محمد كناعنة في مقاله:
تَمتَلِئ صَفَحات التواصُل الإجتماعي بالعبارات والتَصريحات من الصبايا والشباب العَرب مسؤولين وأصحاب شَأن عبارات حولَ حالنا السيء والأسوَأ منهُ مشاهِد الذَبح من الوريد للوريد الحَرق والقتل والخراب والدَمار
من أينَ نبدَأ؟ من هُنا من مُجتمعنا الصَغير الذي نحترق بنارِ تَخَبُطاتهِ قبلَ الذهابِ إلى "داعش" سوريا والعراق وهي المُستَورَدة وفخر الصناعة الغَربية - العَرَبية
هل يُساعد على بناء المجتمع الصالح العصامي الهجوم بخطاب الجمعة على أطفال الباليه مثلًا؟ وهل يُفيد مشروعنا في محاربَة العُنف في مجتمعنا إطلاق النار على حوانيت بيع المشروبات الروحية مثَلًا؟
داعِش تستَوطن في باطن كُلٍ مِنا داعِشيٌ صَغير نُخفيهِ بكلماتنا المُنَمَّقة وعندَ الضَرورة نُخرجهُ للنور سِرًا أو عَلنًا ولا أقصِد بكلامي هذا تيار عن غيرهِ فالعَلماني والمُتدين والماركسي والليبرالي والقَومي والإسلامي والوطني كُلٌ يُربي داعشيٌ في عقلهِ وفي بيتهِ
لا يُمكِنُنا إدارة الظَهر لأزمات مُجتَمعنا، فالحالة الداعشية على مُختلف مشاربها تتفاقَم يَومًا بعدَ يَوم وإن لَم نُطلق العَنان لِمبادرة تجمعنا حول المُشتَرك الكبير تفاديًا لِنار نحنُ نُشعلها بأيدينا من حيثُ ندري أو لا نَدري، حينها حتمًا سنحترقُ جميعًا
"لَو رَأيتَ الجميع ضدكَ والألوان غَير لَونكَ والكُل يَمشي عَكسكَ لا تَتَرَدَّد إمشي وراءَ قلبِكَ وتمسّك بمبادِئكَ ولا تَأبَه لَهُم حتى وإن أصبَحتَ وحيدًا لا تَتَردَّد فالوحدَة أفضَل من أن تَعيشَ عكسَ نفسكَ لإرضاءِ غَيرِك".
جبران خليل جبران
تَمتَلِئ صَفَحات التواصُل الإجتماعي، بالعبارات والتَصريحات من الصبايا والشباب العَرب، مسؤولين وأصحاب شَأن، عبارات حولَ حالنا السيء، والأسوَأ منهُ مشاهِد الذَبح من الوريد للوريد، الحَرق والقتل والخراب والدَمار، مشاهِد يندى لها الجبين وتقشَعِرُّ لها الأبدان، ننشُرها ونلعن فاعلُها، أو نُدافعُ عنهُم، ونبحَث لَهُم عن مُبَرِّر لفعلتهم الشَنعاء، وإن حاولنا البَحث عن المسؤول فَحتمًا سنختلف، أهيَ رأس الحية أمريكا؟ أم الإحتلال؟ ام القَمع الفكري والسياسي والإجتماعي؟ أهو غياب الديمقراطية وانعدام الحُريات الفردية والجَمعية؟ أم غياب الحوار من عالَمنا الخاص المُعَبّق بالذكورية والتَسَلُط؟ قَد يكون خليطٌ من كل هذا سِرُ الإجابة، قَد يكون ذلك صَحيحًا، كُلٌ مِنا سَيجِدُ لهُ مَشجَب يُعلِق عليهِ أزماتهِ أو إدعاءاتهِ، وماذا عنا نحنُ؟ هل نجرؤ على السؤال هذا بإجابَة؟
هو سؤال كبير، إذًا من أينَ نبدَأ؟ من هُنا، من مُجتمعنا الصَغير الذي نحترق بنارِ تَخَبُطاتهِ، قبلَ الذهابِ إلى "داعش" سوريا والعراق، وهي المُستَورَدة، وفخر الصناعة الغَربية - العَرَبية، وبَعيدًا عن الحَديث عن دَور فضائيات العُهر والنفاق من جزيرة قَطَر التي تُسمي داعش بالدَولة الإسلامية لِتُضفي عليها شرعية خدمة لأجندة قَطَر العَميلة، وفضائيات نشر "الدعوة" ومكافحة الرذيلة، ذات المالك وذات رأس المال الذي يُموّل الرذيلة الحقيقية وثقافة الهبوط والسُقوط، مع إحترامنا وتقديرنا لكل ما هو راقٍ من فن وبرامج دَعوية تَخدم الدين والمُجتمع بحَق.
إذًا لِنبدأ من هُنا: هل يُساعد على بناء المجتمع الصالح العصامي الهجوم بخطاب الجمعة على أطفال الباليه مثلًا؟ وهل يُفيد مشروعنا في محاربَة العُنف في مجتمعنا إطلاق النار على حوانيت بيع المشروبات الروحية مثَلًا؟ وهل البيان تلو البيان بأنَّ الاحتفال بعيد الحُب كُفرٌ وحرام واعتبارها أعياد وَثنية قد يُطفئ جَمرَة الحُب؟ أم محاربتنا ليوم المرأة وعيد الأم؟ أينَ نحنُ من هذا الانحدار في تناول أمور الدُنيا والحياة، أينَ السَماحة والتسامُح والمحبة التي نتحدَّث عنها ليلَ نهار في مجالسنا أو محاججاتنا العَلنية؟ ونأتي في غفلةٍ، ونعلن عن المسؤول: إنَّهُ الاحتلال، إنَّهُ الحُكم الدكتاتوري، هو غياب الديمقراطية، وحتى لا يَقَع أحَد في سوءِ الفِهمِ عن قَصد أو بغيره، أرفُض الدكتاتورية بكل أشكالها والقَمع هو عائق كبير أمام مجتمعنا وغياب الديموقراطية والحريات الفردية والجَماعية من أكبَر أزمات هذا المُجتمَع، والاحتلال فاسِد ومُفسِد وداعِم لهذه الحالة إمَّا مباشرة أو بالتغاضي، فالتَفَكُك المُجتمعي يخدم أولًا وأخيرًا هذه الموبقة المُسماة احتلال، ولكن أينَ نحنُ من كل هذا، أينَ نحنُ من داعش عقولنا الضيّقة والباحثة دائِمًا عن "عَدو" سَهل لِمُحاربَتهِ..
إذا كانَت الرسومات المُسيئة للرسول العربي الكريم جاءَت بهَدف تأليب العالم "المُتَحَضّر" ضدَّ المُسلمين "المُتخَلّفين" وخدمَةً للمشروع الإمبريالي في بقاء الصراع الديني مُستعر واستدامَتهِ، فَلماذا تُحرَق الكنائس وتُستباح حرمة الآخر، وإذا كانَ القَول بأنَّ كنيسة القيامَة "قمامة" يخدم ذات الهَدف، ورغمَ اعتذار صاحب القَول عن خطأه، لماذا يجب الإساءة للإسلام والمُسلمين، والأنكى هي تصريحات دوف حنين حول السَماح بتوزيع المجلة الفرنسية صاحبة الرسومات المُسيئة، في البلاد من باب حرية التعبير، وجيد كانَ تسوية الأمر بالطريقة التي سوّيت بها، ولو أنَّنا لَسنا في فترة إنتخابات لبقيت الحرب مُستعرة إلى يوم الدين، وما أدراكَ ما يوم الإنتخابات، والأنكى أن تخرج علينا بيانات وقرارات لِمنع تعليق صور دوف حنين في أم الفحم بسبب أقوالهِ التي اعتذر عنها وقالَ بأنَّها أخرجت من سياقها، يا تُرى كيفَ ينتشر الفيديو المسيء لأقدس الكنائس عندَ المسيحيين كالنار في الهشيم، وتصريح دوف حنين كانَ في رأس سلم أولوياتنا، لَم نستعر لوجود ليبرمان في ترشيحا، لم ننتفض لهدم حياة عائلة في اللد، نسينا أو تناسينا جبرائيل نداف ومحاولته تجنيد المسيحيين في جيش الإحتلال، إغلاق الأقصى لأسبوع مرَّ مرور الكرام، هل نسينا بأنَّنا شَعبٌ واحد، هل عادَ اللاجئين والمُهجَّرين، هل نسينا بأنَّ الأقصى والقيامة يُزَنّرهُما أسلاك الإحتلال دخولاً وخروجًا، هل نسيتم كنيسة البصة والبروة ومعلول وطبريا وصفد وعكا، هل نسيتم مسجد أم الفرج وبيسان وعسقلان وميعار واللجون، ألا تُشاهدون ليبرمان وهرتسوغ وبينيت وليفني ونتياهو وعكاكيزهم يسرحون ويمرحون في قرانا ومُدننا العربية حتى تقف عقيدتكم عند صور دوف حنين أو عندَ القديس فالنتاين.
داعِش تستَوطن في باطن كُلٍ مِنا، داعِشيٌ صَغير، نُخفيهِ بكلماتنا المُنَمَّقة وعندَ الضَرورة نُخرجهُ للنور سِرًا أو عَلنًا، ولا أقصِد بكلامي هذا تيار عن غيرهِ، فالعَلماني والمُتدين والماركسي والليبرالي والقَومي والإسلامي والوطني، كُلٌ يُربي داعشيٌ في عقلهِ وفي بيتهِ، فالتكفير كما التَخوين كما الطَعن بالشَرف كما إطلاق الإشاعات على عواهِنها، تَصَرُفات تُناقض العَقل والمَنطق، هذه الغابة التي نبنيها بأيدينا اليَوم سوفَ تقتلنا وَبأيدينا غدًا، في البيت نقمع وفي المَدرسة صرح التربية والتعليم ربّ القمع يترعرعُ هُناك، في الشارع نهرب من القادم، أما في أحزابنا فَحَدّث ولا حَرج، الديمقراطية سَوّاحه فَوّاحَه، وما أسهل الضغط على الزناد.
لا يُمكِنُنا إدارة الظَهر لأزمات مُجتَمعنا، فالحالة الداعشية على مُختلف مشاربها تتفاقَم يَومًا بعدَ يَوم، وإن لَم نُطلق العَنان لِمبادرة تجمعنا حول المُشتَرك الكبير تفاديًا لِنار نحنُ نُشعلها بأيدينا من حيثُ ندري أو لا نَدري، حينها حتمًا سنحترقُ جميعًا.
تَذَكَّروا جَيدًا: كل من هوَ ليسَ معي فَهوَ خائِن!
*محمد كناعنة أبو أسعد- عضو الأمانة العامة لحركة أبناء البلد
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net