حسان حيدر في مقاله:
قبل نحو أسبوعين ومع بداية جولة المفاوضات الأخيرة حول ملفها النووي، أعلنت إيران أنها زودت «حزب الله» صواريخ من طراز «الفاتح» البعيد المدى والدقيق الإصابة مؤكدة أنها ستواصل تسليح ذراعها اللبنانية
اذا كان الحزب يريد فعلاً تحرير أراض لبنانية محتلة فلماذا قبل بوقف إطلاق النار وبانتشار قوات دولية في جنوب لبنان ولم يكمل المعركة التي بدأها بنفسه قبل ثماني سنوات؟
كأنه لا يكفي لبنان فساد سياسييه، وجشع اقتصادييه، وطمع تجاره، وانهيار مستوى مدارسه وجامعاته وارتفاع أقساطها، وتفريق شعبه بين الطوائف والمذاهب والعائلات، ونقص الكهرباء والماء، وانعدام الأمن والأمان، وخلو رئاسته، وتعطيل برلمانه، وعجز حكومته... حتى يكون مطلوباً منه أيضاً تحمل نتائج الكارثة السورية بشقيها الإنساني والعسكري، ومحاربة إسرائيل وحده، والتصدي لصلفها بقوته المتواضعة، وأن يكون مطلوباً منه الالتحاق كلياً بالمحور الذي تقوده إيران ولا يحمل من «الممانعة» سوى اسمها، بعدما تبين أن المقايضة مع «الشيطان الأكبر» بلغت مرحلة متقدمة.
فقبل نحو أسبوعين، ومع بداية جولة المفاوضات الأخيرة حول ملفها النووي، أعلنت إيران أنها زودت «حزب الله» صواريخ من طراز «الفاتح» البعيد المدى والدقيق الإصابة، مؤكدة أنها ستواصل تسليح ذراعها اللبنانية.
ولم يمض وقت طويل قبل أن يشن الطيران الإسرائيلي غارات على مطارين سوريين في دمشق ومحيطها استهدفت مخازن أسلحة وصواريخ، مرسلة إلى «حزب الله» الذي خسر بعض عناصره في القصف. وتعهدت تل أبيب عدم السماح للحزب بالحصول على أسلحة متطورة، ما يعني أن الغارات ستستمر وقد تطاول لبنان.
وإذا كان كل عدوان إسرائيلي مستنكراً ومداناً أياً تكن أهدافه، فإن الأسئلة التي يحار اللبنانيون في العثور على أجوبة لها هي: لماذا لا يزال الحزب يتسلح بهذه الكثافة، ولماذا يحتاج صواريخ متطورة وبعيدة المدى لا تملكها حتى دول في المنطقة، طالما أنه لم يعد عملياً في «حال حرب» مع إسرائيل منذ هدنة 2006، وطالما أن سيده الإيراني قرر التوصل إلى حلول تفاوضية لمشكلاته مع الأميركيين؟ وأيضاً، لماذا يحتاج الحزب ترسانة بهذا الحجم والتطور، فيما يدعي أنه يريد حواراً داخلياً في لبنان، خصوصاً مع ممثلي السنّة، لتخفيف التوتر المذهبي الذي يهدد البلد، وسببه الأساس خروج الحزب على سيادة الدولة، وتشكيله قوة مسلحة خارج الأطر الشرعية، وتعطيله المؤسسات الدستورية والإجماع الوطني؟
قد يكون لدى «حزب الله» وجمهوره، من دون سائر اللبنانيين، أجوبة جاهزة، وفي مقدمها أن هناك «أرضاً لبنانية لا تزال محتلة»، وأن المعركة مع إسرائيل «معركة وجود»، وأنه «لا يمكن الوثوق بالكيان الصهيوني»، وأنه يحق له الدفاع عن أرضه وشعبه وفق مبدأ «الردع المتبادل»، وهي شعارات قد تجد من يتفق معها نظرياً، لكن المشكلة تكمن في بعدها عن الواقع.
فإذا كان الحزب يريد فعلاً تحرير أراض لبنانية محتلة، فلماذا قبل بوقف إطلاق النار وبانتشار قوات دولية في جنوب لبنان ولم يكمل المعركة التي بدأها بنفسه قبل ثماني سنوات؟ ومن يتحكم بتوقيت «التحرير» فيخوض فيه حيناً ويمتنع حيناً آخر؟ وهل هناك أمثلة في العالم على «حروب تحرير» متقطعة ليس معروفاً لماذا تبدأ ولماذا تتوقف؟ وهل إبقاء لبنان وشعبه رهينة المزاج الإيراني المتقلب بحسب موازين القوى الداخلية في طهران وعلاقاتها بالعالم، يخدم تحرير الأرض اللبنانية؟
وإذا كان «حزب الله» يطلب خصوصاً من سكان الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت المغلوبين على أمرهم، أن يظلوا مستعدين للموت في سبيل تحقيق أهداف إيران في المنطقة، بما في ذلك ما يقدمه قرابين من شبانهم على مذبح النظام السوري، فهل سألهم مرة رأيهم في مصيرهم وما يجرهم إليه؟ وهل يجرؤ على تنظيم استفتاء حر بسيط يختارون فيه ماذا يريدون؟
فلتستعرض إيران في شوارع طهران الفسيحة ما تشاء من الصواريخ بطرازاتها وقياساتها المختلفة، لكن الوصول غير الضروري لبعضها إلى لبنان لن يجلب لهذا البلد سوى الدمار والخراب، من دون أن يكون له تأثير فعلي في تعديل ميزان القوى مع إسرائيل، بل هو مجرد وسيلة أخرى لتعزيز أوراقها في التفاوض مع «شياطين» الغرب، يتكبد اللبنانيون كلفتها على كل صعيد.
المقال ات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net