الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 01:01

أوباما يمزق آخر الأقنعة/ بقلم: الشيخ إبراهيم صرصور

كل العرب
نُشر: 30/09/15 10:26,  حُتلن: 09:07

الشيخ إبراهيم صرصور في مقاله:

بات واضحا وضوح الشمس أن مصلحة أمريكا وايران تتلخص في أنه من المفضل غرق منطقة الشرق الأوسط في الدماء والخراب

القراءة المعمقة والمتأنية لخطاب أوباما والذي جاء ملخصا للسياسة الامريكية المتوارثة تضعنا امام مجموعة جديدة من الحقائق أولها أن ديمقرطة العالم العربي آخر ما تفكر به أمريكا

الذي شجع أوباما على هذه المكاشفة غير المسبوقة والتي انتهت كما نرى في الأيام الأخيرة بإقامة تحالف جديد يضم بالإضافة الى أمريكا كلا من روسيا وايران وإسرائيل وأنظمة العرب الفاشية والدموية امثال السيسي جلاد مصر وبشار الأسد سفاح سوريا 

للحقيقة ان خطاب (أوباما) في الأمم المتحدة لم يفاجئني من حيث مضمونه ونسقة العام، الذي فاجأني فعلا هو هذا الكَمِّ غير المسبوق من الإهانة الذي وجهه هذا الرئيس (الأسود) ذي الأصول (الإسلامية !!) الى كل حلفائه العرب والمسلمين من جهة، وفضحه غير المسبوق لخبايا السياسة الامريكية التي كانت الى عهد قريب تحاول إخفاء تشوهاتها العنصرية المعادية لكل ما هو عربي ومسلم وانحيازها الكامل لمصالحها على حساب الاخلاق والقيم الإنسانية العابرة للثقافات والأديان، من خلال استعمالها لمساحيق زائفة حفظت لها بعض مكانتها عند اغبياء العرب والمسلمين من أنظمة (ومثقفين !!!) على مدى عقود مضت من جهة أخرى.

السبب في ذلك هو تلك المضامين والرسائل التي اختارها (أوباما) ليتوج بها خطابه قبل الأخير في الأمم المتحدة وتصريحاته الصحفية اثناء وبعد لقائه من نظيره الروسي (بوتين)، قبل إنهاء ولايته في البيت الأبيض.

لقد كان خطابَ مكاشفة بامتياز، مزق فيه (أوباما) آخر الأقنعة التي كان يحاول بها وعلى امتداد سنوات حكمه، إخفاء موقف إدارته والى حد كبير موقف الإدارات الامريكية في الماضي وكذا في المستقبل، لقد وقف (أوباما) في هذا الخطاب عاريا دون رتوش، واضحا دون مواربة، صريحا دون دبلوماسية، صهيونيا دون منازع، وقحا دون ذرة من حياء، ويهوديا أصوليا دونه أصولية كهانا حاي الدينية وأصولية ليبرمان القومية، وحاقدا على الإسلام والعرب والمسلمين دون مثقال حبة من خردل من تردد أو خجل.

لقد كان خطابه الذي تجاهل فيه القضية الفلسطينية وما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي من جرائم ضد فلسطين وطنا وشعبا ومقدسات وعلى راسها القدس والاقصى المبارك والتي لم تحظ ولو بإشارة متواضعة في خطابه، لتعتبر بيعة أبدية ليهودية إسرائيل وصهيونية نظامها، ودعما بلا تحفظ لأيدولوجيتها العنصرية وسياساتها التدميرية والوحشية، كما كان حكما بالإعدام على حلم التسوية السلمية والدولة الفلسطينية، وتراجعا صريحا عن وعده في إقامة هذه الدولة والتي ترك الحديث عنها لنتنياهو الذي وضعها بدوره كالريشة في مهب الريح بلا لون أو طعم أو رائحة، مجرد حديث لطالما سمعه الفلسطينيون على مدى ستة عقود مرت منذ النكبة.

هذا بالإضافة الى تخليه الكامل عن مجموعة (القيم !!!) التي ادعت أمريكا انها تحملها الى كل العالم بلا استثناء وعلى رأسها حرية الشعوب، ومحاربة فاشية الأنظمة، ومقارعة إرهاب الدول، ومواجهة سياسات القتل والابادة الجماعية التي تمارسها كثير من الحكومات ضد شعوبها، والتي يحدث اغلبها الساحق في اكثر من بلد عربي كالعراق وسوريا وفلسطين واليمن وليبيا. هذا بالإضافة الى الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها أنظمة مجرمة وأصولية حاقدة ضد الاقليات المسلمة على أراضيها كميانمار وأفريقيا الوسطى وغيرها.

لقد فعل (أوباما) ما لم يفعله اكثر رؤساء أمريكا تطرفا، حيث عزز بخطابه القناعة لدينا ولدى كل شعوب العالم العربي والإسلامي وحتى الاحرار من شعوب العالم، ان (العجز !!) و (قلة الحيلة !!!) الامريكية ليست حقيقية وانما هي (عجز وقلة حيلة) محسوبة ويتم تنفيذها بوعي كامل، وهي جزء من المخطط الأمريكي المسمى (الفوضى الخَلّاقة) او (الفوضى الهَلّاكة !!!) او (الخَنَّاقة !!!) على ذمة (فيصل القاسم) مذيع برنامج (الاتجاه المعاكس) على (شبكة الجزيرة).

الذي شجع (أوباما) على هذه المكاشفة غير المسبوقة والتي انتهت كما نرى في الأيام الأخيرة بإقامة تحالف جديد يضم بالإضافة الى أمريكا كلا من روسيا وايران وإسرائيل وأنظمة العرب الفاشية والدموية امثال (السيسي) جلاد مصر و (بشار الأسد) سفاح سوريا، بدلا من تحالفات أمريكا القديمة وبالذات مع دول الخليج، الذي شجعه على ذلك هو هذا الانهيار للنظام العربي الرسمي والذي جعل القضايا العربية الكبرى ابتداء من فلسطين وانتهاء بالأمن القومي العربي في أدنى سلم اولويات أمريكا والنظام العالمي الجديد الذي يقوم على منطق القوة والمصالح، فلا مكان فيها للقيم والأخلاق والمبادئ، كما لا مكان فيه للضعيف مهما كانت قضاياه عادلة ومطالبه محقة.
القراءة المعمقة والمتأنية لخطاب (أوباما) والذي جاء ملخصا للسياسة الامريكية المتوارثة، تضعنا امام مجموعة جديدة من الحقائق. أولها، ديمقرطة العالم العربي آخر ما تفكر به أمريكا. ثانيها، التدمير الذاتي الذي تمارسه الأنظمة العربية الفاشية ضد شعوبها واوطانها هي الطرق الأقصر لتحقيق الاحلام الدولية - الإسرائيلية – الإيرانية، خصوصا وان الاخيرة رضيت لنفسها بعد توقيعها على الاتفاق النووي مع دول ال - (5+1)، دور الشرطي الجديد لأمريكا في الشرق الأوسط تماما كما كانت إيران تحت حكم (آل بهلوي)، وإنْ تحت غطاء نظام (الملالي) المدجج بسلاح (الشعارات !!) البراقة التي ما حققت لقضايانا شيئا على الحقيقة. ثالثها، قناعة الإدارة الامريكية انها مهما وجهت من اهانات لحلفائها العرب وبالذات دول الخليج، فلن يخرجوا عن إرادتها ولن يغادروا بيت طاعتها، لآنهم في النهاية حريصون كل الحرص على عروشهم التي يستمدون شرعيتها لا من شعوبهم ولكن من حماية أمريكا لهم، فهم بحاجة دائما الى هذه الحماية التي يدفعون ثمنها الكرامة والدم والمال والمستقبل العربي. رابعها، استمرار الإرهاب المفصل حسب المقاسات الامريكية – الإسرائيلية – الإيرانية، هو السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف الامريكية في إحكام سيطرتها مع حلفائها الجدد على الشرق الأوسط الجديد، وذلك بتحويل الأنظار الى عدو متوهم هو نتيجة طبيعية وثمرة مرة لتفشي إرهاب الحكومات وغياب العدالة على مستوى العالم، بعيدا عن القضايا الساخنة التي يعاني منها العالم العربي منذ مرحلة الاستقلال الحديث وحتى الان.

خامسها، بات واضحا وضوح الشمس ان مصلحة أمريكا وايران تتلخص في أنه من المفضل غرق منطقة الشرق الأوسط في الدماء والخراب، على ان تحظى بديموقراطية تولد أنظمة إسلامية متنورة تفضح كل المتآمرين على الامة، وتأخذ بيد الشعوب لتلعب دورها في تحديد مصيرها ورسم خريطة مستقبلها داخليا وخارجيا. سادسها، المستفيد الأكبر من هذه الوضع الجديد هو إسرائيل التي لم يوجه اليها (أوباما) أي انتقاد لأنه يرى فيها الشريك الوحيد في الشرق الاوسط لقيم الديمقراطية والحرية والمساواة الغربية كما صرح بذلك في كثير من المناسبات، بالرغم من جرائمها عبر اكثر من ستة عقود ضد فلسطين الإنسان والوطن والمقدسات، وانتهاء برفضها القاطع لحقوق هذا الشعب في الحرية الكاملة والناجزة وفي الاستقلال والحرية والانعتاق، لا قيمة لكل ذلك في نظر اوباما، إسرائيل في نظره رغم قوتها وجبروتها هي الضحية، والفلسطينيون رغم معاناتهم وبؤسهم وضعفهم هم الإرهابيون الذين انعقدت النية الأمريكو- صهيونية على إلغائهم معتدلين ومتطرفين، وعلى حربهم دون هوادة حتى يخضعوا لإملاءات إسرائيل ويستسلموا لإرادتها.

حسبت للوهلة الأولى أنني أسمع خطابا لأحد المرشحين للرئاسة الأمريكية، ولكني عدت إلى نفسي لأذكرها أنها أمام رئيس يوشك نجمه أن يغيب، فلماذا انعدمت الفوارق بين المبتدأ والمنتهى، حتى ما عاد هنالك فرق في دعم إسرائيل والعداء للعرب والتنافس فيه، بين رئيس يوشك أن يدخل البيت الأبيض وآخر يوشك أن يخرج منه؟؟!!.

لا شك عندي في أن السبب لكل ذلك هو قناعة القادة الأمريكيين ومن كل الأحزاب أن لا وجود على الحقيقة للعرب والمسلمين، ولا خطر يُتَوَقَّع منهم على المصالح الأمريكية وعلى هذا الحلف التي تجاوز الحاجات السياسية المشتركة مع إسرائيل وايران وروسيا، إلى ما هو أكبر وأخطر وأعمق أثرا على حاضر ومستقبل الصراع إقليميا وعالميا.

كثير منا شعر بالغيظ من خطاب أوباما، هذا شعور طبيعي لا اعتراض لي عليه، لكنني مع ذلك ألفت الانتباه إلى اعترافين ضمنيين يمكن الخلاص إليهما من هذا الخطاب رغم ظهورهما، فكما قيل: قد تخفى الأشياء أحيانا لشدة ظهورها، الأول، هو الاعتراف الضمني للرئيس أوباما واعتقد أنه في ذلك يمثل السياسة الأمريكية مهما كان الانتماء الحزبي للرئيس الذي يسكن البيت الأبيض، بأن الشعوب العربية تعيش حالة غليان، وان الصراع بينها وبين الأنظمة الفاشية التي تحكمها ستنتهي حتما الى انتصارها، لأن هذا هو منطق التاريخ. وعليه فمهمة التحالف الجديد تتحدد في تأخير هذا القَدَرَ بكل طريقة، والثاني، هو اعترافه بأن القوى الحقيقية التي تمثل التهديد الحقيقي لمصالح الغرب وامتيازاته في العالم العربي والإسلامي إن لم يكن في العالم كله، هي هذه القوى الإسلامية التي تقف لأمريكا وسياساتها في كل مَرْصَد، وتدفع عن حياض الأمة وشرفها بكل الطرق المشروعة، ولذلك استحقت هذا الغضب الغريزي لدول الاستكبار العالمي، وهذه الحرب الضروس التي تشنها أمريكا وحلفاؤها زورا وبهتانا تحت راية (الحرب على الإرهاب).

نحن على ثقة من خلال ما خبرنا من أحداث التاريخ أن أمريكا تمثل غاية الشر، وأن ربيبتها إسرائيل تجسد خلاصة الظلم، وأنهما بهذا المعنى أمام تحدٍّ وجوديٍّ سواء اعترفتا بذلك أو لم تعترفا. وما نفوذهم وسيطرتهم بدليل على عبقريتهم، وإنما تدل على غباء خصومهم. فإن تغير هذا الحال، تغيرت معه بالضرورة الأوضاع وتبدلت الأحوال، وصدق الله : (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض فنجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.