يقول البعض:ان الهزيمة شيء مرعب، تحيل الرجال الى هياكل اّدمية مخصيّة. والمهزوم سوف يحيا فارغا من اية مقوّمات ايجابية.
ان الهزيمة تلقي بظلالها السوداء على جوانب الحياة. يمكن ان تكون قد تبدّلت صورة المثقف بعد ان ابتعدنا عن هزيمة سيعة وستين ربما تكون لا زالت تراوح مكانها.
ان رائعة عبد الرحمن منيف تحدّث عن شخصية ( زكي النداوي) في رائعته(حين تركت الجسر) يتحرك بطلها ضمن مساحة ضيّقة هل دخل هذا العالم دون اختيار.
هناك عبارة شيّقة تقول ان المهزوم اذا ابتسم افقد المنتصر لذة الانتصار، ان الهزيمة تعود الى مفهوم السلطة في عالمنا العربي.
لقد صرّح السيد هشام عبد الرازق وزير شؤون الاسرى: ان المعتقلين قد تمكّنوا من تحصيل 90% من مطالبهم ولكنّه اكّد في المقابل انه لايعلم
شيئا عن حقيقة الاتفاق مع اسرائيل حول قضية الاسرى.
هذه الارض المحروقة تحت اقدام المعتقلين ومن حولهم تشير الى الهزيمة الاخلاقية التي منينا بها، هزيمة في الصميم صميم (ميتوس) التراث الثوري الفلسطيني.
يقول قسطنطين زريق: اذا رصد المرء مسيرة العرب في العقود الاخيرة وجد مناسبات عدّة لتسجيل نكبات اخرى وتحليلها، اذ ان هذه النوائب ليست محصورة في الحروب وهزائمها وخسائرها بل تمتد الى نواحي كثيرة في الحياة، فهناك نكبات في شؤون الحكم، وفي العلاقات ا لخارجية
وابرزها خروج مصر السادات عن الاجماع العربي،وفي السياسات الاقتصادية الخاطئة المهدرة للاموال والتي تعيق النهضة في الخطط الاجتماعية والتعليمية وفي استشراء الفساد في كثير من الوجوه.
ان تاْخر الداخل هو الذي يستقدم غزو الخارج.
لا يمكن ازاحة المسؤولية في الهزيمة عن العرب باسقاطها جملة وتفصيلاعلى الاستعمار لان الاستعمار لايلام ان تصرّف تماما كما كان متوقعا ان يتصرف.
ان من يقراْ الهوامش لنزار قباني الشاعر الدمشقي المشهور يحسّ انه يتكلم باسمنا نحن الذين تلقفنا الهوامش كالعطشى نروي بها ظماْ السنين والحرمان من المشاركة الفعلية في الحياة السياسية وخاصة عندما يقول:
(مالحة في فمنا القصائد
مالحة ضفائر النساء
والليل والاستار والمقاعد
مالحة امامن الاشياء )
وتحوّلت مقاطع عديدة من قصيدة ( هوامش على دفتر النكسة) الى شعارات نرددها ولقد صدقنا نزار قباني عندما قال
( يا وطني الحزين... حوّلتني بلحظة
من شاعر يكتب شعر الحب والحنين
لشاعر يكتب بالسكين )
ولطالما اثار غضب كثيرين عندما كتب قصيدة ( خبز وحشيش وقمر) عندما انتقد المجتمع العربي المهووس بالدين والشرب وما الى ذلك من اسباب الرجعية والغيبية والكسل وانظر معي اخي القارئ قصيدة نزار ( انا يا صديقتي متعب بعروبتي) التي اثارت سخط امراء النفط اذ الهبت ظهورهم كاْنّها سياط تلسع مؤخّراتهم فاستشاطوا غضبا لانهم لايرون سوى النفط الذي باعوه لاشباع نهمهم وتبرجهم في اوروبا وامريكا واني انصحك صديقي القارئ ان تتمتع يقراءة هذه القصيدة لتفهم يلاغة الماْساة العربية التي نحن بصددها وعندها تدرك الهزيمة التي نحن بصددها.
انك تلمس الغربة التي هي نتيجة الهزيمة التي جعلت العرب جميعا في خانة المهزومين، تلمس هذه الغربة في الشعر العربي عامة، فالشاعر العربي عندما يتحدّث عن الاغتراب يشكو مجتمعه بتركيبه وتقاليده وسيطرة هذه التقاليد على الذهنية الاجتماعية ويشكو غياب الحرية وهو ما يدفع الى التقاطع بين الشاعر ومجتمعه فكريا اجتماعيا وسياسيا فيكون بذلك مهزوما.
المفارقة هي انّ الشخصية العربية المعاصرة تفاخر بمثالها الموروث رغم استنادها الى اعظم دينين المسيحية والاسلام، رغم مفاخرة الشخصية العربية بهذا المثال المورو ث، فيما يبدوواقع هذه الشخصية فقيرا مجديا ، تردد هذه الشخصية العربية الاّيات والاحاديث عن الفضائل والقيم، وتسلك في ضديّة هذه وتلك، تطلق العنانللحى وتكبح جماح الفضيلة، تطيل البنطال وتقصر عن الصدق ، تكذب كذبا صريحا وتدافع عنه بجراْة وقحة، تنكص عن طلب الحقيقة طالما ان الطريق اليها شاق وربما تستمئ الزيف طالما كان ميسورا ، ترى الظلم ولا تثور عليه طالما ان الله شهيد على الظالم.
ان المثال المدني يكره رؤية المهزومة اما المثال الديني فسصوّر المهزوم( مظلوما) قهرته قوى الشر، اما المثال العلماني يسمي المهزوم بظلا يقاوم الفساد او يصرع الظلم والاستبداد ويناضل من اجل التقدم.
من هنا تنبع المفارقة الكبرى بين المثال الاخلاقي الديني والمثال الاخلاقي الحديث ومن هنا تنبع هزيمتنا كعرب.
اغلب الاحصائيات العالمية تشير الى تخلف العرب وعدم قدرتنا على اللحاق بالامم في المستويات الثقافية والفكرية والاجتماعية والتعليمية والعلمية، لكن وسائل الاعلام الرسمية لا تنفك تتحدّث عن الانجازات العظيمة التي تحققها الانظمة والحكام العرب.
اما نتيجة كل ما سيق اننا مهزومون نفسيا وخلقيا واجتماعيا فتنبهوا واستفيقوا يا عرب
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net