محمود مرعي في مقاله:
قصة الماء بالثلج ببساطة هي أن يسكب أحدهم سطلاً من الماء فيه ثلج أيضًا على رأسه وتتبع ذلك صرخته نتيجة لسعة البرد هذا كل ما في الأمر لكن في الغرب حين يريدون الترويج لأمر يرفقون الشروح بـ(دراسات علمية وأبحاث، ومن ذوي الألقاب العالية، دكتور، بروفيسور) وهي كلها مبرمجة ومعدة مسبقًا حتى تؤدي النتيجة التي رسموها بداية
صرعة جديدة حملها الجنون الغربي، وعلى قول جداتنا (ما في شيب يجي من الغرب بيسر القلب)، آخر الصرعات التي لطشت ولحست عقول الناس، هي صرعة، تحدي الماء بالثلج وسكب سطل الماء بالثلج على رأس المسطول الملحوس عقله، وتحول الأمر إلى جمعيات خيرية تجمع تبرعات لكذا وكذا، وانضم للصرعة عالم واسع من المصاريع، وكأن الأمر بطولة لا يقدر عليها إلا الأبطال، وليس في الأمر أي بطولة ولا تميز ولا يحزنون، بل أرى فيه أننا نجري خلف كل ناعق هناك، ولو قال إن ماء البحر عسل لرحلنا إلى البحر وأقنعنا أنفسنا أن ماء البحر المالح الأجاج عسل، رغم أنف ملوحة البحر.
قصة الماء بالثلج، ببساطة هي أن يسكب أحدهم سطلاً من الماء فيه ثلج أيضًا على رأسه، وتتبع ذلك صرخته نتيجة لسعة البرد، هذا كل ما في الأمر، لكن في الغرب حين يريدون الترويج لأمر يرفقون الشروح بـ(دراسات علمية وأبحاث، ومن ذوي الألقاب العالية، دكتور، بروفيسور) وهي كلها مبرمجة ومعدة مسبقًا حتى تؤدي النتيجة التي رسموها بداية، ونحن أمام (الدراسات العلمية والأبحاث والأسماء والألقاب) نغدو بلا إرادة، ضعافًا نحتقر أنفسنا ونتهم ذواتنا بالتخلف ونتبعها مباشرة، وفي سطل الماء والثلج، أرى من ابتدع هذه الصرعة متخلفًا ووجد متخلفين ينعقون خلفه.
سبقناهم بقرن وأكثر
في بلادنا، وفي منطلقة الجليل وغيرها، زمن الانتداب البريطاني على فلسطين، وربما في أزمنة سابقة، كان الماء شحيحًا ولا وجود لشبكات المياه كما هو الحال اليوم، فقد كان الاعتماد على عيون الماء في كافة احتياجات الناس على الأغلب، نتيجة الفقر، ومما كان والدي، رحمه الله، يحدثنا عنه في طفولتنا، قصص الرَّحاريح أو حَمَّام الرَّحاريح، فالاسم مطابق للحدث والفعل، والرَّحراح وجمعه رَحاريح، هي أماكن تجمع الماء، سواء الجُرون الصخرية في البراري أو الحفر، كبيرة كانت أم صغيرة، هذه الرَّحاريح كانت في فصل الشتاء، أيام المربعانية، تمتلئ بالماء، ونتيجة البرد الشديد يتجمد سطحها، كأنه جليد، ولشح الماء يومها، تصبح الرَّحاريح برك سباحة وحمَّامًا، وكانوا يأتون الرَّحراح، يكسرون طبقة الجليد ويخلعون ملابسهم الخارجية ويغتسلون في الرَّحراح نتيجة القلة، ويكون هذا الحمَّام في العراء والبراري وتحت المطر والبرد، واسألوا كبار السن في كل بلد ممن جاوزوا السبعين وما فوق، أمدَّ الله في أعمار آبائنا وأجدادنا، ستجدون أنهم جميعًا اغتسلوا بالرَّحاريح، سعيًا للنظافة وليس وراء وهْم بطولة، لكن إذا قسنا بطولة الماء بالثلج مع بطولة حمَّام الرَّحاريح، فسترجح كفة حمَّام الرَّحاريح على صرعة مصاريع الغرب ومن تبعهم منا، لكون حمَّام الرَّحراح يجمع بردين، برد الشتاء وبرد ماء الرَّحراح المتجمِّد تقريبًا، وصرعة الماء بالثلج يمارسونها صيفًا وهم بملابسهم ولا تعدو حفنة ماء تنسكب على رؤوسهم، بينما كان أجدادنا يغطسون عراة في الرَّحراح وفي شتاء كانون وبرده، وبحساب بسيط فإن حمَّام الرَّحراح سبق صرعة الماء بالثلج قرنًا من الزمان وأكثر، والسؤال متى نفكر ونكف عن اتِّباع كل ناعق هناك؟.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net