ما هو اليقين ؟
ما الذي يمكن ان نعتبره يقيني ؟
كيف نفرز اليقيني من الايماني ومن الظني والاحتمالي والترجيحي ..؟
هناك ( أيقنة ) كثيرة .. يقين المؤمن الذي يستدل على صحة موضوعه بالشعور والوجدان اكثر من الاستنتاج العقلي ..
هناك يقين عقلي يُبنى على قياسات واستدلالات منطقية ..اليقين السحري المتحول بتحول الظاهرة .. كما لدى الشعوب البدائية ..
اليقين الخرافي الذي يحاكم الواقع بالخيال المجرد .. واليقين الاسطوري الذي يركِّب من الخيال صورا عن العالم الماورائي ، بمقاييس حسية فوق طبيعية ..
اليقين بالنسبة لي هو ما تدركه بنفسك بصورة مباشرة وبكلية الوعي ...
اليقيني يصح فقط لما هو حاضر مباشر ، بل ولما هوغير قابل للتحول والتغير والغياب .. فليس اليقين بالشعور الوجداني وحده ، ولا بالاستنتاج العقلي وحده ..
اذ ان كلا الشعور الوجداني والاستنتاج العقلي ، يعبِّران عن جزئيات شعورية وفكرية متحوله ومتغيرة ، وقابلة للنسيان ، وصلتهما بالموضوع غير مباشرة .. فان صح الاستنتاج العقلي بالقياس في موضوعات داخل نطاق الخبرة الحياتية .. لا يصح بالضرورة خارجها ، من حيث اختلاف الازمنة والامكنة والبيئات .. ولذلك اعتبر القياس العقلي في نطاق الخبرة الحياتية المباشرة يقيني نسبي .. وفيما يتعلق بعوالم اخرى بعيدة ، ظني وترجيحي ..
فاليقيني تمامًا هو وجودك الذاتي فقط .. لكن ليس الذي تدركه بفكرك فقط ، لان فكرك يتغير لكن وجودك ثابت .. ويمكن ان تجهل معلومات عن نفسك وتنسى حتى اسمك .. لكنك لا تفقد يقينك بوجودك وبانك موجود في كل الحالات .. ولذلك لا تصح تماما هنا مقولة ديكارت : انا افكر اذن انا موجود ..لان الفكر نفسه يتوقف – مثلا – عند النوم العميق في السبات لا يوجد فكر وتفكير ، مع ذلك وجودنا يظل قائم ومستمر ، نستيقظ دون شعور بكم من الوقت نمنا ، وهذا ايضا دليل على ان الزمن شيء فكري ، او مرتبط بالفكر . بينما الذات شيء مطلق الوجود ، مع فكر وبدون فكر ،ومع ذاكرة وبدون ذاكرة ، مع تغيرات زمنية وبدونها ..
طيب ماذا نصنع بهذا اليقين .. ما قيمته في ذاته ؟
العقل الغربي والياباني – الصيني – ويصح ان نقل العقل المعاصر .. يترجم اليقين الى قيم انتاج في جميع المجالات والمستويات .. الى انتاج يعني في السياسة الى ادارة داخلية وخارجية والى عسكرة وسيطرة .. وفي العلم والثقافة الى الجديد والاجد والاكثر اثارة وادهاش ... ويدخل في كل مستويات الترجمة اليقينية المعاصرة عموما، استثمارات اقتصادية ومالية ..هو يقين تنافسي تصاعدي ، توسعي ، انتشاري ..
نزعة اساسية وسمة واضحة في هذا اليقين الغربي : انه مبني على ظواهرية الوجود .. ولا يعني العقل المعاصر – عموما – اي هم يتعدى الظاهر من الحياة الى ما وراءها من روح واسرار .
خلا بعض المؤسسات الدينية التقليدية .. وبعض مراكز التنوير الفلسفي والروحي ، التي اتت من الشرق – الهند خصوصا - ..
لكن يحق ويصح ان نسأل هذا العقل الغربي العالمي المعاصر .. ثم ماذا .. والى اين ؟
وهل حقق هذا العقل بكل ما انجزه غاية وجود الانسان .. او الغاية من وجوده .. ؟ ام اقتصرت مهمته على اختراع ردود وحلول ، لمشاكل هي من اختراعه اصلا .. او في معظمها ؟
هذا ما تطرحه العرفانية التجاوزية ... لتقل : ان اليقين اللاتأكدي تجاه اللحظة القادمة ، يعمل العقل الغربي دائما ، على استباقه وادراكه بخطط واختراعات وردود جديدة تلائمه ، وهو هنا يقين احتمالي وترجيحي ، اذ ان احدا لا يدري ما الذي تقترحه التحولات الكونية الكامنة في الغيب ..
ولذلك فان الغيب يحتاج منا لاحد امرين اثنين لا ثالث لهما ، وهما : اما ايمان باله نعلق عليه امالنا بسعادة واستقرار يتجاوزان العمر القصير .. او كشف روحي صوفي عرفاني عن الغيب نفسه ، باعتباره ذاتنا ووعينا المستتر باشواقنا واحزاننا وظواهرنا الطبيعية وغير الطبيعية ..
طبعا هذا ليس اقتراحا واقعيا .. اذ هو اصلا غير اختياري تماما وغير عملي للمعظم .. نحن لا نستطيع توزيع هذا اليقين على الناس ، او توجيههم اليه بصورة علمية منهجية تماما – رغم اعتقاد البعض امكانية ذلك – فبروز اليقين الروحي التجاوزي اقرب الى الصدفة ، او القفزة ، او الطفرة ، وليس نتيجة تراكم تطوري ، او نتيجة تخطيط وإعداد .. ورغم ان مبدأ الوجود الروحي هو ذاته في الجميع ، وهو أساس الوجود الفكري والشعوري ، فاليقين بهذا المبدأ لا زال يحصل لقلة قليلة.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net