الدكتور أحمد ناصر في مقاله:
دراسات وأبحاث كثيرة طرحت وناقشت العلاقة بين الثقافة العربية ومنظومة الحداثة الغربية غير أنّ معظم هذه الدراسات أشارت إلى وجود تعقيدات وتناقضات في الفكر الحداثي مقارنة بالثقافة العربية عامة
لا نبالغ لو قلنا إنّ الباحثين العرب على كثرتهم لا يجرؤون على النهوض بهذا العبء علمًا أن الباحث العربي يجب ان يقدم نظرة لحقيقة الثقافة العربية التي تتشابك اليوم بأحداث العالم على وجه العموم بأكثر مما تداخلت في أي وقت مضى
إنّ واقع الثقافة العربية في بلادنا يشير إلى أن الباحثين والمفكرين العرب أخطأوا وما زالوا يخطئون فهم مصطلح "الحداثة"، سواءً في الادب والفكر أو في الدين والفلسفة. وإن ثقافتنا لم تنجز بعد استحقاقات الحداثة، إذ ما زالت تفكر وتعيد صياغة نفسها وفق تصور اجتماعي وثقافي أفضل ما يوصف بأنه واقع "ما قبل الحداثة"، علمًا أنّ الثقافة الغربية تجاوزت واقع الحداثة، التي ما زلنا نستجديها ونبحث عنها، نحو مرحلة "ما بعد الحداثة" أو ما يعرف بفلسفة العلوم والتكنومعلوماتية.
دراسات وأبحاث كثيرة طرحت وناقشت العلاقة بين الثقافة العربية ومنظومة الحداثة الغربية، غير أنّ معظم هذه الدراسات أشارت إلى وجود تعقيدات وتناقضات في الفكر الحداثي مقارنة بالثقافة العربية عامة. ولعل رفض الحداثة في ثقافتنا كان نتيجة واضحة لعدم المعرفة الفلسفية والفكرية والثقافية لدى الادباء والنقاد العرب مما يجعلهم غير قادرين على التمييز بين المصطلحات الأدبية الجديدة الوافدة من الغرب مثل: أدب الحداثة، وأدب المعاصرة، والأدب المحدث أو "التحديث"، ولعل ما أشار اليه الباحث الدكتور محمد خضر عريف في معرض حديثه عن مصطلح الحداثة يستحق الإشارة إذ يؤكد على وجود خلط بين مصطلح الحداثة (Modernism)، والمعاصرة (Modernity)، والتحديث (Modernization). (راجع كتاب "الحداثة مناقشة هادئة لقضية ساخنة، ص 11-12) " والغريب في الأمر أن جميع هذه المصطلحات تعرف وتترجم باسم "الحداثة" رغم الاختلاف في مضمونها ونهجها وفلسفتها. ونحن نعلم أنّ الحداثة لم تظهر كنزعة أدبية أو نقدية خالصة، بل نمت وتطورت كمصطلح عالمي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالثورة على الواقع المعيش والعمل على تغييره. وهذا يعني، على الصعيد الأدبي، أنّ كلّ نصّ أدبي تقليدي غير ثائر، وغير رافض للواقع ولا يرتبط بفلسفة ثورية، يبقى مكبلًا في قيود الماضي لا يتجاوز طور التقليد ومحاكاة الموروث.
رفض العالم
ولعلّ ما قاله الشاعر الكبير أدونيس" شيخ الحداثة العربية " في شرحه للحداثة يزيد الأمر تعقيدًا إذ يقول: "... إن الإنسان حين يحرق النهج التقليدي يتساوى بالله، وإن التساوي بالله يقود إلى نفيه وقتله، فهذا التساوي يتضمن رفض العالم كما هو، أو رفضه كما نظمه الله، والرفض هنا يقف عند حدود هدمه، ولا يتجاوزها إلى إعادة بنائه، ومن هنا كان بناء عالم جديد يقتضي قتل الله نفسه. وبتعبير آخر، لا يمكن الارتفاع إلى مستوى الله إلا بهدم صورة العالم الراهن وقتل الله نفسه ". هذه هي الحداثة بمضمونها الفلسفي الذي ينسف كل مكونات النهج السائد في عالمنا العربي ويشكل عقبة أمام الانطلاق الفكري والثقافي والفلسفي والانتاجي. وأودّ هنا الاّ أغفل الإشارة إلى أبرز المفكرين والمثقفين العرب الذين انشغلوا بفلسفة الحداثة في القرن العشرين إلى جانب الشاعر العربي السوري أدونيس، مثل المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد، والمفكر المغربي عبد الله العاروري، والمفكر الجزائري محمد أراغون وغيرهم ممن تعاملوا مع الحداثة منذ نشأتها حتى الوقت الحاضر كضرب من المحاولات الخطرة. وربما يعود السبب في ذلك إلى أنّ مصادر الحداثة الحقة لم تشغل بال الأدباء العرب عامة ولم تخضع للتحليل النقدي المقارن. ولا نبالغ لو قلنا إنّ الباحثين العرب على كثرتهم لا يجرؤون على النهوض بهذا العبء، علمًا أن الباحث العربي يجب ان يقدم نظرة لحقيقة الثقافة العربية التي تتشابك اليوم بأحداث العالم على وجه العموم بأكثر مما تداخلت في أي وقت مضى. والسؤال الذي ينبثق مما تقدم، هل يمكن لأدبائنا ومفكرينا أن يقبلوا بمثل هذا النهج؟!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net