رزان بشارات في مقالها:
تتركب المفاهيم احيانًا في جوفنا وتخلق نوعا من التوتر الانساني والوطني والاجتماعي
الوطن هو التضامن مع كل ابناء شعبنا في كل اصقاع الارض والوطن ايضًا ان لا نَكِل من النضال والثورة لأجل الكرامة والحرية والعودة
دَخلتْ من المعبر وشَعرتْ بِغصة كبيرة جدًا، غَلغلت دُموعها وأكملت المسار... طَلب منها جواز السفر وأيضًا الهوية ولأول مرة تُدقق بحروف اللغة العبرية وامتلكتها غصة أثقل وأكملت... أكملت مسارها والتخبطات تُطارد هويتها المزركشة برواية تناقض ذلك التناغم بين القومية والوطن والتاريخ.
بعد الاستجوابات وإجراءات التفتيش دخلت... وحينها تذكرت انها كانت تطوف في مكان يبعد عشر خطوات فقط، ويفصلها حاجز ضخم كبير يذوّت مفاهيم مزيّفة لكلا الطرفين... كانت تطوف في بلد ذات قوميّة عربية عريقة مع جيل شبابي يتمتع بالنضرة الاخلاقية والمحبة والاحتواء ورغم توقعاتها التي كانت تروي رواية مختلفة الا انها وجدتُ نفسها وتعمقت مع هويتها وانغرس الانتماء أكثر جوفها حتى غدت تشعر بانها ما زالت تقطن في قريتها المُهجرة معلول وما زال جدها ينتظرها عند عودتها ليقص عليها حكايات الزَمن وتاريخ البلاد.
وصلت إلى أرضها المحتلة وإذ بعائلتها تنتظر الأخبار عن المؤتمر والعمل الذي قامت به في البلاد المجاورة، حينها لم تتكلم ازدادت الغصة مع الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي الذي اختبرته من زاوية مختلفة وكأن شيفرة زمنية احتلت عقلها وحذفت كل القمع والقهر والذل وخيبات الامل تلك من بعض ابناء شعبها المحتل والشعب العربي عامة.
وخطر ببالها الحواجز السياسية والروايات المؤلمة التي فصلت وفرقت الأحباء والاقارب والأصدقاء والنظرات التي ممكن ان تمحو كيانك الإنساني وتزرع منك "خائن" فقط لأنك في دولة احتلال وخصوصًا لما يدعى التطبيع وحينها ادركت ما معنى النضال الفلسطيني تحت الاحتلال.
تتركب المفاهيم احيانًا في جوفنا وتخلق نوعا من التوتر الانساني والوطني والاجتماعي، حيثُ تتداخل المفاهيم ذات الطابع السياسي وتترك أثراً يزعزع كيانك الوطني وعندها تدرك اللعبة وتتخبط نبضات قلبك، او لا تدركها وتغدو آلة تيسرها سياسات تميّز بين الوطن والارض والتراب والتاريخ..
صراعُ لا متناه بين الانتماء والمبادئ والقيّم التي تؤمن بها وبين الدول العربية ودولة الاحتلال..
صراع لا متناه بين الحقيقة والخداع، بين الوجع والالم والضمير الحي الانساني بين روايتي الطبيعية وزخرفتها إلى هوامش وبين نفسي والآخر.. الآخر الذي يدفعني إلى فئة الأغلبية العُظمى وإلى انفصالي عن الفلسطينيين باللقب المزيف "عرب ال ٤٨" وانفصاله الديني بكون المسلمون أكثر انتماء للقضية الفلسطينية.
حتى يبدو الانسان في صراعات لا متناهية مع نفسه والوطن ليدرك ان الوطن هو الشعور بالهوية الفلسطينية كلما لمح سياسات تميّز وتفرق بين الداخل والضفة والقطاع.
الوطن هو ذلك الحق في ممارسة روايتنا وتاريخنا وتراثنا علنًا دون خوف وترهيب ..
الوطن هو التضامن مع كل ابناء شعبنا في كل اصقاع الارض والوطن ايضًا ان لا نَكِل من النضال والثورة لأجل الكرامة والحرية والعودة..
والوَطن هو ذلك الشغف الراقص مع كل نبضة قلب صادقة وحنين إلى الماضي الذي نحيا فيه بطموح لا متناهية..
علينا ان نصحو لنذوّت مفاهيم الإنسانية والمساواة والعدالة لان ما في قلوبنا يستطيع ان يهدم اكبر واضخم حواجز العالم.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net