رزان بشارات في مقالها:
كثيرًا في طبيعتنا نحنُ البشر نحتاج الى العيش بأمان ورفاهية ومساواة وعدل ولكن سُرعان ما نصعد سلم الطبقية المُزخرف بأنماط وعادات وتقاليد تميّز ما بين الطبقات
دَخَلتْ بذلك القلب الصافي اللامع، ملابسها مُهمشة، ذات طابع تقليدي مُطرز غريب من نوعه، حافية القدمين شفتاها تناشد قطرات العين.. نظرت إلي وقالت: " ارجوكِ، اريد العودة الى البيت"
ولكن عزيزتي نحنُ في المشفى، علينا معرفة سبب تأزم حالتك الصحية وبعدها ..
ماذا بعد رزان ؟!
نعود الى المجأ ..
ولكنني اريد أمي ..
بَكت، حضنتها بقوة حتى ازالتْ المُمرضة الستار وطلبت منها الجلوس على كرسي العجلات وانتقلنا الى مصعد كهربائي مُحكم وانا بدوري طلبتُ منها شرب الماء رفضت بقوة حاولت اقناعها وايضًا رفضت حتى قلت لها: لأجل امك. ثُم ضحكت وشربت الماء.
جلستُ برفقتها ننتظر ذلك المنفذ، الأمل والحياة، الدعم والفهم والاحتواء وايضًا الأمان.
بعد برهة من الزمن يُفتح باب الغرفة المقابلة ويظهر شخص غريب الأطوار، عاقد الحاجبين مكتف اليدين يحمل على أكتافه كل عثرات المجتمع ويقول تبًا بطريقة غير مباشرة، تبًا للانسان، تبًا للمجتمع، تبًا للفتاة، وتبًا لعملي، ولكن فخرًا لي لأنني طبيب ..
لم يَقُل شيئًا، لحظة صمت ونظرات متعالية .. اشار الينا وفهمت انه جاء دورنا ..
سألته، تُفضل تواجدي في الغرفة ؟! ولكنه لم يُجب وكأنني لم اتكلم ابدًا او خيال او نسمة هواء عابرة .. اما هي فتوترت وقالت: "لا تخرجي ارجوك".
بدأ باستفزازها واكمل بصراخ متعالٍ وتذمر حتى تضخمت الأمور وهاتفَ العامل الإجتماعي ليلقي عليه المُهمة واثناء الحَديث ابدى تذمر حاد وقاسي تجاه البنت حتى شعرت الفتاة بالتهميش والاقصاء مِن الأمل الوحيد ومن اشخاص مثقفين لديهم الادراك الكافي للاحتضان والاحتواء ومعرفة حقيقية للامور، اضافت نظراته غصة في قلبها .. غصة النظام الصحي وانهى مكالمته مع العامل الإجتماعي بجملة: "انتَ لا تريد تحمل المسؤولية، فليكن" وقال لي بنفور: " الرجاء الخروج، انا غير مسؤول عن الفتاة" هُنا بدأتْ بالبكاء الشديد وقالت لي: اريد امي.
واكمل .. اكمل .. بنظراته المتعالية المزعجة ولم ينهي جملته بعد .. حتى قاطعته موبخة تلك الطبقية المهيمنة وذلك القناع الاانساني الرجعي الذي يغرس ارآءًا مسبقة ويحفر في دائرة الألم.
شكرًا ايها الطبيب، اضفت لي معلومة قيّمة عن اليوم!! واكملتُ بهمهمات تدل على الفتور المهني الذي تعرض له ذلك الطبيب .. وطلبت المسؤول لعله يتحلى بتلك الانسانية او يفهمها اصلًا ..
اما هي فاكملت بالبكاء ودمعاتها تذرف الواحدة تلو الأخرى كلحن متناغم نسماته هادئة ..
حتى نظرت الى وجهها بقوة وقلت لها: حقك!
حقك من الانتفاض والصراخ والثوران على الواقع وحقك بالشعور بالأمان، ثوري لانك قوية.
بعدَ ذلك قدمَ الطبيب سألها بعض الاسئة .. وبدأ جلسته قائلًا بصلابة .. يبدو ان لديك مشكلة مع الاطباء النفسيين... اجابت بصوت رخيم عالٍ.. هم يعانون مشكلة معي ولست انا المُذنبة ! بعدها .. وقع على المكتوب وخرجنا من المشفى ..
تتأرجح الكلمات وتخلق أنشودة غريبة الاطوار تحمل في طياتها مضامين ونهج حياة يفتقر لفحص الذات والنقد الذاتي والانسانية!
كثيرًا في طبيعتنا نحنُ البشر نحتاج الى العيش بأمان ورفاهية ومساواة وعدل ولكن سُرعان ما نصعد سلم الطبقية المُزخرف بأنماط وعادات وتقاليد تميّز ما بين الطبقات وتخط بأفكارها مبادئ واساسات صارمة ننسحب من ذلك الهدف المثالي السامي الذي نصبو اليه ويغدو الوضع اكثر سوءًا يخلو من المشاعر والافكار النقية وتسيطر عليه الآراء المُسبقة التي تشكل حاجز ضخم لمعرفة الحقيقة.
كل شخص آخر هو جزء منا، في كل مرة نغض النظر عنه لا نفهمه نقمعه ونتركه يخضع لرغباتنا نكون في حالة تهميش تامة لذلك الجزء المشابه من ذواتنا ربما جزء لا يتجزأ وربما جزءًا كبيرًا منا وبذلك نقمع ذلك الجزء داخلنا فنثور ونهمش الآخر ونرضى بالتمييز واللامساواة وهذا ما يخلق الطبقية بين الاشخاص.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net