رزان بشارات في مقالها:
قررتُ كسر القيود الفكرية الموروثة والبَحث وراء الحقيقة - حقيقة انتمائي لقريتي المهجرة معلول
هنالك مُركبات ودوائر ننتمي إليها تختلفُ من إنسان لآخر وهذا يرتبط بسيرورتنا الذاتية التي بها نتعمق مع ذاتنا بتأثيرات خارجية
والحقيقة هي حقيقة أننا مُبرمجين وفق آلية معيّنة تعدها مؤسسات الدولة التي تتركب من عدة مكونات تحارب إنتماء المواطن الفلسطيني لوطنيته الاصلية في الداخل
أقتدتُ الى ذلك المُربع المظلم، بإشارات من العادات والتقاليد المجتمعية وبسيّطرة الأنظمة السياسية والثقافية والاقتصادية، أقتدتُ الى ذلك الصندوق المُحصّن المتين، الذي بدأت اتوارث قصصه واذوّت مضامينه من خلال الرضوخ للمؤسسة الاولى "عائلتي" والتربية التي تلقيتها أيضاً بمدرستي، جامعتي، وكل مؤسسة تقوم بترسيخ حصانة الثبات وحَجز الفِكر لبلورة فكرة واحدة أساسية وهي "القطيع" والتبعية.
بدأ الظلام بالإنقشاع رويداً رويداً حتى استطردتُ أفكار المُربع وعندها أُصبتُ بصراعٍ لا متناهي ونظرتُ إلى دمعات عينيه وحنينه لذكريات الطفولة، والارض القاحلة التي ترتطم بها الحجارة مع التربة والاشجار الشامخه وتلكَ الاشجار المنحنية التي تُناشد الارض بالنهوض والثوران.
حدثني كثيراً حتى نسيتُ بعض الكلمات وكلمات اخرى علّقت في ذهني وإخترقت ابواب قلبي حيث غَدت قضية مهمة واساسية تلمع في ذهني لرفع الوعي وبلورة هوية وطنية فلسطينية تُرسّخ حقوقي الإنسانية في الحرية والكرامة والعودة والمساواة.
وقال: "هون كانت الدار.. ايوا هون.. هون دارنا"
وعندئذ ادركتُ ان هذه الأرض القاحلة، هي تاريخي، روايتي، والماضي الذي لو لم يكن لم أحيا، وبدأت افهم ماضي لم احيا به لكنني عاهدتُ نفسي أن احيا لأجله، وخضتُ المعاناة من تجاعيده التي تزركش خطاه في معلول، ومن قصصه التي كانت تروي ظمئي الانساني وواجبي الوطني بترسيخ قوة التاريخ وترسيخ ارادة الصراع داخلي، نعم هذا جدي ابو عرسان، الذي ما زالت روحه تقطن في نسمات معلول.
قررتُ كسر القيود الفكرية الموروثة والبَحث وراء الحقيقة - حقيقة انتمائي لقريتي المهجرة معلول ، حقيقة التعذيب والترهيب والتخويف لابناء شعبي، حقيقية الازدواجية التي تلعب دورا كبيرا في صقل هويتي وأتخاذ قراراتي، حقيقة العودة ومعارضة عودة اللاجئين الى ديارهم، حقيقة أن نكبتي وألمي وحزني وانتشال عمق رهيب لتاريخي هو فرحهم وانتصارهم واستقلالهم.
حقيقة التطهير العرقي لثقافتي، وانتمائي وتهميش روايتي الفلسطينية، وزخرفتها بمعتقدات طاغية.
والحقيقة هي حقيقة أننا مُبرمجين وفق آلية معيّنة تعدها مؤسسات الدولة التي تتركب من عدة مكونات تحارب إنتماء المواطن الفلسطيني لوطنيته الاصلية في الداخل.
وجدير بالذكر ان هنالك مُركبات ودوائر ننتمي إليها، تختلفُ من إنسان لآخر، وهذا يرتبط بسيرورتنا الذاتية التي بها نتعمق مع ذاتنا بتأثيرات خارجية، وهذه التأثيرات لها علاقة مباشرة او غير مباشرة مع العادات والتقاليد والدين والعائلة والتربية وكل ما تُصَوره آلتنا الذهنية من مَشاهد وتَصرفات، من خلالها نكوّن أفكارنا التي تقودنا إلى بَلورة هويتنا وَوِفقها نَتخذ المواقف والتصرفات.
وهنالك الدوائر التي تُضيق الخِناق علينا، تُضيقَه بطريقة فذّة، وما علينا سوى البَحث عن الحقيقة والمعرفة بالقراءة والتجربة والتفكير ووجود اتجاه فكري مستقل من كل تأثيرات هامشية واخضاع الفكر لنقد ثابت.
علينا البَحث عن هويتنا الفلسطينية ايضاً من خلال كشف معالم الفئات المستضعفة في المجتمع (نساء، اصحاب اعاقات، اطفال ومسنين) وحينها نَخط بقلمنا ونرسم خارطة لتحقيق تغيير إنساني شامل ونبني معاً الهوية الإنسانية العُظمى.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net