يقول ابن الاثير في كتابه : " الكامل في التاريخ" عن معركة عين جالوت :"لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها، كارها لذكرها، فأنا أقدم إليه (رجلا) وأخر اخرى، فمن الذي يسهل نسيا منسيا، إلا أني حثني جماعة من الاصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعا، فنقول: هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقت الأيام والليالي عن مثلها، عمت الخلائق، وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى ادم، وإلى الآن، لم يبتلوا بمثلها، لكان صادقا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها. عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك ؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسياُ منسيا.
ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله بخت نصّر ببني إسرائيل من القتل، وتخريب البيت المقدّس، وما البيت المقدّس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من البلاد، التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدّس، وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى من قتلوا، فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم، وتفنى الدنيا، إلا يأجوج ومأجوج.
وأما الدجال يبقي على من اتبعه، ويهلك من خالفه، وهؤلاء لم يبقوا على أحد، بل قتلوا النساء والرجال والأطفال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لهذه الحادثة التي استطار شررها، وعم ضررها، وسارت في البلاد كالسحاب إستدبرته الريح، فإن قوما خرجوا من أطراف الصين، فقصدوا بلاد تركستان مثل كاشغر وبلاساغون، ثم منها إلى بلاد ما وراء النهر، مثل سمرقند وبخارى وغيرهما، فيملكونها، ويفعلون بأهلها ما نذكره، ثم تعبر طائفة منهم إلى خراسان، فيفرغون منها ملكا، وتخريبا، وقتلا، ونهبا، ثم يتجاوزونها إلى الريّ، وهمذان، وبلد الجبل وما فيه من البلاد إلى حد العراق، ثم يقصدون بلاد أذربيجان وأرانية، ويخربونها، ويقتلون أكثر أهلها، ولم ينجُ إلا الشريد النادر في أقل من سنة، هذا ما لم يسمع بمثله. ......عند دخولهم لأيّ بلد كان ،كانوا يقتلون جميع من وقف امامهم فأما الباقون فقد هربوا الى الغياض ورؤوس الجبال وفارقوا بلادهم واستولى التتار عليها في اسرع زمان... هذا لم يطرق الاسماع مثله، فإتفق المؤرخون بانّ الاسكندر لم يملك الدنيا بهذه السرعة إنما ملكها في نحو عشرين سنة. ولم يقتل احدا إنما رضي من الناس بالطاعة. اما هؤلاء فقد ملكوا جميع الارض المعمورة واعدل اهل الارض اخلاقا خلال سنة ولم يبقَ احد إلا وهو خائف منهم يتوقعهم ويترقب وصولهم إليه."هكذا يصف ابن الاثير هذه الحقبة من تاريخ الاسلام!
في اوائل القرن السابع الهجري الموافق الميلادي ظهر ت قوة التتار وحتى نفهم الاسباب التي ادت الى هذه القوة الضاربة علينا معرفة واقع تلك الحزمة من الزمن. ففي تلك الفترة كانت قوتين ضاربتين على وجه الارض:
-الاسلام المسيطر على مساحات شاسعة على وجه الارض والتي ضمت الخلافة العباسية التي ضاعت هيبتها.
1- الحجاز واليمن والشام ومصر- التي كانت في ايدي الصليبيين حتى هزيمة "حطين" بقيادة صلاح الدين ،في تاريخ 4-7-1187م، بعدها قسّمت هذه الدولة الى ممالك تناحرت فيما بينها وضيعت مكاسب "حطين".
2- بلاد المغرب والاندلس وغموضها خاصة بعد موقعة" العقاب" سنة609هجرية.
3- دولة خوارزم التي كانت تمتد من الصين شرقا حتى ايران غربا وكانت على خلاف كبير مع العباسيين وكانت في زمانها حروب كثيرة مع السلاجقة وغيرهم من المسلمين.
4- الهند: التي حكمها الغوريون وكانت بينهم وبين دولة خوارزم حروب كثيرة.
5- دولة فارس: وكانت على خلاف مع العباسيين – وهؤلاء الفرس يختلفون بالعقيدة فيظهرون الاسلام ويبطنون المجوسية.
6- الاناضول: تركيا اليوم: وكانت في هذه الجعبة من التاريخ في فترة من الذلّ والهوان.
اما القوة الثانية :
- الصليبيين:
فالصليبين الذين كانوا في اوروبا الغربية حيث معاقلهم فيها وحقدهم على المسلمين خاصة بعد معركة" حطين" بقيادة البطل الفذ صلاح الدين الايوبي.
إذن من هم التتار يا ترى؟
التتار كلمة تعني عند الصينيين البدو ومعناها العام الاتصاف بالفروسية والشجاعة التي كانت تنطبق على حياة هؤلاء الناس في السابق وكثير من العلماء يروْنَ انهم هم المغول الذين اتوا من منغوليا . وهم شعوب من داخل اسيا في بلاد الصين ومنغوليا وفيتنام وكوريا وتايلاند واجزاء من سيبيريا ولاووس ومينمار ونيبال وبوتان اليوم ، كما يطلق عليهم اسم " المغول"، ومن هذه القبائل الترك والسلاجقة. أماّ مؤسس هذه الدولة –دولة التتار- "جنكيزخان" 1167-1227م وكان ظهورها سنة 603هجرية وكانت عاصمتهم كراكوروم(بكين حاليا). اما معنى الاسم جنكيز خان – الرجل القوي ، قاهر العالم، او ملك ملوك العالم، مقل شاه ايران عندما كان لقبّ نفسه ب-"شاهٍ شاه" او معمر القذافي عندما اطلق على نفسه لقب"ملك ملوك افريقيا". كان جنكيزخان مجرما يحب سفك الدماء وكان قائدا عسكريا كما كانت له القدرة على التأثير عل سامعيه وتجميعهم فراح يحتل الاراضي شرقا وغربا شمالا وجنوبا وكان كالفيل الهائج يضرب ويكسر ويقتل ويدمر كل من كان في طريقهم. خيولهم تحفر بحوافرها الارض وتقتات من نبات الارض ولا تعرف الشعير او بقية الحبوب كما تعرفها بقية الدواب فكانت كل حاجياتهم معهم .كان التتار يتميزون بعدة ميزات تخصهم عن غيرهم منها:
- اعدادهم هائلة.
- قساة القلوب لا رحمة فيها
- ترتيب في نظام الحكم لا يعرف له مثيل.
- قيادة عسكرية بارعة.
- يتحملون الظروف القاسية .
- سرعة رهيبة في الانتشار.
- مددهم معهم دائما من الدواب والاعلاف لها .
- L
كانت ديانتهم الديانة الطوطمية وهي عبادة ظواهر طبيعية ( مثل الصواعق والبرق والرعد ) كما يعبدون الخنزير والذئب والكواكب ويسجدون للشمس عند شروقها ولا يعترفون بديانة سماوية كما انهم كوّنوا ديانة جديدة بعدها وهي خليط من اديان مختلفة فبعضها من المسيحية وبعض من شرائع الاسلام ومن يأتيها اكثر من رجل واحد من هنا لا يُعرف والد الولد . يأكلون لحوم الحيوانات . مثل الخنزير والقطط والكلاب : كان اجتياحهم لبلاد المسلمين ابتلاءً لم يبتلوا مثله من قبل ، فما نقول الا كما قال تعالى" انا لله وانا لله راجعون" وما سهلّ لهم ذلك الا اختلاف المسلمين بعضهم مع بعض والتنافس على الدنيا لأنّ " خوارزم شاه محمدا" كان قد استولى على البلاد وبقي السلطان الوحيد على جميع البلاد فعندما انهزم منهم لم يبقَ من يدافع عنها. هذا ما حدث ايام الاجتياح الصليبي لبلاد الشام وما يحدث لبلاد المسلمين اليوم!! حروبهم تخريبية ، خراب تام لكل من يوجد امامهم، يدمرون كل شيء ابادة جماعية لا فرق عندهم بين محارب ومسالم يقتلون النساء والاطفال الشيوخ والرضّع كما انهم هتكوا اعراض النساء وخاصة الابكار منهن والناس ينظرون ويبكون ومن المسلمين من قاتل حتى الموت !! ففي خوارزم قتلوا في خوارزم قتلوا سبعين ألفا كلهم شهداء إن شاء الله ، وفعلوا في سمرقند مثل ما فعلوا في بخارى. كانوا يشّقون بطون الحبالى ويقتلون الأجنّة وكانوا يفجرون بالمرأة ثمّ يقتلونها وكان الواحد منهم يقتل الجماعة واحدا واحدا بدون معارضة احد من المسلمين! ففي احدى المعارك عندما صعب عليهم احتلال ، قتلوا جميع الدواب والناس وألقوا بعضهم فوق بعض فصارت الجثث تلاّ عاليا فصعدوا عليه مما سهلّ عليهم الاشراف على المدينة وقاتلوا اهلها ففي خراسان قتلوا في يوم واحد سبعمائة إلف قتيل من المسلمين! فلا عهد لهم شرسين الطباع تستحي الحيوانات من شراستهم ، قوتهم همجية بشعة يحرقون كل ما يصادفهم والغريب انهم يدعون انهم جاءوا ليقيموا الدين!
بعد ان مررنا على حروب التتار الكثيرة في ارجاء الارض المعمورة في تلك الايام ،محطتنا التالية بغداد عاصمة الخلافة الاسلامية آنذاك!
خراب بغداد
بعد وفاة جنكيزخان تولى حكم البيت المغولي إبنه منكوفان بن تولوي بن جنكيزخان واعتلى العرش سنة 1250م فأرسل أخاه الاصغر هولاكو لغزو ايران والبلاد الاسلامية وقضى على طائفة الاسماعيلية والخلافة العباسية.
كان هولاكو من القادة العسكريين المدربين المخضرمين فأخذ معه 120 ألف جندي مدربين احسن تدريب على فنون القتال ومزودين بأفضل الاسلحة وادوات الحصار في تلك الايام، وخرج من عاصمة المغول كراكورم –بكين اليوم- سنة 1253م(651هجرية) متجها الى الغرب وكانت سمعة جنوده مرعبة قبل التوغل والاقتحام ودبّ الخوف والهلع في نفس كل من سمع عنه! فعند وصولة الى ايران قضى على طائفة الاسماعيلية وقتل زعيمهم " ركن الدين خورشاه". بعد ان قضى على الطائفة الاسماعيلية ارسل الى المعتصم بالله – الخليفة العباسي رسالة سنة 1257م ( 655هجرية) يدعوه فيها بتدمير كل حصون بغداد واسوارها ويهدم خنادقها ويأتي إليه طائعا وإلاّ سيحّل الدمار والخراب في بغداد ولن يبقى احدا على الحياة فيها. كان ردّ الخليفة شديدا ودعا هولاكو الى الرجوع الى بلاده وفي رسالة تهديد ثانية لهولاكو وافق الخليفة بدفع اموال لهولاكو اذا وافق الرجوع عن بغداد، فعندها اشتدّ لعاب هولاكو اكثر فأكثر وارسل رسالة اخرى شديدة اللهجة الى المعتصم فخاف المعتصم منها خوفا شديدا. وقد أشار على الخليفة وزيره الشيعي"مؤيد الدين ابن العلقمي "بالخنوع لكن مجاهد الدين أيبك المعروف بإسم الدويدار الصغير رفض الاقتراح واقنع الخليفة بالمقاومة
وتقبل الخليفة رأي مجاهد الين ايبك. هاجم هولاكو بغداد ب 200 ألف جندي ولم يستطع جنود الخليفة الصمود امام هولاكو وجنوده فما كان من الخليفة الا ان سلمّ المدينة الى هولاكو بعد ان ملاطفة هولاكو له وخرج اهل البلد من الاسوار عندها انقضّ عليهم المغول وقتلوهم جميعا ولم يسلم منهم لا إمرأة ولا طفل وقيل انّ عدد القتلى وصل الى مليون وثمانية الف شهيد وقيل مليون شهيد.ودمروا المساجد وهدموا القصور واحرقوا الكتب القيمةّ ورموا بعضها في نهر دجلة وقيل انهم كانوا يقطعون النهر على جسر من الكتب وقيل انّ مياه النهر اصبحت زرقاء من حبر الكتب وقيل انها اصبحت حمراء من دم القتلى!! كما انهم قتلوا الكثير من العلماء وبعد ذلك قاموا بحرق المنطقة بالنار بعد تدميرها وخربت ودمرت الكثير من معالم الفن الاسلامي واستمرّ ذلك اربعين يوما!! بعد دمار بغداد رجع هولاكو الى بلاده ولم يرجع بعد الى المنطقة بل ترك الجيش بقيادة ابنه كتابكا ولنا لقاء معه في عين جالوت.........
يتبع....
المصادر:
1-الكامل في التاريخ- ابن الاثير.
2-قصة التتار من البداية حتى عين جالوت- الدكتور راغب السرجاني.
3-معارك اسلامية فاصلة.
4- الجزيرة نت.
عرب الصبيح
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net