د.شكري الهزَّيل في مقاله:
التدخل الروسي في سوريا سيبقى محدود النتائج ومردوده قليل جدًا على نظام الاسد رغم ان روسيا ستستعمل وتستعمل القوة المفرطة
لم يعد بامكان قوات نظام الاسد وحلفاؤه فعل الكثير على الارض وحتى وجود الغطاء الجوي روسي لن يكن بمقدوره حسم المعركة على الارض في ظل وجود معارضات سورية كثيرة مسلحة
الأنظمة الامبريالية والاقليمية ركبت موجة محاربة "داعش" حتى تبرر صمتها وجبنها حين تركت نظام بشار وحليفة القزَّم الطائفي نصر الله ومعهم ايران وشيعة الولي الفقية يذبحون الشعب السوري ويدمرون قراه
نشاهد ونستمع في هذه الأحيان لكثير من التحليلات والمحللين المهتمين بالشأن السوري بدرجات متفاوتة واتجاهات متقاطعة تعبر الكثير منها عن وجهات نظر كُتاب ومحللي بلاط قريبون من هذا النظام العربي أو ذاك النظام الاقليمي أو العالمي وجاء التدخل العسكري الروسي ليزيد ملح الطبخة او الخبصة السورية وليزيد الطين بلة ليصبح المشهد اكثر دموية واكثر فوضوية وخاصة أن الروس جاءوا ليثبتوا أنهم أفضل من أمريكا والغرب إذا تعلق الأمر بالقصف والقتل والدمار وهم لم يأتوا لا لمحاربة الارهاب ولا حتى إنقاذ النظام لانهم يدركون أن النظام في المحصلة ساقط لا محالة وهم يريدون إنقاذ ما أمكن انقاذه من المصالح الروسية في سوريا عبر خلق معزل جغرافي وديموغرافي سوري يضمن بقاء التواجد العسكري الروسي بداخله وداخل حدوده وهذا المعزل الجغرافي إن صدق المنجمون والمحللون هو غرب سوريا ومنطقة الساحل الذي يضم طرطوس واللاذقية.
التواجد العلوي وما يسمى بالقوى والمناطق الموالية لنظام بشار الاسد، بالإضافة الى هذا المعزل الجغرافي والديموغرافي نضيف معزل جغرافي وديموغرافي آخر مجاور له تقوم على تأمينه ايران وحزب الله الشيعي اللبناني وباقي الميليشيات الشيعية الوافدة من العراق وأماكن أخرى وهذا المعزل يتمثل في المناطق الواقعة جنوب إقليم حلب وجزء من الحدود مع لبنان مرورا بمنطقة القـَلـَمون وحتى ضواحي دمشق.. معزل جغرافي يضم بعض الاقليات الطائفية والعرقية كالعلويين والشيعة وجزء من المسيحيين في سوريا يضمن بقاء التواجد العسكري الروسي في سوريا الى حين تسنح فيه الفرص والظروف السياسية لحل نهائي يضمن المصالح الروسية لكنه لا يضمن بالمطلق بقاء نظام بشار الاسد التي ستسعى روسيا للتخلص منه في المحصلة بهدف القول: ها نحن نلبي مطالب الشعب السوري او الاكثرية السُنية ونتخلى عن نظام بشار واستبداله ببديل آخر إما من داخل حزب البعث نفسه أو من خلال إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في سوريا... إستبدال بشار الأسد برئيس آخر من داخل منظومته السياسية هو الحل المرحلي الأقرب للتطبيق في ظل إستحالة إجراء انتخابات في سوريا المحتلة والمقسمة جغرافيا وديموغرافيا بين سلطة عشرات الميليشيات والقوى الاقليمية والعالمية ناهيك عن أن ما يقارب ثلث الشعب السوري أصبح لاجئا يعيش خارج وطنه.
التدخل الروسي في سوريا سيبقى محدود النتائج ومردوده قليل جدًا على نظام الاسد رغم ان روسيا ستستعمل وتستعمل القوة المفرطة وسياسة الارض المحروقة في قصفها للمناطق السورية بهدف إثبات نجاعة سلاحها وتدخلها في سوريا مقابل الزعم بفشل امريكا عسكريا وسياسيا في محاربة ما يسمى بـ"الارهاب" الشماعة العريضة الذي علقت عليها جميع الدول والميليشيات الطائفية اسباب تدخلها في سوريا وبالتالي الجاري في سوريا بشكل عام اضخم بكثير من حجم قوة الـ "تدخل العسكري الروسي" في ظل وجود قوات نظامية سورية منهكة ومتعبة من حرب شارفت على بلوغ عمر الخمس سنوات كانت كافية لاحتلال واستباحة سوريا بالكامل ولم يعد بامكان قوات نظام الاسد وحلفاءه فعل الكثير على الارض وحتى وجود الغطاء الجوي روسي لن يكن بمقدوره حسم المعركة على الارض في ظل وجود معارضات سورية كثيرة مسلحة بشكل جيد وخاصة بالصواريخ المضادة للدروع والدبابات التي الحقت بقوات النظام السوري خسائر فادحة في ميادين الحرب والمعارك الجارية في سوريا، وبالتالي ما هو حاصل وسيحصل على الارض السورية هو ان المقاتل وقوة باسه ومعنوياته وعقيدته القتالية هي التي ستحسم نتيجة المعارك النهائية، والواضح ان مقاتلي الفصائل المعارضة للنظام السوري افضل حال ومعنويا من قوات النظام وحلفاءه الطائفيون ومن بينها حزب الله اللبناني الذي تكبد ويتكبد خسائر فادحة في الارواح الى حد لم تعد تتوقف فيه مراسيم تشييع جثامين قتلاه العائدون الى لبنان في ثوابيت من سوريا والأمر نفسه ينطبق على القوات الايرانية والميليشيات الشيعية التي تتكبد ايضا خسائر فادحة، ورغم ان المعارضات السورية هي الأخرى تتكبد خسائر كبيرة لكن مخزونها البشري والديموغرافي التعبوي في سوريا اكبر بكثير من الميليشيات الطائفية الشيعية الوافدة التي تحارب لجانب النظام.. النتيجة الحتمية والمحصلة النهائية هي هزيمة النظام وهزيمة سيد المقاولة الطائفية هزيمة نكراء في سوريا لكن الحرب مع هذا ستستمر في سوريا على السلطة والنفوذ المناطقية حتى بعد اسقاط نظام بشار الاسد الذي بدا أسيرا ذليلا في حضرة بوتين في زيارته الخفاشية الأخيرة لموسكو!!
خبصة "ولد القرداحة" في سورية لم تعد في مرمى نطاق المنطق والتحليل وكل هذه الاكاذيب والتخمينات التي تخرج من منابر وسائل الاعلام العربي بكل توجهاته وتبعيته لهذا النظام او ذاك ما هي إلا خزبعلات تبرير وتمرير مسلكيات أنظمة عربية واقليمية وعالمية، تعاملت مع الأزمة السورية من منطلقات عدمية ورجعية وامبريالية وطائفية شكلت في النهاية المشهد التراجيدي والمأساوي الجاري والحاصل في سوريا المحتلة بالكامل من قبل عشرات القوى والميليشيات التي اوجدت على تعددها وعددها مناطق نفوذ في سوريا المقسمة في هذه الأوان بالكامل وما يجب لفت النظر اليه هو التركيز الدولي والاقليمي المفتعل والتمثيلي على "داعش" واتفاق الجميع على محاربة هذا التنظيم تحت لافتة او شماعة محاربة "الارهاب" في حين ترك العالم الشعب السوري ضحية ولقمة صائغه لنظام حكم طائفي وفاشي دمر المدن والقرى السورية على رأس قاطنيها وقتل اكثر من 300 ألف سوري وجرح مئات الآلاف ناهيك عن تشريد ملايين اللاجئين وعشرات الآلاف من المفقودين ومئات الالوف من البيوت المهدمة..
الأنظمة الامبريالية والاقليمية ركبت موجة محاربة "داعش" حتى تبرر صمتها وجبنها حين تركت نظام بشار وحليفة القزَّم الطائفي نصر الله ومعهم ايران وشيعة الولي الفقية يذبحون الشعب السوري ويدمرون قراه ومدنه ويحرقون الـخضر واليابس للحفاظ على نظام طائفي لاتشكل طائفته "المظلومة"عشرة بالمئة من تعداد سكان سوريا.. اكذوبة حلف الممانعة والمقاومة ستنتهي بكارثة وهزيمة نكراء لمروجي هذا الشعار الكاذب الذي أثبت أن ما بعد بعد حيفا كان تدمير بلاد الشام وزرع الحرب والكراهية الطائفية الى أبد الابدين.. لا يجب الحديث من منظور العين بالعين والسن بالسن لا بل من منظور المنطق الذي يقول: ماشي..اعتبرتم "داعش" و"النصرة" قوى إرهابية وتحاربوها وتقصفوها!..فليكن الامر هكذا وعلى منوال منطقكُم هذا، لكن ماذا مع حزب الله الشيعي اللبناني وعصائب الحق وعصائب القتل الايرانية التي تشارك جميعها في قتل وإبادة الشعب السوري؟..لماذا لا تعتبروها إرهابية وتحاربوها كما تحاربون داعش والنصرة وغيرها من ميليشيات متواجدة على الارض السورية.... لاحظوا معنا مفارقة الحرب على "الحوثيين" في اليمن حلفاء حسن نصر الله وايران.. حلال في اليمن وحرام في سوريا؟..ما هذا المنطق؟ وقبل أن اترك هذا المربع وهذه الجزئية سؤال آخر منطقي: ما هذا المنطق من تدمر اليمن تحت لافتة محاربة "الحوثيين" في حين أن الهدف الحقيقي هو الحفاظ على النظام السعودي عبر حرب استباقية جارية على ارض اليمن.. النظام السعودي يلعب لعبة انه نصير الشعب السوري وداعم لثورته في حين يقوم هذا النظام بتدمير اليمن وقتل شعبه والحيلولة دون إحصاء العدد الحقيقي لضحايا غارات طيران الحلف السعودي على اليمن...خبصة سياسية عربية.. طلطميس يا خميس!!
نعود الى جوهر الخبصة المأساوية والدموية السورية الذي كان أساسها ومنطلقها نظام دكتاتوري دموي وهمجي فعل ما فعل وارتكب ابشع المجازر والجرائم والإبادة الجماعية بحق الشعب السوري وما زال متشبثا بالحكم ويبحث له عن دور في مستقبل سوريا المحتلة والمدمرة دمارا كاملا وشاملا والواضح ان رأس النظام السوري فقد جميع أحاسيسه ولم يعد يستوعب حتى ما يدور حوله من أحداث ولم يدرك بعد انه نظام جلب الاحتلال المتعدد الأشكال لسورية وانتهك السيادة السورية بشكل فاضح ومأساوي وصارت سوريا في عهده بلاد مستباحة وشعبها صار في مهب الرياح العاتية يموت في الوطن ببراميل النظام ويغرق في عرض البحار ويموت جوعا وملايين المشردين واللاجئين واخر ما تبقى في جعبة النظام جلبهُ لالة الدمار الروسية وكأنهُ لا يكفيها ما فيها وبيها...
واضح أن النظام السوري ساقط الآن في مربع الهزيمة وجلبة للروس دليل قاطع على هزيمته في الميدان العسكري والسياسي داخل سوريا نفسها وهو الان يترنح ويبدو هو وضباط جيشه رهينة في يد حزب الله وايران وروسيا...حتى ما سمي بالجيش الوطني السوري صار مستباح ويعمل تحت إمرة ميليشيا حزب الله وايران...النظام السوري فرط بكل رموز السيادة الوطنية بما فيها الجيش الذي يعتبر في الظروف العادية حامي للسيادة الوطنية وليس مفرط بها..!!
مما لا شك فيه أن هنالك معارضات سورية وطنية وجذرية وهنالك معارضات تسلقت على اكتاف الجرح السوري وشيدت سرح تضليلي لتبرير وجودها في سوريا وايا كانت الاتجاهات السياسية للمعارضات السورية الا اننا نشكك بمصداقية وطنية ومصداقية أي حزب معارض او ميليشيا مسلحة تتلقى الدعم من النظام الرجعي السعودي والامبريالية الامريكية العدو اللدود للشعوب العربية وعليه ترتب القول بوجوب سقوط نظام بشار الاسد لكن استبداله بنسخة من النظام السعودي تعني في الحقيقة فشل الثورة السورية وانتقال سورية من حكم دكتاتوري الى نظام دكتاتوري موالي للسعودية ونظامها الذي كان دوما أساس مصائب العرب وعلى رأسها كارثة احتلال العراق عام 2003 وما انبثق عن هذا الاحتلال منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا من قتل ودمار وحروب طائفية وتغلغل النظام الايراني في العراق لابل إستيلاء رجال الولي الفقيه على الحكم في العراق... أمريكا والسعودية هما من سلم رسن العراق لايران وامريكا والسعودية ومعهما تركيا هم من حرفوا بوصلة الثورة السورية وتركوا الشعب السوري ضحية لنظام فاشي وحلفاءه من ميليشيات شيعية وطائفية فتكت بالشعب السوري وزرعت الحقد والكراهية الطائفية الى أبد الابدين... بسقوط النظام السوري ستدخل سوريا في حروبات أخرى ولربما يبلغ التطهير الطائفي مدى لا يتصوره أحدا وخاصة اننا نعرف أن نظام بشار الأسد قد زج بالطائفة العلوية في الحرب ضد الشعب السوري واحرقها وطنيا وهذا أمر لاتحمد عقباه ونتائجه ستكون كارثية على طائفة ليست كلها مؤيده لنظام "ولد القرداحة"..!
عملية انقاذ النظام السوري هي عملية شبه مستحيلة حتى لو جلب كل جيش وقوات روسيا "العظمى" وهذا النظام سيُهزم وستكون نهايته مثل هتلر وفرانكو وموسوليني وتشاوسيسكو وبن علي وحسني مبارك وآخرون كثيرون من الدكتاتوريات التي اسقطتها الشعوب لكن في المقابل ذهبت الانظمة وبقيت الشعوب والمهم والأهم أن يجد الشعب السوري مخرجا لأزمته الوطنية وينقذ الشعب والوطن السوري وأولى الخطوات من وجهة نظرنا هي تحجيم دور الأيادي الخارجية وحصر الحل فيما بين الشعب السوري على أن لا يكون للنظام الحالي أي دور في مستقبل سوريا... نظام عائلة الاسد خلق دولة عائلية وبوليصية يحكمها البلطجية وثقافة الطائفية المبطنة والظاهرة ولذلك انزلق السوريين بسرعة فائقة الى هول الحرب الأهلية والطائفية مما سهل الطريق على استباحة سوريا وطنا وشعبا..
نعم الوضع السوري معقد وصعب جدا لكن النظام وجميع الميليشيات الأجنبية الموالية له والمعارضة ايضا لا مكان لهم في مستقبل سوريا... هزيمة النظام وحزب الله وايران تدق الأبواب وروسيا لن تتمكن حتى من تخفيف وقع ووطأة هذه الهزيمة وسوريا اليوم تقف على اعتاب مرحلة جديدة تتطلب حكمة خاصة في ايجاد حلول بين البَّينين ولا خاسر ولا رابح والاولوية تكون لربح الوطن والشعب السوري ودستور سوري يكفل المواطنة والمساواة للجميع والأهم هو إعادة بناء سوريا المدمرة... إعادة اعمار سوريا وعودة المهجرين واللاجئين الى ديارهم ووقف ولجم الخبصة السورية نهائيا... نتمنى الخير والعقلانية لسوريا وشعبها والعفو عند المقدرة والأهم هو فترة ما بعد الاطاحة بنظام "وٍلد القرداحة"...فترة بلسمة الجراح وما اكثرها في سوريا..!!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net