الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 09:02

قتل النساء في آذار/ بقلم: العاملة الإجتماعية سماح سلايمة اغبارية

كل العرب
نُشر: 07/03/15 14:38,  حُتلن: 10:39

سماح سلايمة اغبارية في مقالها:

العنف في دواخلنا وليس في شوارعنا وإن لم ندرك هذا بعد ستبقى حالنا على ما هي من سيّء لأسوأ

نحن نحافظ على موازين مجتمع مختل أخلاقيًا تبقى فيه المرأة كيانًا ضعيفًا يتملكها رجل مختلف في مراحل عمرها المختلفة

في داخل البيوت والساحات النظيفة يعلو صوت أمرأة تستغيث من الجلد وفتاة تحبس نفسها في الحمام خوفًا من الاعتداء فلا يسمعها أحد ولا يغيثها أحد

في آذار الماضي قتلت ليليان مسعود، وبعدها الفتاه فاطمة الهيب وريم مسلمي وكلثوم اغبارية وبيسان ابو غانم، وها هو آذار آخر حل علينا مع يوم المرأة وعيد الأم ومجتمعنا يحتفل بنسوته مرّة واحدة كل عام ويقتلهن طوال العام، أمس قتلت امرأة حامل وحرقت جثتها. لتذكرنا جميعا آذار المرأة هنا.

فأي مجتمع يقتل نساءه وييتم أطفاله يأمل أن تقوم له قائمة؟ يتحدثون عن الأمل وبناء مجتمع وإرادة شعب وكلمات رنانة تلوح بالأفق في أجواء الانتخابات القادمة، فتأتي جريمة واحدة، جريمة قتل وحرق امرأة تطيح بكل نساء هذا المجتمع أرضًا، لتذكرنا نحن معشر النساء بأننا نحن الرجال نسيطر، نضرب، نعنف، نحن الأقوى وانتن الأضعف جسديا واجتماعيا ونفسيا ولنا الغلبة تدوم، هذه هي لغة المجرمين فينا، لغة القوة والعنف والدم.

في كل مرافق حياتنا يعلو صوت الصراخ على الحوار، التخلف على التحضر، التخاصم على التفاهم، ويتعلم أبناؤنا وبناتنا منا، من صالون كل بيت يدرب ويصدَر للعالم طفلا عنيفا، يتغذى ويعزز معادلة القوة بين الجنسين هناك بالمدرسة التي تزين أروقتها لافتات " لا للعنف"، "مدرستي أجمل بلا عنف "، "الاحترام وتسامح شعارنا". وفي زوايا المدرسة المستورة يبرح الفتيان بعضهم ضربا، في مكان لا تصله عدسات الكاميرا تتحول الساحة لحلبة مصارعه، هناك نتوج الحائز على لقب ابو الشباب وهناك نعلم من هو المستضعف الذي تلصق به صفات "ألبنوته".

ويقف المعلمون والمعلمات عاجزين صامتين ومدركين أن لا حول لهم ولا قوة، يصرخوا ويفصلوا يؤنبوا ويوعظوا، بعد تلك الحادثة وغيرها عليهم ان يهدؤوا في غرفة المعلمين حيث ينتظرهم فنجان قهوة عربيه أصيله من يد زميلتهم المعلمة الأم والتي تحضر عادة معجنات صنعتها يداها العاملتين هناك في بيتها بعد الدوام وبعد ان قامت تلك المعلمة الفاضلة "بواجباتها" المنزلية والوالدية طبعا، وجهزت نفسها ليوم آخر من التدريس وبناء جيل المستقبل في المدرسة. فهذه هي المساواة وتقسيم الأدوار في حياة المرأة العاملة.

فأين يتعلم أطفالنا معنى العدل وحرية التعبير والاختيارالحر؟ أين تختفي الأحلام من مخيلة طفلة تريد أن تصبح عالمة أو حاكمة؟ في أيّة مرحلة من عمرها تصل الى القناعة أنها لا تستطيع أن تحصل على الحب والعلم والمكانة الاجتماعية في آن واحد؟ وعليها أن تتنازل لتعيش بأمان.
أين تجري عملية استئصال الطموح من أدمغة الفتيات لنزرع مكانها طفلا في رحم فتاة لم تصل العشرين بعد؟ وأقنعناها أنّ هذه أهم وأعظم وظائف المرأة وأنّ عليها أن تلتصق بظل رجل في أسرع وقت؟.

أرى أنّ منظومة المدرسة تخدم مصنع الزواج المبكر وتوأد تحت سريره الإيمان عند نسائنا الصغيرات أنّ كل الحياة ملعبهن وليس فقط جدران بيت وسرير معشر.

شئنا أم أبينا عن قصد أو سهوًا، نحن نحافظ على موازين مجتمع مختل أخلاقيًا، تبقى فيه المرأة كيانًا ضعيفًا يتملكها رجل مختلف في مراحل عمرها المختلفة، تارة أب أو أخ جد وعم ويأتي الزوج ليستلم صولجان الحكم بين ليلة وضحاها. ونسأل كل شهرين تقريبًا لماذا تقتل امرأة، لماذا تضرب النساء؟ وماذا فعلن ليكون هذا مصيرهن؟

خارج أسوار المدرسة تنفق الأموال على مشروع "مدينه بلا عنف "، ويحتفلون برفع شعارات ونشاطات "ًضد العنف". وقص الشريط هنا ورقصة السلام هناك. وفي داخل البيوت والساحات النظيفة يعلو صوت أمرأة تستغيث من الجلد، وفتاة تحبس نفسها في الحمام خوفًا من الاعتداء فلا يسمعها أحد ولا يغيثها أحد. إنّ العنف في دواخلنا وليس في شوارعنا وإن لم ندرك هذا بعد ستبقى حالنا على ما هي من سيّء لأسوأ.

كإمرأة في هذا المجتمع أقولها وبأعلى صوت، وأنا لست وحدي نحن الآلاف المؤلفة من النساء أكثر من نصف مليون امرأة نحن هنا، لن نركع ولن نستسلم ولن تكسرنا جريمة ولا عنف، سنواصل النضال وليس ضد الاحتلال فحسب، ضد احتلال عقولنا وأجسادنا. حياتنا وأرواحنا.

واختم بشعر نازك الملائكة المنتفضة في وادي العبيد
لا أُريدُ العيشَ في وادي العبيـدِ بين أَمواتٍ ... وإِن لم يُدْفَنـوا
جُثَثٌ ترسَفُ في أسْرِ القُيــودِ وتماثيلُ اجتـوتْها الأَعيُـــنُ
آدميّونَ ولكـنْ كالقُــرودِ وضِبَاعٌ شَرْســةٌ لا تُؤمَــنُ

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.