يظنّ كثيرون بأن الزهد الذي حثّ عليه الإسلام، هو ترك الدنيا والتخلي عن المال، والعيش عيشة فقر وحرمان ومسكنة. وهذا فهم مغلوط عن الزهد، إنما الزهد هو ملك شيء يُزهد فيه، بأن يكون في يد مالكه لا في قلبه.
وكذلك فإن الزهد الذي دعا إليه الإسلام هو الزهد في المحرمات والمكروهات والشبهات، والزهد بما في أيدي الناس، حفظا للمؤمن من الأخلاق السيئة، وتحلية له بكل خُلُق حسن.
وليس الزاهد الحقيقي الذي يقعد عن طلب المال وتحصيله، ولا يخفى على أحد أهمية المال، وأثره في خدمة المجتمع، وهو كذلك للمجتمع المسلم من مصادر القوة التي أمرنا الإسلام بإعداد ما استطعنا منها.
وقال سعيد بن المسيّب: "لا خير فيمن لا يحبّ المال؛ يعبد به ربه، ويؤدي به أمانته، ويصون به نفسه، ويستغني به عن الخلق".
ولذلك رُوي عن الرسول (صلى الله عليه وسلم): "ليست الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال، وإضاعة المال، لكن الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك".
ويقول العزّ بن عبد السلام: "ليس الغنى بمناف للزهد.. والزهد في الشيء خلوّ القلب من التعلق به، ولا يُشترط خلوّ اليد منه، ولا انقطاع الملك عنه، فإن سيد المرسلين، وقدوة الزاهدين، مات عن فَدَكَ والعوالي ونصف وادي القرى وسهامه من خيبر، ومَلَكَ سليمان الأرض كلها، وكان شُغلهما بالله مانعا لهما من التعلق بكل ما ملكا".
ويُخاطب محمد إقبال المتزهِّدين الَّذين يدَّعون تَرْك الدُّنيا، قائلاً لهم: "إنَّ تَرْكَها هو تَسخيرُها، وليس تَدْميرها، الدُّنيا هي صيد المؤمن، فهل يمكن أن يُقال للصَّقر البازي: اتْرُك صيدك؟!".
فحقيقة الزهد أن لا تستخف بالمال، بل أن تجعله مطية إلى الآخرة، وخادما لها، ووسيلة لإعمار الدنيا والدين.
جملة القول: أن لا تعارض بين تحصيل المال وطلبه، وبين الزهد الذي جاء به الإسلام، إذ أن الإسلام يذُمّ ويحتقر المال في حال كونه الغاية التي لا غاية بعدها، والهدف الذي من أجله يضحي بكلّ شيء من القيم والأخلاق، أما إذا كان المال وسيلة وقنطرة إلى مثوبة الله تعالى ومطية إلى الآخرة، يسخّره صاحبه لأجل إعلاء كلمة الله، ويستعمله ضمن الضوابط والحدود الشرعية، فإنه بهذا لا يكون مذموما بحال، إنما يحتفي به الإسلام، ويحثّ على طلبه، والسعي لتحصيله.
أثر الأفهام الخاطئة للزهد في تخلف الأمة
إن انتشار المفاهيم المغلوطة حول الزهد من الأسباب التي أدت إلى تخلُّف المسلمين، وانهزامهم في ميدان الحياة، ومعركة التقدم، قال الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله): "وقد بُلي المسلمون بمن جهّلهم في الحياة باسم الزهد فيها، ومن صرفهم عن العمل لها بزعم أن ذلك صارف عن عمل الآخرة. ونسي الغافلون الذين بلوا أمتنا بهذه المحنة أن أخصر الطرق لخسارة الآخرة، وضياع الحقيقة، وسيطرة الضلال، وانتشار الإثم، هو هذا التجهيل والتعطيل".
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net