الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 13:02

تحدثت مع ابنك يا إميل/ بقلم: أحمد ياسين

كل العرب
نُشر: 16/11/15 20:04,  حُتلن: 20:46

مرحبًا إميل، سأخاطبك كصديقٍ لم ألتقِ به. كنت قد سمعت عنك في المحاضرات، وقرأت مقتطفات من مؤلفاتك بمحض الصدفة في الكتب والمقالات، ولكن لم يخبرني أحدٌ من قبل عن تاريخك ولا عن سيرتك الذاتية ولا عن زوجتك اليهودية الديانة "حايا" ولا عن جريدة الاتحاد ولا عن ميخائيل، ولا أي شيءٍ من هذا القبيل؛ كل ما أعرفه عنك هو اسمك ومكان ولادتك.

إميل اتضح لي أنك جسدّت الانسانية بأروع الصور، إذ أنني التقيت اليوم بابنك ميخائيل تمام الساعة الحادية عشر، وكل ما أعرفه أنه قد ورث طول القامة منك، وعلى ما أعتقد ابتسامتك أيضًا، أجزم هذا حيث سمعت أحد أصدقائك يقول أنك كنت متميزًا بطول القامة وحس الفكاهة. إميل، تحدثت أنا وابنك ميخائيل في مواضيع مختلفة، منها الاجتماعية ومنها السياسية، ومنها يتعلق برام الله، وبعضها الآخر يتحدث عن محمود درويش، أحسست وكأني أعيش تلك الحقبة الجميلة بالتفصيل.

نظرنا لبعضنا برهةً، ثم ساد صمتٌ عميق، على ما يبدو أنه صمتٌ نابعٌ من بعض الحيرة في رأسي، كان قد سببها لي ابنك، أو من الممكن سببها لي تاريخك وحاضرك وماضيك. نظرت لعينيه وقلت: "أنت جوهرةٌ نادرةٌ، تجمع بين التناقض الأعظم والحب الأمثل، والعشق الكثير، والحيرة القصوى، وتجسّد إله الإنسانية، فأنا لم ألتقِ قبلُ بشخصٍ والده فلسطينيٌ مناضل ووالدته يهودية لها تاريخها، وبالضرورةِ لم ولن أفهم هذا التناقض الذي كان موجودًا في البيت عندكم؟ أي لغة تستخدمون؟ وعن أي تاريخٍ تتحدثون؟ هل تحدثتم عن السياسية بشكل دائمٍ؟ أي دولةٍ دولتك؟ وإلى أي شعبٍ تنتمي إليه أكثر؟
تبسّم ميخائيل وقال: نعم، إنه التناقض، لا أستطيع أن أصف الشعور، ولكن كل ما أعرفه أنني أعمل لإحياء ذكرى والدي وإنسانية وأعمال والدتي! اعذرني إميل، فاختيار الكلمات صعبٌ الآن، كلما نظرت لعيني ابنك، أصابتني قشعريرة مصدرها حيرة في عينيه حول هويةٍ مركبةٍ معقدةٍ، لا أدري ما إن كنتَ قد فككت شيفرتها، أم تركتها عالقةً للتاريخ.

ميخائيل ليتني كنت أستطيع مخاطبة والدك أيضًا، ولكنني أخبرته في سرّي أنّي سعيدٌ بالحديث إليك، بعيدًا عن الأسئلة الكثيرة التي تدور برأسي طوال اليوم ... إنك تجسد حالةً إنسانيةً فريدةً من نوعها، لا أدري ما إذا كان التاريخ سيعيد تكرارها أم لا، ولكن بغض النظر، شكرًا لإنسانيتك، شكرًا لابتسامتك، شكرًا لتناقضك، شكرًا لانتمائك أو انتماءاتك، شكرًا لك، فتجسيد الإنسانية أنت.
 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net


مقالات متعلقة

.