المحامية كرستينا جورج قبطي في مقالها:
من خلال ممارسة مهنتي كمحامية لدى جميع الطوائف الدينية، استطعت ان المس معاناة المتقاضين في المحاكم الكنسية المسيحية ولا اتغاضى ايضا وبنفس المقدار عن معاناة القضاة والموظفين الذين يعملون في تلك المحاكم
لا ابالغ ابدا لو قلت أن الأزمة قد استفحلت واصبحت عبئا يستغيث بضميرنا الإنساني، ويحتم علينا من منطلق الواجب الاجتماعي أن نبحث عن حل عادل وتغيير جذري
للمحاكم الكنسية في اسرائيل الصلاحية المطلقة للنظر والبت في القضايا المتعلقة في مواضيع الزواج والطلاق للمواطنين الذين ينتمون للديانة المسيحية
الأزمة التي نحن بصددها والمتمثلة في الرسوم الباهظة التي تفرضها المحاكم الكنيسية على اختلاف طوائفها على المتقاضين والتي تشكل عبئا ثقيلا عليهم وقد تصل هذه الرسوم الى مبالغ طائلة تشكل عشرة اضعاف ما تفرضه المحاكم المدنية وباقي المحاكم الدينية في قضايا مماثلة تحديدا
لدى بعض الطوائف المسيحية تفاوتًا كبيرًا في الرسوم القضائية تتحدد بحسب مكان إقامة المتقاضين ومكان المحكمة وهذا على الرغم من ان الحديث يدور على نفس الطائفة الأمر الذي يمس بحق المساواة بين المواطنين المسيحين التابعين لنفس الطائفة المسيحية بسبب مكان إقامتهم
ومن اقسى الحالات التي مرت علي خلال مزاولتي لعملي أن بعض المتقاضين اضطر لتغيير مذهبه الديني لكي ينهوا قضاياهم ويضعوا حدا لهدر سنوات عمرهم ويتمكنوا من ممارسة حقهم في بناء حياة عائلية جديدة
الاستمرار بالتغاضي وعدم معالجة الأمر المطروح يستوجب تدخل محكمة العدل العليا للفصل في الامر
إن الدافع الاساسي وراء هذه السطور التي اخطها عزيزي القارئ هو تلك المشكلة المستفحلة التي صادفتني خلال مزاولة عملي كمحامية لشؤون العائلة في المحاكم الكنسية والتي تتمثل من ناحية في الرسوم الباهظة التي تفرضها المحاكم الكنيسة للبت في القضايا التي تقدم لها والتي تحول دون توجه البعض للمطالبة بحقوقهم، وفي المعاشات المتدنية التي يتقاضاها القضاة وعدم تفرغهم الكامل للعمل القضائي من ناحية أخرى، مما يؤدي بالتالي الى تراكم القضايا والاطالة في البت والحكم بها الامر الذي يتنافى مع أصول المحاكمة ويمس مسًا عميقا في صميم العدالة وبحق المواطنين المسيحيين في الحصول على إجراء قضائي عادل دون تحيز أو تأخير.
ولكي ندخل في صميم الموضوع فإنني ومن خلال ممارسة مهنتي كمحامية لدى جميع الطوائف الدينية، استطعت ان المس معاناة المتقاضين في المحاكم الكنسية المسيحية ولا اتغاضى ايضا وبنفس المقدار عن معاناة القضاة والموظفين الذين يعملون في تلك المحاكم، ولا ابالغ ابدا لو قلت أن الأزمة قد استفحلت واصبحت عبئا يستغيث بضميرنا الإنساني، ويحتم علينا من منطلق الواجب الاجتماعي أن نبحث عن حل عادل وتغيير جذري، وكلي امل أن يكون مقالي هذا هو بادرة خير لتحسين الوضع القائم عله يجد من يأخذه على محمل الجد من قبل الجهات المسؤولة ليبادر في صنع التغيير.
قبل الخوض في طرح الأزمة من الجدير أن نوضح بأن للمحاكم الكنسية في اسرائيل الصلاحية المطلقة للنظر والبت في القضايا المتعلقة في مواضيع الزواج والطلاق للمواطنين الذين ينتمون للديانة المسيحية وكما هو معروف فإن لكل طائفة مسيحية محاكمها الدينية الخاصة بها وقوانينها الخاصة.
الأزمة التي نحن بصددها والمتمثلة في الرسوم الباهظة التي تفرضها المحاكم الكنيسية على اختلاف طوائفها على المتقاضين والتي تشكل عبئا ثقيلا عليهم، وقد تصل هذه الرسوم الى مبالغ طائلة، تشكل عشرة اضعاف ما تفرضه المحاكم المدنية وباقي المحاكم الدينية في قضايا مماثلة تحديدا. وقد تبين لي ايضا من خلال مزاولة عملي أن لدى بعض الطوائف المسيحية تفاوتًا كبيرًا في الرسوم القضائية تتحدد بحسب مكان إقامة المتقاضين ومكان المحكمة وهذا على الرغم من ان الحديث يدور على نفس الطائفة، الأمر الذي يمس بحق المساواة بين المواطنين المسيحين التابعين لنفس الطائفة المسيحية بسبب مكان إقامتهم.
ومن الجدير ذكره ان لدى أغلب الطوائف المسيحية، لا يتم منح الإعفاء عن دفع الرسوم حتى ولو كان المتقاضي عسير الحال ممثل عن طريق محامي عين له مجانا من قبل دائرة المساعدة القانونية بموجب قانون المساعدة القانونية لعام 1972 بعد ان تم تفحص احقيته لتلقي هذه المساعدة والتحقق من عسر حاله وقلة امكانياته. في حين، وفي مثل تلك الظروف يمنح المتقاضي في المحاكم المدنية والمحاكم الدينية لدى باقي الطوائف الدينية إعفاء كاملًا من دفع رسوم التقاضي. وعادة ما يكون تمثيل المتقاضي بواسطة دائرة المساعدة القانونية هو مؤشر لسوء وضعه الاقتصادي والذي يمنحه بالتالي الإعفاء من دفع الرسوم، حسب ما نصت عليه أيضا أنظمة المحاكم (رسوم) لعام 2007. (תקנות בתי המשפט (אגרות), התשס"ז-2007).
أما الجانب الآخر والذي لا يقل أهمية عن الجانب الأول، يتجسد في ان القضاة والعاملين في المحاكم الكنسية يعانون من تدني أجورهم التي لا تتناسب مع جهودهم ولا تصل الى عشر الأجور التي يتقاضاها القضاة في باقي المحاكم الدينية والمدنية في اسرائيل. وانا اعلم من خلال مزاولة عملي كمحامية في هذا المجال بأن هذه الأجور بالإضافة لمصاريف دور المحاكم تمول بواسطة الرسوم التي تدفع للمحكمة من قبل المتقاضين وهذا لعدم وجود جهة رسمية تتكفل بدفع تلك الأجور والمصاريف. كما وأنه بالإضافة إلى عمل القضاة في المحكمة، ملقاة على عاتقهم مهام كثيرة لكونهم رجال دين منها الدينية والاجتماعية والاهتمام بشؤون الرعية، تلك المهام تتطلب منهم اوقاتا وجهودا كثيرة وتؤثر بدورها على القيام بواجبهم وتفرغهم التام للنظر في القضايا التي توضع على طاولتهم والتسريع في اصدار القرارات فيها. وهذا يولد لدى المتقاضين الشعور بالإحباط النفسي العميق بسبب المماطلة في قضاياهم مما يمس في حقهم بأن تجرى لهم محاكمة بحسب الأصول القانونية ويفقدهم الثقة بالقضاء الكنسي ورجال الدين ويبعدهم عن الكنيسة.
ومن اقسى الحالات التي مرت علي خلال مزاولتي لعملي ان بعض المتقاضين اضطر لتغيير مذهبه الديني لكي ينهوا قضاياهم ويضعوا حدا لهدر سنوات عمرهم ويتمكنوا من ممارسة حقهم في بناء حياة عائلية جديدة! وبهذا يكون قد مس حقهم في حرية الدين والمعتقد الذي ينص عليه ويحميه القانون ويشكل خرقا لتعاليم السيد المسيح عليه السلام وما جاء في الكتاب المقدس.
أبعاد الأزمة وانعكاساتها
إن وصد ابواب بعض المحاكم الكنسية أمام المتقاضين بسبب عدم إمكانيتهم الاقتصادية من تمويل رسوم التقاضي في المحكمة يشكل مسا فادحا في سيادة القانون، فمن دون قضاء يفقد القانون هيمنته وسيادته. حيث ان اتاحة إمكانية التوجه للمحافل القضائية هي حجر الأساس وصمام الأمان الذي يرتكز عليها كل نظام ديمقراطي.
وورد في بعض من تصريحات محكمة العدل العليا بهذا الخصوص أن حق التوجه للمحافل القضائية هو حق اساسي لكل مواطن يجب الحفاظ عليه وحمايته دون وضع العراقيل، خاصة المادية, امام من يرغب بالتوجه لمحافل القضاء لتقديم دعوى قضائية، إذ أن حق المواطن بالتوجه لكافة محافل القضاء يفوق ويتغلب على اي حق قانوني آخر وهو ينبع من قانون اساس "كرامة الإنسان وحريته" الذي هو بمثابة دستور وينبع أيضًا من اسس النظام الديمقراطي والقيم الإجتماعية.
من هنا نرى بأن توجه المحاكم الكنسية بهذا الشأن وفرض رسوم قضائية باهظة على المتقاضين و"تسخير" القضاة والعاملين في دور المحاكم يتناقض مع اسس النظام الديمقراطي ويشكل خرقا لحقوق الإنسان الاساسية كالحرية والمساواة والتوجه للقضاء دون عراقيل والحصول على إجراء قضائي عادل دون تحيز او تأخير، خاصة وان المحاكم الكنسية هي صاحبة الصلاحية المطلقة للبت في قضايا الزواج والطلاق لدى المواطنين المسيحيين.
الحلول المقترحة
بالتالي يبقى علينا أن نجد حلا عادلا لهذه الأزمة ولكي نجد هذا الحل علينا ان نبحث بعمق عن المسببات الرئيسية لها. واذا نظرنا الى هذا الأمر بعمق نجد انها تنبع من عدم كون المحاكم الكنسية، خلافا عن كافة المحاكم الدينية الاخرى، تابعة لوزارة القضاء في اسرائيل بسبب رفض الرئاسة الروحية لذلك بادعاء المحافظة على استقلالية القضاء الكنسي وعدم تدخل الدولة في شؤونها الداخلية الذي يتمثل في تعيين القضاة ومراقبة ادائهم والتدخل في ادارة الأوقاف التابعة للكنيسة. وهذا الأمر بدوره يحرمها من كافة الميزانيات التي توفرها الوزارة للمحاكم المدنية وباقي المحاكم الدينية من دفع اجور القضاه والموظفين والمساهمة في تمويل دورات الاستكمال للقضاة لتطوير قدراتهم القضائية وزيادة المامهم القانوني.
ان استمرار الواقع الحالي يترك مضاعفات سيئة للغاية قد تؤدي إلى التحيز لمن يملك النفوذ والمال ويؤخر بعض القضايا الأمر الذي يمس بالعدالة اولا وبتعاليم الكنيسة والسيد المسيح ثانيا، هذه التعاليم التي تنادي بالعدالة والإنسانية ومساعدة المحتاجين. وتؤدي الى ابتعاد الكثيرين عن الكنيسة وفقدان ثقتهم برجال الدين وبمؤسسة القضاء الكنسي.
إن الاستمرار بالتغاضي وعدم معالجة الأمر المطروح يستوجب تدخل محكمة العدل العليا للفصل في الامر. لذلك ولأهمية هذا الموضوع وانعكاساته على حقوق المواطنين المسيحيين في البلاد ومن منطلق الواجب الذي يفرض تحقيق العدالة الاجتماعية في ظل النظام الديمقراطي في الدولة، أزف الوقت لتقوم الرئاسة الروحية بإعادة حساباتها واتخاذ القرار اما الانضمام لوزارة العدل او رصد الميزانيات الكافية كبديل حقيقي للوضع الحالي لكي تخلص أبناء رعيتها من هذه المعاناة المريرة وللحفاظ على حق كل مواطن مسيحي وبغض النظر عن وضعه الاجتماعي والمادي التوجه للمحكمة الكنسية للتقاضي والمطالبة بحقوقه المشروعة من دون مماطلة او تأخير او تحيز.
فلا يعقل أن يعاني المواطنون المسيحيون في اسرائيل الذين يدفعون ضرائب مثلهم مثل باقي المواطنين الذين ينتمون لطوائف دينية أخرى من إجحاف في حقهم في إدارة اجراء قضائي عادل دون تأخير أو مماطلة أو تحيز ومن عدم مساواة جامح بقيمة الرسوم القضائية التي تفرض عليهم للتقاضي في محاكمهم الدينية كباقي المواطنين الذين ينتمون الى طوائف دينية اخرى او عدم مساواة بين ابناء نفس الطائفة المسيحية بسبب اختلاف مكان اقامتهم كما ذكرت اعلاه وكل هذا بسبب رفض الرئاسة الروحية الانضمام الى وزارة العدل أو طرح بديل آخر من قبلها.
كلي امل بأن يكون مقالي هذا الصرخة الأولى التي ستؤدي الى التغيير الذي نرنو اليه جميعا وبهذا نكون قد قدمنا عملا انسانيا نبيلا من الدرجة الأولى.
شفاعمرو-حيفا
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net