غسان حجار في مقاله:
صار البطل من يخرج أوّلاً من سوريا وربما تكون الحكومة حكومة الوحدة المدخل الى تحصين داخلي تفتح المجال أمام الهروب من المستنقع السوري فننجو جميعاً وننقذ لبنان
الحريري يدرك جيداً حجم الخسائر المتنامي يوماً بعد آخر بفعل الصراع السوري ومعه يدرك "حزب الله" جيداً أن ايران تنازلت كثيراً رغم كل البروباغندا الاعلامية للظهور في موقع المنتصر
لعل البطل اللبناني، في هذه المرحلة، هو مَن يمضي في عملية التأليف والمشاركة في حكومة وحدة وطنية، تقي لبنان الشر المستطير من الصراع المتفجر السني الشيعي الممتد في طول العالم الاسلامي وعرضه. الاشارة الى السباق انطلقت، ومعها هرع المعنيون الى ارسال اشارات الانفتاح واطلاق مبادرات حسن النية. أول المبادرين كان النائب وليد جنبلاط، الأسرع في التقاط الذبذبات، بل مطلقها ومحركها في أوقات. واليه انضم الرئيس سعد الحريري، في توقيت حرج جداً له ولعائلته ولمناصريه، وربما لحلفائه السياسيين، الذين لم يلتقطوا اللحظة في أوانها. الحريري زعيماً، هو غير سعد الحريري نجل رفيق الحريري الذي وقع ضحية جريمة كبيرة، لذا صرح في يوم انطلاق المحكمة الخاصة بلبنان، بأنه يقبل الجلوس مع "حزب الله" في حكومة وحدة وطنية.
يدرك الحريري جيداً حجم الخسائر المتنامي يوماً بعد آخر، بفعل الصراع السوري. ومعه يدرك "حزب الله" جيداً أن ايران تنازلت كثيراً، رغم كل البروباغندا الاعلامية للظهور في موقع المنتصر. ويدرك الطرفان ان النزاع السوري بدأ يحرق كل الاصابع. ولعل أفضل وصف لحالهم، أطلقه الوزير السابق جان عبيد، عندما قال ان اللبنانيين ينقسمون فريقين. الأول يدعو نفسه الى الحريق في سوريا، والآخر يدعو الحريق في سوريا اليه. والحريق في بدايته يلزمه "سطل" من الماء، اما اذا امتد واستمر واندلع فلا يكفيه "سطل ولا بحر من الماء". لكن الأهم من وصف الحال المرضية هو العلاج، اذ قال ان "الجميع تدخلوا ودخلوا في الشأن السوري، لكن البطل منهم من سيخرج أوّلاً من الصراع".
من هنا يمكن قراءة الموقف الحريري الشجاع، فأهالي المناطق الحدودية شمالاً وبقاعاً يعانون الأمرّين، وأهالي عرسال محاصرون، والوضع الأمني في البلاد على كف عفريت، والحركات الأصولية المتشددة بدأت تنتشر، والحركات التكفيرية التي تنادي بالانتحار تطغى على عقول شبان كثر. وحال غيره من الأطراف ليست أفضل، فـ"حزب الله" يدفع الأثمان الغالية، في الداخل السوري، وفي الداخل اللبناني، بعدما فشل في أمنه الذاتي، وفي حماية ناسه ومصالحهم، إن في لبنان أو في دول العالم، وتحديداً في العالم العربي.
هذا هو الحريق الذي لا يوفر أحداً، والذي كان "سطل" من الماء كافيا لاطفائه، فيما لو أدرك كل الأفرقاء أن مصلحتهم هي في ما تضمنه "اعلان بعبدا" من اعتماد تحييد لبنان، لكن الجميع أيضاً مضى في خيارات الآخرين، ورهاناتهم التي أثبتت عقمها. من هنا صارت الحاجة الى بحر من الماء ينظف اللون الأحمر القاني الذي يسيل هنا وهناك، حاصداً من أرواح اللبنانيين. وهنا صار البطل من يخرج أوّلاً من سوريا، وربما تكون الحكومة، حكومة الوحدة، المدخل الى تحصين داخلي، تفتح المجال أمام الهروب من المستنقع السوري، فننجو جميعاً وننقذ لبنان.
*نقلاً عن "النهار" اللبنانية
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net