المنظمة الكائنة في فيينا في بيان لموقع "العرب": إصرار السلطات المصرية على مواصلة أسلوب المحاكمات العسكرية لشخصيات مدنية معارضة والتكتم عليها يندرجان ضمن سلسلة الانتهاكات المتزايدة بحق المعارضين
استقبلت منظمة "أصدقاء الإنسان الدولية"، بكثير من الاستغراب القرار الذي أصدرته يوم أمس الثلاثاء، محكمة مصرية غير مختصة بالسجن على عشرات الأشخاص، بضمنهم شخصيات عامة في مصر وخارجها، ومعظمهم من الأكاديميين ذائعي الصيت في الحياة العامة المصرية، ومنهم المهندس خيرت الشاطر النائب الثاني لمرشد "جماعة الإخوان المسلمين"
فقد أصدرت محكمة عسكرية حكمها على أشخاص مدنيين، في قضية ذات طابع مدني تتعلق بالنشاط المالي لـ"جماعة الإخوان المسلمين" الممثلة في البرلمان وغير المرخّص لها والتي تعدّ المنافس الرئيس للحزب الحاكم (الحزب الوطني الديمقراطي)
وحسب الشواهد والوقائع؛ فإنّ المحاكمة ومعها الأحكام الصادرة عنها، تتنافى وأبسط المعايير القانونية، وتمثل تجاوزاً صارخاً لصلاحيات السلطة التنفيذية وجهازها العسكري
وتودّ "أصدقاء الإنسان الدولية" وقد تابعت تطوّرات هذه القضية، تثبيت اعتراضها الجوهري على قانونية المحاكمة، أساسًا لعدم اختصاص الجهة التي نظرت في القضية، وهي المحكمة العسكرية، مع التذكير في الوقت ذاته بأنّ هذه المحكمة بصفتها تلك؛ هي جهاز غير مستقل، بل يتبع السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة الدفاع، أما أمر الإحالة إليها فجاء من رئيس الجمهورية السيد محمد حسني مبارك، وفق الأنظمة المعمول بها
وبهذا فإنّ هذه المحاكمة ترسم صورة قاتمة عن هيمنة السلطة التنفيذية بجهازها العسكري وأذرعها الأمنية، على الحياة العامة في مصر، ويضع مبدأ الفصل بين السلطات موضع تساؤل
لقد قوبلت هذه المحاكمة ابتداءً بإدانة واستنكار متواصليْن من المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، ولكنّ صدور الحكم يوم الثلاثاء، الخامس عشر من نيسان (أبريل) 2008، يبرهن بوضوح
على تجاهل السلطة التنفيذية المُطبِق للاعتراضات الحقوقية المتواصلة، كما أنه فاق كافة التقديرات التي استبعدت لجوء السلطة التنفيذية المصرية وعلى هذا النحو المفاجئ لإصدار قرارات بالإدانة الجماعية والسجن لعديد المحالين إلى هذه المحكمة العسكرية
ومنذ صباح يوم أمس الثلاثاء، قام عناصر من الأمن بعضهم يرتدي زيًّا مدنيًّا، بقمع أهالي المعتقلين، الذين تجمّعوا خارج مقرّ المحكمة العسكرية الواقع على أطراف القاهرة، بعد أن تم منعهم من حضور وقائعها
وأفاد شهود عيان لـ "أصدقاء الإنسان الدولية"، بأنّ أقارب المعتقلين من شتى الأعمار كانوا يريدون حضور المحاكمة، لكنّ عناصر الأمن منعوهم من ذلك، ثم قاموا بتفريقهم واعتقال عشرات منهم
وحمل بعض المواطنين الذين تواجدوا في المكان لافتات كتبوا عليها "الحرية لدعاة الإصلاح"، و"مطلبنا العدالة لدعاة الإصلاح"
وقال الشهود إنه تم كذلك منع صحافيين ومصوِّري صحافة كانوا متواجدين في الموقع من تأدية مهامهم، إلى درجة مصادرة شرائح الذاكرة من كاميراتهم واعتقال عدد منهم، وذلك بعد منعهم من دخول المحكمة
وفرضت السلطات المصرية ستارًا من التعتيم الشديد على مجريات المحاكمة، كما تكتمت على نتائجها التي رشحت عبر مصادر غير رسمية، بحيث لم تتمكن "أصدقاء الإنسان الدولية" من التحقّق منها
فقد صدرت أحكام بالسجن على خمس وعشرين من الشخصيات على الأقل، تتراوح بين ثلاث سنوات وعشر سنوات، وتم تبرئة خمسة عشر آخرين
ولا تخضع قرارات هذه المحكمة العسكرية للاستئناف، كما لا تتوفّر فيها مواصفات المحاكمة العادلة، فضلاً عن انتفاء إمكانية الدفاع الفعلي عن المُحالين إليها
ويرى "أصدقاء الإنسان" المقيمة في فيينا، في بيان وصلت "العرب" نسخة عنه، أنّ "إصرار السلطات المصرية على مواصلة أسلوب المحاكمات العسكرية لشخصيات مدنية محسوبة على الجسم الرئيس للمعارضة المصرية، أي "جماعة الإخوان المسلمين"، وإصدار أحكام السجن هذه ضمن ملابسات متكتم عليها وإحاطة وقائعها بطوق من السريّة؛ يندرجان ضمن سلسلة الانتهاكات المتزايدة التي تمارسها السلطات المصرية بحق المعارضين والناشطين النقابيِّين والمدوِّنين، والمعبِّرين إجمالاً عن آراء لا تنسجم مع السياسة الحكومية ممن ينتمون إلى شتى شرائح المجتمع"
فهذه الأحكام العسكرية تصدر بعد قرابة عشرة أيام من إضراب دعت إليه مجموعات مصرية معارضة، أبرزها حركة "كفاية"، في السادس من نيسان (أبريل) الجاري
كما أنها تأتي إثر الاضطرابات التي شهدتها مدينة المحلّة (شمال القاهرة) التي توقف فيها عمّال الغزل والنسيج عن
العمل للمطالبة بتحسين نظام الأجور المتقادم والذي لا يفي برأيهم بشروط العيش السوي في ظل التضخم الاقتصادي وغلاء الأسعار
وقد أدّت الاضطرابات إلى وقوع عدد من الجرحى في مدينة المحلّة توفي منهم لاحقاً صبيّ أصابه طلق ناري بينما كان في شرفة منزله، حسب إفادة تلقتها المنظمة، دون أن تتاح فرصة التحقيق في ملابسات الواقعة من جهة مستقلة
وتمنح التقارير التي جمعتها "أصدقاء الإنسان الدولية" الانطباع بأنّ أجهزة الأمن الحكومية أفرطت في بعض الحالات في استخدام القوة بحق المعتصمين والمضربين والمتظاهرين في السادس من الشهر الجاري، كما اعتقلت قرابة 255 شخصاً على خلفية الدعوة لإضراب عام في مصر في ذلك اليوم، منهم قيادات في حركة "كفاية" المعارضةً
وتلفت "أصدقاء الإنسان" انتباه كافة الجهات المعنية، إلى أنّ صدور الأحكام العسكرية، أمس الثلاثاء؛ قد يعبِّر في مغزاه العام عن إرادة سياسية حكومية لتقويض أي حضور للمعارضة في الحياة العامة المصرية
فذلك اتجاه بدا ملحوظًا منذ أن أفرزت انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) عام 2005 زيادة كبيرة في نسبة الأصوات التي حصل عليها المرشحون من غير "الحزب الوطني الديمقراطي" الذي يتفرّد بحكم البلاد، وخاصة المستقلون المحسوبون على "جماعة الإخوان المسلمين" غير المرخّص لها، والذين حققوا تقدّمًا كبيرًا بفوزهم بما يزيد على ثمانين مقعدًا في المجلس
وإنّ مسلك السلطات في حال دون تمكّن مرشحي هذه الجماعة من خوض انتخابات مجلس الشورى (مجلس ممثلي المحافظات) سنة 2007، وأخيرًا الانتخابات البلدية (محليات 2008)؛ ليعزِّز مصداقية الاتهامات التي تتحدث عن توجّه صارم لدى السلطة التنفيذية و"الحزب الوطني الديمقراطي" الحاكم يمنع المعارضة من خوض أية منافسة ديمقراطية حرّة على أصوات الناخبين، والعمل على قمع أبرز القوى المعارضة في البلاد بغرض إضعافها
وبناء على ذلك، فإنّ منظمة "أصدقاء الإنسان الدولية": تؤكد عدم قانونية المحاكمات العسكرية التي أجريت لهذه المجموعة، واعتبارها انتهاكًا من جانب السلطة التنفيذية وإخلالاً بمبدأ الحياد القضائي
ويترتب على ذلك اعتبار الأحكام الصادرة عنها، الثلاثاء الخامس عشر من نيسان (أبريل)، باطلة ولا تستند إلى أساس قانوني يُعتدّ به، وتطالب بموجب ذلك بالمسارعة إلى إلغاء الأحكام الصادرة؛ تبدي قلقها البالغ جراء ما تخلّل المحاكمات العسكرية من تجاوزات عدّة، بما في ذلك عنف السلطات الذي اشتكى منه ذوو المعتقلين يوم المحاكمة والذي استهدف الصحافيين والمصوِّرين الصحافيين؛ تطالب بإطلاق سراح كافة المعتقلين على خلفية التعبير عن الرأي أو النشاط المدني السلمي في مصر؛ تشدِّد على ضرورة امتثال السلطات التنفيذية المصرية لالتزامات
حقوق الإنسان المتمثلة في حرية التعبير عن الرأي والموقف السياسي، وحرية التجمّع، وحرية العمل النقابي، وحرية الانضواء في جمعيات وأطر نشاط عام مدنيّة؛ تعرب عن قلقها من أنّ ما تشهده الساحة المصرية في الأشهر والأسابيع الأخيرة من تصعيد في الانتهاكات بحق المعارضين والنقابيين والمدوِّنين وقمعهم، يمثل حالة من التدهور الباعثة على القلق، لجهة حدّة التعامل الرسمي مع المعارضين السياسيين، والتجمّعات النقابية، والتحركات المطلبية، علاوة على تضييق الفرص أمام غير مرشّحي الحزب الحاكم لتسجيل أنفسهم في الدوائر الانتخابية؛ تبدي انزعاجها إزاء فاعلية السلطة القضائية في مصر واستقلاليتها، خاصة مع عدم تسجيل اعتراضات من جهتها على التجاوزات القانونية المسجّلة التي أقدمت عليها السلطة التنفيذية في البلاد، بما في ذلك المحاكمات العسكرية المشار إليها في هذا البيان؛ وأخذًا بعين الاعتبار ما سبق؛ تبقي "أصدقاء الإنسان الدولية" التطوّرات الباعثة على القلق في مصر موضع نظرها، بما في ذلك المحاكمات العسكرية الجديدة والأحكام الصادرة عنها