بلال شلاعطة في مقاله:
التوجه بحد ذاته إلى المحاكم يجهد المرشحين من جهة ومن جهة أخرى يؤدي الى عملية صرف لأجرة التمثيل القضائي بحد ذاتها
في الحالة الثانية إذا تم الاختيار بشكل مهني من خلاله يقوم المسؤول بإعطاء صلاحيات للجنة مهنية عندها سينعكس هذا بشكل ايجابي على جميع المواطنين
الوصول إلى المحاكم هين ففي كل سلطة محلية تقف أمام المرشحين الذين لا يفوزون بالمناقصة التوجه للقضاء هذا في حالة إيمانهم القاطع بأحقيتهم في وظيفة هنا أو هناك
يبقى موضوع المناقصات في المؤسسات العامة موضوعاً هاماً ومن الدرجة القصوى لأنه وبالتالي يتكون من اعتبارات وقواعد هي في جوهرها التي تؤهل أشخاصاً في مسيرتهم الحياتية وبالتالي هؤلاء يؤثرون في المساحة الحياتية لنا جميعاً. طرأ تطور على قضية المناقصات في القطاع العام في المجتمع العربي ولكن يبدو أن هنالك تساؤلات التي يجب أن تطرح: كيف تتم عملية الاختيار؟ وهل هي حقيقة مهنية؟ وما هي الاعتبارات السياسية لذلك؟. لا شك ان هذا الموضوع تطور وبشكل متسارع في العقد الأخير ولا شك أيضاً ان للاعتبارات العائلية وزنا معيناً في طريقة الاختيار. الوصول إلى المحاكم هين ففي كل سلطة محلية تقف أمام المرشحين الذين لا يفوزون بالمناقصة التوجه للقضاء هذا في حالة إيمانهم القاطع بأحقيتهم في وظيفة هنا أو هناك، ففي كل سلطة محلية نجد ان هنالك عشرات طلبات الاستئناف التي تم التوجه من خلالها إلى القضاء وفي معظمها فاز المتوجه للقضاء. الأمر لا يقف عند الحد الفوز في القرار القضائي بل ان عملية الفوز ذاتها تصبح خبراً إعلامياً من الطراز الأول، مما يؤثر على هيكل المؤسسة العامة بشكل عام ويؤثر ايضا على طريقة وصياغة القرارات. في الماضي وهذا معروف عملية الاختيار كانت سهلة وهينة ولم تعتمد على المعايير المهنية وإنما على المعايير الاعتبارية والتي تتشكل من اعتبارات سياسية وعائلية هي بحد ذاتها ادت الى تعيين مديرين وأصحاب المناصب في مكانهم واثر هذا الأمر على عمل المؤسسة.
عمليات التصنيف والتقييم التي اتبعت في الماضي تختلف عن اليوم فاليوم نجد التصنيف المسبق ولكن يبقى هنالك وزن لرئيس المؤسسة في تعيين وفي اختيار المرشحين وحتى التأثير على اعضاء لجنة المناقصات ولو بشكل غير إرادي بطبيعة كونه رئيساً لمؤسسة مما يلزم أعضاء اللجنة عدم الخروج ضد التيار حتى لو كان هذا الاختيار غير مهني. معروف في علم الإدارة العامة ان هنالك مقياس حاد للدور القيادي وللسيرة الذاتية للمرشحين لأنها المعيار الوحيد الذي من خلاله يمكن أن نكتشف نجاح هذا المرشح و ذاك في الوظيفة المستقبلية. من الجانب الآخر تبقى عملية المناقصات صيرورة سياسية لأنها بالتالي تؤثر على قطاع واسع من المواطنين عند اختيار المرشح للوظيفة أو في حلة عدم اختياره وهنا يقع صدام ما بين المؤهلات والاعتبارات. نجد انه في معظم الأحيان تطغى قضية الاعتبارات على المؤهلات. مبنى المجتمع العربي العائلي والحمائلي يساعد في قضية ترسيخ مفهوم الاعتبارات أمام المؤهلات لان الاعتبارات السياسية لها دورها في هذا السياق. اليوم وكما هو معروف هنالك علاقة وثيقة ما بين السيرة الذاتية المهنية الناجحة ومدى استيعاب الثقافة التنظيمية والعمل الطاقمي، وهذا هو المفهوم الغربي لقضية ادارة الطواقم العاملة في المؤسسات العامة، هذا الصراع ما بين المؤهلات والاعتبارات يأخذ أحياناً شكلاً من أشكال المعارك بين المرشحين حتى يتحول جوهر الوظيفة اللى هامش وهامش التوتر بين المرشحين إلى مركز مما يؤدي بالتالي إلى الوصول الى أروقة المحاكم والقضاء.
التوجه بحد ذاته إلى المحاكم يجهد المرشحين من جهة ومن جهة أخرى يؤدي الى عملية صرف لأجرة التمثيل القضائي بحد ذاتها. حتى الآن تفتقد المؤسسات العامة في المجتمع العربي للجان مهنية تقوم باختيار الملائمين للوظيفة أو المنصب حتى لو كانت بغطاء مهني إلا أن الاعتبارات السياسية تبقى هي المعيار الجوهري في هذه المرحلة، وهنا يختلف مجتمعنا العربي عن المجتمعات الغربية في قضية الاعتبار المهني اللازم لاختيار المرشحين مع الأخذ طبعاً بعين الاعتبار أن هنالك وظائف تحتاج للثقة وهي وظائف الثقة وهي التي تحمل الطابع السياسي وهي صلاحية من حق الرئيس أو المسؤول لتندرج في المساحة السياسية إلا ان هنالك وظائف تحمل مسؤولية مجتمعية تجاه الأجيال المستقبلية وهي التي أشدد عليها في هذا المقال. في حالة تبني المؤسسة العامة في القطاع العام مفهوم الاختيار المهني ستحافظ بذلك على ثقافة تنظيمية مستقرة وثابتة بدورها ستقوي محور المصداقية بين المرشحين والمؤسسة من جهة والمواطنين والمؤسسة من جهة أخرى لان الاعتبار المهني يبقى قاعدة هامة في مجال الإدارة العامة ويؤثر أيضاً على طبيعة العمل في داخل التنظيم ذاته. إذا كان الاختيار اعتبارياً عندها العمل الطاقمي سيكون اعتبارياً والعلاقة مع المواطنين ستكون اعتبارية في إعطاء خدمة لمواطن دون الآخر لان عملية اختيار المسؤول كانت اعتبارية.
في الحالة الثانية إذا تم الاختيار بشكل مهني من خلاله يقوم المسؤول بإعطاء صلاحيات للجنة مهنية عندها سينعكس هذا بشكل ايجابي على جميع المواطنين. من هذا الباب أيضاً طرأ تحول على مفهوم الإدارة في داخل المؤسسات العامة وذلك لطبيعة خلق صدام ما بين الجيل الجديد والجيل القديم لان عملية التأقلم التنظيمي تتأثر مما تستوعبه المؤسسة زمنياً فكم بالحري إذا تحدثنا عن مواصفات قيادية يجب أن يتحلى بها المسؤول للوصول بالتنظيم إلى بر الأمان. من هذا المدخل على المؤسسات العامة أن تغير في طبيعة تعاملها مع قضية المناقصات لإيجاد اتزان في اختيار المرشحين مهنياً وليس سياسياً لأن الانعكاس السلبي سيقف أمام المسؤول ذاته مستقبلاً كقوة انتخابية، بمعنى يمكن لمسؤول معين ان يختار مرشحا معيناً لا يمتلك المواصفات الإدارية لإرضاء قطاع معينن ولكن إذا كان المردود الإداري فاشلا عندها سيفقد أضعافا من القوة الانتخابية وهي ما تعرف بالمردود التنظيمي السياسي والذي يتفاعل في كل مؤسسة. على المعيار المهني أن يكون بوصلة كل مسؤول لأنه بالتالي المعيار الأنسب لمستقبل أفضل في قضية الأداء المهني والذي يؤدي إلى مردود ايجابي نحو المنتج المؤسساتي في المفهوم الواسع للثقافات التنظيمية. من هنا يجب تقوية وتدعيم عمل اللجان المهنية في طريقة اختيار المرشحين مع الاخذ بعين الاعتبار أن الاختيار المهني هو الذي يؤدي بالتالي إلى كسب ثقة المواطنين لان إدارة المؤسسات هي أمانه في يد المسؤول فكم بالحري اذا بدأت قضية منح الأمانة منذ لحظة نشر المناقصة وحتى اختيار المرشح للوظيفة او المنصب. هذه مسؤولية ومن العيار الثقيل أن يقوم كل مسؤول بالأخذ بعين الاعتبار أن الاختيار المهني هو أمانة تجاه الأطفال والشيوخ والمسنين والفقراء والضعفاء لان من يقود السفينة عليه أن أيضاً يرتقي لسقف توقعاتهم وآمالهم وأحلامهم.
الكاتب: إعلامي وعامل اجتماعي جماهيري ومختص في الإدارة العامة
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net