كميل فياض:
حياتنا على الارض من خلال علاقتنا العاطفية بأنفسنا هي تمثيلية وتمثيلية بنسختها القديمة ذاتها
عدم معرفتنا لهدف وجودنا الحقيقي يجعلنا نتفنن في خلق اهداف كثيرة هي عوائق تحول بيننا وبين ذلك الهدف
فقدنا الصلة بوعينا الاساس الذي تكمن فيه مطالبنا الجوهرية من حرية واستقرار وراحة وطمأنينة ووجود جعلنا نسعى لطلب مضامينه وصفاته تلك من اغراض العالم الحسي
علاقتنا بانفسنا عادة علاقة تملأها العاطفة الذاتية والشفقة ، والقناعة باننا ضحية وبان الآخرين لا ينصفوننا .. وكثيرا ما تشبه علاقتنا بانفسنا علاقة امرأة بمسلسل عاطفي درامي ،تتفاعل معه تذرف الدموع على احداثه رغم معرفتها بان الذي تشاهده مجرد تمثيل .
اجل حياتنا على الارض من خلال علاقتنا العاطفية بأنفسنا هي تمثيلية ، وتمثيلية بنسختها القديمة ذاتها ، مهما كان المُخرج ذكيًا والمؤلف مجددا ، ومهما اغدق المنتج عليها من امكانياته ، وهم هنا – اي المؤلف والمخرج والمنتج - ارباب الدعاية والتجارة والصناعة والعقائد والسياسات المختلفة ، وهم عقولنا وعواطفنا ايضا .. ان صراعاتنا واطماعنا ببعضنا ومخاوفنا تعود جميعا وفي الجذر الى العلاقة الباطلة والكاذبة والخادعة بانفسنا اولا .. وهذه سببها تماهي الوعي الاساس الحقيقي فينا باللحم والدم الذي اتخذ شكل واسم ومعنى انسان في الوعي ذاته ،حاجبا اياه بذلك ، وجاعلا فيه منه هوية عارضة مزيفة لذاته .. وقد انطلق منها بكل ما قام ويقوم به تاريخيا منذ حصل التزاوج بين الروح والجسد اول مرة – سواء ذلك في الذكر والانثى – والطلاق اخيرا هو الحل ، في حل العلاقة غير المتكافئة بين الروح والجسد .. لكن ليس بالقوة الغاشمة ، او بالانتحار فذلك يعيد التزاوج في حال أبأس وأسوأ ، انما بالعمل على الاستيقاظ العرفاني ، حتى نميز بين ذاتنا الجوهري الذي لا يموت ، وبين ذاتنا الفردية الشخصية العرضية .. نحن كلحم ودم لا نختلف في شيء عن الحيوان ، مهما منحنا صورتنا الجسدية صفات عليا ومهما البسناها ملابس انيقة.
ضرورات
إن فقدنا الصلة بوعينا الاساس الذي تكمن فيه مطالبنا الجوهرية من حرية واستقرار وراحة وطمأنينة ووجود ، جعلنا نسعى لطلب مضامينه وصفاته تلك من اغراض العالم الحسي ، فيما يتعدى الضرورات ، بعد ان اعلينا قيمتها في الوعي وفي الشعور بما يتكافأ مع الوعي الاساس نفسه .. لكن ذلك مستحيلا فلا يوجد ما يتكافأ مع الوعي الاساس في هذا العالم ، اذ ان كل شيء ملموس وحسي ، هو متحول متغير وزائل ، بينما الوعي ثابت وباق ، حيث لولا ثباته وبقاءه فينا ، لما احطنا علما وشعورا بتحول وتغير وزوال الاشياء .
هدف وجودنا
ان عدم معرفتنا لهدف وجودنا الحقيقي يجعلنا نتفنن في خلق اهداف كثيرة ، هي عوائق تحول بيننا وبين ذلك الهدف .. هي امراض إدمانات حجب ، هي " كارما " ، أي قدَر ، نعيد خلقه وصناعته بنفس مخاوفنا ورغباتنا وضجرنا .. حين تذهب للطعام في غير جوع فتزيد في تخمتك .. حين تبدل اثاث باثاث دون ضرورة لمجرد التجديد .. حين تراكم زوايا بيتك بالتحف والتماثيل والمزاهر .. حين لا تلبث من العودة من رحلة حتى تكون عقدت النية لسفر آخر ولو على حساب ما هو اضر واحوج .. ولا تنتهي من ورشة حتى تكون في ورطة ورشة اخرى .. وما تنتهي من مشروع حتى تكون خائض في آخر سواه .. وكل ذلك عند التحقيق من قبيل طلب الهدف من غير موضعه .. كالعجوز التي تبحث عن الابرة حيث يوجد الضوء لا حيث فقدتها .
حياة الحيوان
إننا مع كل ذلك وسواه في الواقع لا تختلف حياتا في الجوهر عن حياة الحيوان .. نولد ننمو نقيم بيتا نتزوج نعمل نكبر نشيخ ونموت ..
الحيوان ايضا يمر في كل ذلك ، لكن مع اقل جهد واقل ايغو بكثير .. نحن عندما فقدنا هدف وجودنا الحقيقي، حوّلنا وسائل عيشنا لاهداف ، ورحنا نتنافس عليها وحول من يملك اكثر واجمل واعلى والمع واثمن الخ . في الوقت الذي نولد فيه ونموت مثل سائر الكائنات ، تاركين كل خزعبلاتنا الفارغة وراءنا مثلها . لكننا مع ذلك لا نتعلم .. ويبدو اننا كبشر لا نريد ان نعرف ما يجب معرفته من وجودنا .. الالم والضجر والحزن والغربة والخوف من المجهول، والحرص على المقتنيات والممتلكات ، ومآسينا المختلفة ، كل ذلك لا يشكل الى الآن دافعا كافيا لايجاد الهدف الحقيقي اوالسعي اليه .. بل كلما اشتد الشعور بالنقص اكثر ، امعنا في تحويل وسائل وجودنا المؤقت الى غايات نتنافس في سبيل تحصيلها ، وقد جعلنا منها مقاييس ونورموت للكرامة والسعادة والنجاح .. ولا زال البعض الى ذلك يتكل على خرافات المعتقدات الدينية المختلفة ، من وعود بالخلاص وبالجنة والحياة الخالدة السعيدة ، كعوض لا شعوري عن ايجاد الحقيقة ، في حين هي وعيهم الاساس الذي لا يفارقهم لحظة دون انتباه.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net