هي، لا تذكر كيف انقادت حواسها صوب عالمه الحافل بالتناقضات، فحكايا الحب لكثرتما تبدأ بصدفة وتخبو بدمعة، دون أن يطرق العشق أبواب القلوب وبلا أي استئذان ودون رحمة لبراثن الخيبة التي تودي بالعاشق نحو عتمة أروقة القهر القاتمة. وربما تكون المصادفات غير المرتبة مسبقا هي سر حياة هذه المشاعر التي يبدأ فناؤها بمجرد جدولة المواعيد وتنسيقها وفق التزاماتنا ثم خنقها في بؤرة المهام اليومية حتى يخبو عنها ذلك البريق الذي يضفي على تيك الأحاسيس سحرها ورونقها الذي ألهم الشعراء منذ الأزل.
وهو، كان بنغمة وقع كلماته المنتقاة بعناية يسلبها الوعي وينفض عنها رداء الواقعية ليلبسها مكانه ثوبا حاكه من خيوط الوهم والخيال. لقد لزمها الكثير من الجهد كي تتقي سحر نظراته التي ذخّرها بمهارة نشالي محطات القطارات بشاعرية تناولها من رفّ البقال قبيل كل لقاء بلحيظات، أما هو فلزمه اليسير من الجهد كي يضرم لهيب توقها وشغفها كي تشبّ بين ضلوعها حرائق اللهفة المحفوفة بالتعاسة والضاجّة بألق الصبوة. تلاعب بها كمن أمسك بخيوط دمية المسرح وكتلاعب القيان بالوتر، فاحتلّ كيانها وانحسرت الذاكرة عمّا لم يفعله بها أكثر مما قد فعل. لم يشفع لها أنها لفرط شوقها كانت تصطلي بلهيب التوجّس والقلق كزوجة المحارب التي أضناها انتظار العودة خلف شباك الأشواق المتهالكة بعدما وضعت كل المعارك أوزارها. كانت فَرِحةً بِعشْقها الشّاهق الذي عانق الذّرى، لكنها كانت كثيراً ما تجفل من فرحها ... !.
وتزوجا، وعاشا حقبة من سعادة مصطنعة ظللتها ذكريات عشق متثائبة. لكنه، ما أن بدأت ذكرى الزفاف الصّاخب بالأفول حتى بدأ يتفنن بإهانتها وإذلالها بكل ما أوتي من موهبة. كان ينفث دخان سيجارته في ظلام ليل راحَ وقاره، ثم يدوس عقب السيجارة بحذائه ليقوم كي يدوس كبرياءها وليشبعها من قسوة قبضته، حتى تصبح من الموت قيد سيجارة أو أدنى من ذلك بقليل.
لم تعلم أبداً كيف انقلب كل هذا الحبّ العاصف بالمودّة إلى جحيم من الازدراء والتحقير. لقد بدأ يختلق الأسباب لتوبيخها وإقناعها بأنها خطأ فادح في حساباته يتحتم إصلاحه. وما هي إلا شهور قليلة حتى بدأ بضربها، وصفعها، وركلها، وكأن معالم إنسانيتها امّحت بمرور الشهور لتتركها شبه مخلوق بشري لا يعي إلا لهجة الهراوة والسوط. في مخيلته السّقيمة كانت ذروة الرجولة أن يقنع امرأته بأنه بوسعه كتابة قدرها ومحوها متى شاء. هي في مفهومه كائن منحته الطبيعة للذكر لتتجلى فيها سطوته وهيبته ولكي تسطرها الأيام على جسدها الغض. وأما هي، فقد بات من مسلمات حياتها أن ذروة الأنوثة أن تكون المرأة متأهبة دوما للتنازل عن شعاع النور الأخير في حياتها كي تحتفظ ولو بظله.
وما أن يجنّ الليل، حتى ينبت الألم من جديد بقلب جرحها النازف الغائر في صدرها، تنتظر وجبتها اليومية وهي تنسج في خضم موكب الهموم من نواحها وشاحا، ونشيج التعساء يتسلل خفية في عتمة الليل الذي أرق فيه القمر يرنو من العلياء نحو بؤساء الكون المسحوقين في تراخٍ ووجوم.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net