أبرز ما جاء في مقال يوسف عواودة – مدير جمعية إعمار للتنمية والتطوير الاقتصادي:
لقد تم تجريد الإنسان الفلسطيني من أرضه التي كانت تمده بأسباب الحياة ليلجأ لصاحب العمل والمشغّل الإسرائيلي وليلجأ قبلها إلى الحاكم العسكري للحصول على تصريح للخروج إلى العمل وهكذا تمت عملية صناعة الفقر وتوظيفه في فرض الواقع الجديد
تطور الجانب الاستهلاكي دون الجانب الانتاجي هو تطور اقتصادي مشّوه وغير حقيقي يصب في مصلحة المنتج والمصنّع الإسرائيلي أما تطور الإنتاج والتصنيع في المجتمع الفلسطيني فمعناه الانفكاك من أصر أغلال التبعية
أمام مثل هذه السياسات علينا أن نعي ضرورة ترشيد استهلاكنا وأن لا نقع في دوامة الديون والقروض لتمويل كماليات وترفيات
تعددت السياسات الاقتصادية الاسرائيلية تجاه المجتمع الفلسطيني في الداخل منذ النكبة إلى يومنا هذا، ولكن هدف هذه السياسات بقي واحدا ووحيدا، وهو تكريس تبعية وتعلّق الفلسطيني – إنسانا ومجتمعا- بالاقتصاد الإسرائيلي وبالتالي قبول ومعايشة الواقع السياسي.
في البداية ومع حدوث النكبة عام 48 ومن أجل فرض واقع سياسي جديد على من تبقى من المجتمع الفلسطيني، كان لا بد من سياسات اقتصادية صارمة تنطلق مما يسمى بنظرية "مزيّة الفقر" التي تؤمن بأن الفقر يدفع بالفقراء إلى العمل والاجتهاد، وهكذا يصبح الإفقار سياسة مطلوبة في نظر أصحاب هذه النظرية.
لقد تم تجريد الإنسان الفلسطيني من أرضه التي كانت تمده بأسباب الحياة ليلجأ لصاحب العمل والمشغّل الإسرائيلي، وليلجأ قبلها إلى الحاكم العسكري للحصول على تصريح للخروج إلى العمل، وهكذا تمت عملية صناعة الفقر وتوظيفه في فرض الواقع الجديد، وقد استمرت هذه السياسات على هذا النحو لغاية سنوات السبعينيات، وهذا ما تؤكده وثيقة "كيننغ" المشهورة إبّان يوم الأرض.
سياسات جديدة قديمة
ثم جاءت سياسات جديدة في شكلها، قديمة في جوهرها وهدفها. فلقد تزايد عدد الفلسطينيين في الداخل، ولقد أصبحت إسرائيل عضوا في المجتمع الدولي وعليها أن تتصرف تصرف الدولة الطبيعية، ولقد اشتد عود الاقتصاد الإسرائيلي، وبالتالي ليس من المصلحة بل لعله من الخطر (في نظر صانعي السياسات في اسرائيل) الاستمرار في ذلك النهج، فكان لا بد من سياسات اقتصادية تتناسب وهذه الظروف الجديدة، سياسات في ظاهرها تحسين للمستوى المعيشي، وفي باطنها مزيد من تكريس التبعية، فقد تم تحويل المجتمع الفلسطيني في الداخل إلى مجتمع استهلاكي وإيهامه بتحسن وضعه الاقتصادي، ففتحت البنوك الإسرائيلية فروعها في القرى والمدن العربية وبدأت بتقديم التمويل اللازم لهذا الاستهلاك، أما تمويل هذا البنوك لقطاع الأعمال العربي فكان وما زال متواضعا مما يؤكد أن الهدف هو دعم النشاط الاستهلاكي دون النشاط الانتاجي. فتطور الجانب الاستهلاكي دون الجانب الانتاجي هو تطور اقتصادي مشّوه وغير حقيقي، يصب في مصلحة المنتج والمصنّع الإسرائيلي، أما تطور الإنتاج والتصنيع في المجتمع الفلسطيني فمعناه الانفكاك من أصر أغلال التبعية، الأمر الذي يتناقض مع هدف السياسات الاقتصادية الإسرائيلية، وعليه فليس من المستهجن أنّ 2.4% فقط من المناطق الصناعية في البلاد تتواجد في البلدات العربية.
أمام مثل هذه السياسات علينا أن نعي ضرورة ترشيد استهلاكنا وأن لا نقع في دوامة الديون والقروض لتمويل كماليات وترفيات، وأن نحيي ثقافة الادّخار الذي هو أساس الاستثمار من أجل تطوير الإنتاج والصناعة، فمن حقنا أن نحيا كراما على أرضنا.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net