان مقصودًا وكانت روسيا بشكل أو بآخر تعلم مسبقا أن إحدى طائراتها سيتم قصفها، وكانت تعتمد على كمية الغضب التركي من إهدار ملايين الأموال من النفط المسروق عن طريق داعش، هل انتبهتم من مثل شعبي يقول ((أجى يتعشى فينا قام تغدا فينا)) هل انتبهتم أن ما حدث اليوم من إسقاط الطائرة الروسية هو في صالح الجبهة الروسية السورية الايرانية، لقد استطاعوا أن يسرقوا من قلوب الناتو وأمام أعينهم الحق في زرع منظومة الأسلحة s300 أو ربما تصل لدرجة منظومة s400 والتي كانت محرّمة على سوريا بحجة التوازن العسكري أمام اسرائيل، لقد استطاعوا الحصول على تفويض قانوني بحماية طائراتهم الأجواء السورية من أي انتهاك، فطالما تركيا تعتبر أجوائها مقدسة حسب كلام وزير خارجيتها أوغلو، وبالتالي فإن أي طائرة تنتهك الأجواء السورية سيتم قصفها أو تهديدها طالما لم تأخذ الإذن السوري في تحليقها، والأراضي السورية لها حرمة أيضًا وسيتم تنظيفها حتى الحدود الشمالية الملاصقة لتركيا وبالتالي مات الحلم التركي في إنشاء منطقة عازلة كان يعتقد أنها ستكون المرحلة الأخيرة في لفظ أنفاس النظام السوري.
الذكاء ليس أن تكون أذكى من غيرك، الذكاء أن تستفيد من غباء الآخرين كي تكون الأذكى دومًا، أن توظف ردات فعل الآخر بعد دراسته بشكل وافٍ كي تتوقع الحركة القادمة منه، وعليه تكون سابقًا له دوما بخطوة . يذكرني هذا بأحد الأفلام الحربية التي يركض فيها رقيب عسكري وهو يرتعش ويرتجف الى قائده في الخيمة العسكرية وهو يصرخ لقد طعنونا في ظهرنا يا سيدي لقد خانونا، حينها ابتسم القائد ونفث بقية سيجارته من فمه بكل هدوء وقال له :ومن قال لك أنهم طعنونا، ربما نحن من سمح لهم أن يطعنونا، لقد قدموا لنا خدمة ما كنا سنحصل عليها يومًا طوال هذه الحرب ....لقد أعطونا ما نريده على طبق من ذهبّ ...؟؟
هل عرفتم الكلمة الضائعة ما هي ... ما بعد إسقاط الطائرة ليس كما قبلها .. لقدّ وقعتم في الفخّ ..؟؟ على حافة الارهاب سقوط الطائرة الروسية شيء من الأشياء ولكن سقوط الأقنعة عن الوجوه الكاذبة أكبر الأشياء.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net