يوسف شداد رئيس تحرير موقع العرب في مقاله:
من الصعب أن يكون الاعلام العربي في يومنا محايدا أمام المشهدين السياسيين الدمويين في سورية ومصر وبالتالي السؤال لمن ينحاز؟ للنظام أم للشعب؟
منذ أن انطلقت الشرارة الأولى لربيع الشعوب يتعرض الاعلام العربي لضغوط سياسية تفرضها السلطات والفئات الحاكمة والأمنية بحجة الحفاظ على " المصلحة العليا"
الاعلام العربي يرضخ للضغوط لتنفيذ سياسات اعلامية لم يكن يؤمن فيها البتة منها الصمت حينما يجب أن يتكلم ويخرج بموقف صريح أو الكذب والتضليل والتزوير تلبية للأوامر الصادرة من أعلى هيئات الدولة أو نقل أنصاف الحقائق للجمهور أو التحريض على العنف
وسائل اعلام عربية تروج لمفهوم "الانقلاب الناعم" وهو مصطلح سياسي صحفي يسوق أي انقلاب عسكري تراه وسائل الاعلام بعيون ايجابية..اليوم "انقلاب ناعم" وغدا "جريمة ناعمة"
هنالك اعلام مقتاد خلف مصالح ومطامع القائمين عليه مستغلا حنكته وبلاغة محرريه وقوته على مستوى نقل الصوت والصورة ليتحول فورا الى بوق يخدم جهة واحدة
أين المسؤولية التاريخية الملقاة على اكتاف الاعلام العربي في الحفاظ على مكانه المحايد الذي يضمن له قول الحقيقة بجرأة والمساهمة في خلق أجواء اقل شحنة في الشارع ؟
كنت أرغب كصحفي أن اشهد للإعلام العربي بأنه اعلام المواقف الكبيرة والنظيفة بالأخص عندما يكون الحديث عن مصر وسورية عصب الأمة العربية
عن أي انقلاب ناعم نتحدث ودماء المصريين تسيل في الشوارع؟ يا لها من نعومة! إنها نعومة من يستل خنجره ويغرزه في قلب الوطن لا يهم اخوان او جبهة انقاذ او أنصار الاحزاب المعارضة فكلهم بشر ما هذا التهريج؟
طرحي لا يبرئ الرئيس المصري السابق محمد مرسي من سياسة داخلية استبدادية عمياء دفع ثمنها بعد أن أعادت الشعب المصري الى أيام طيور الظلام
أظهرت أحداث مصر الدامية صورة صحفية لا وجهين لها تجسد قوة الاعلام الرهيبة في التأثير على أفق تفكيرنا ومحاصرته وتمييعه ومراوغته وتوجيهه بشكل مباشر أو مبطن لينصب في خانة ومصلحة واحدة تقررها وسيلة الاعلام أيا كانت فضائية تلفزيونية أو صحيفة يومية أو اسبوعية أو محطة اذاعية، بمواقفها المعارضة للإخوان المسلمين أو المؤيدة لجبهة الانقاذ والجيش المصري.
النظام أم الشعب؟
من الصعب أن يكون الاعلام العربي في يومنا محايدا أمام المشهدين السياسيين الدمويين في سورية ومصر وبالتالي السؤال لمن ينحاز؟ للنظام أم للشعب؟. منذ أن انطلقت الشرارة الأولى لربيع الشعوب يتعرض الاعلام العربي لضغوط سياسية كبيرة جدا تفرضها السلطات والفئات الحاكمة والأمنية بحجة الحفاظ على "المصلحة العليا" ، وتجبره على الانحياز لموقف معين، وتدفعه لتنفيذ سياسات اعلامية لم يكن يؤمن فيها البتة، منها الصمت حينما يجب أن يتكلم ويخرج بموقف صريح أو الكذب والتضليل والتزوير تلبية للأوامر الصادرة من أعلى هيئات الدولة، أو انتهاج سياسة الوقوف الى جانب القوي ضد الضعيف، أو نقل نصف الصورة وأنصاف الحقائق للجمهور، أو التحريض على العنف ارضاء لجهة سياسية مسيطرة، وكل ذلك ينضم الى الاعتبارات الاقتصادية التي تلعب دورا بارزا في تحديد مصيره في حال وأن تجرأ وأغضب جهة بارزة تتمتع بنفوذ وهيمنة على مستوى اقتصادي. ومن هذه المنطلقات يبدو أن الاعلام العربي في طريقه لأن يكون مسيرا من ألفه حتى يائه مهما تغنى بالموضوعية والكلمة الحرة والتغطية المباشرة من قلب الحدث.
مواجهة حامية مع المشاهد
لقد وضعت الثورات العربية الاعلام العربي ومصداقيته وحقيقة سياساته الاعلامية وأسلوب تغطيته على المحك، وفي بعض المواقف فضحته وقسمته وأدخلته الى مواجهة حامية مع المشاهد ومتلقي المعلومات الذي أصبح يشكك بقنوات تلفزيونية فضائية كانت مصدره الوحيد للخبر والمعلومة والصورة على مدار سنوات طويلة، وفي لحظة واحدة أصبحت وسيلة اعلامية مشبوهة ومنبرا للتلاعب بحقيقة ما يدور حوله وجعلته يتساءل وبحق، هل كانت وسائل الاعلام التي تابعها بشغف على امتداد السنوات وكان يشهد على كلامها ويدافع عن مواقفها بقوة محايدة طيلة هذه الفترة؟ هل أخفت عنه فسادا؟ هل ضحكت على عقله؟ هل نقلت له صورة مزيفة من ابداعاتها وابتكاراتها وإنتاجها على مستوى الصوت والصورة لاستدراجه لقبول الحقيقة المزيفة للمشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي العام في بلده؟ هل تحالفت مع المجرمين والخارجين على القانون والظالمين وسارقي أموال الوطن واقتصاده وخيراته؟.
ما بعد عزل مرسي
تقودني هذه الكلمات الى ما حدث بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي الذي صعد الى الحكم ترجمة للفرز الديمقراطي ( انتخابات ) وإعلان السيسي قائد القوات المصرية المسلحة عن خلعه في بث مباشر. حينها وما أن نطق بكلماته الأولى حتى بدأت وسائل اعلام عربية الترويج لمفهوم "الانقلاب الناعم" وهو مصطلح سياسي صحفي يسوق أي انقلاب عسكري تراه وسائل الاعلام بعيون ايجابية مقتادة خلف مصالحها ومطامع القائمين عليها، وتتخذ الموقف المؤيد له وتمنحه غطاء شرعيا، مستغلة حنكتها وبلاغة محرريها وقوتها على مستوى نقل الصوت والصورة، لتتحول فورا الى بوق يخدم جهة واحدة، ضاربة بعرض الحائط مسؤوليتها الاعلامية التاريخية في الحفاظ على مكانها المحايد، الذي يضمن لها قول الحقيقة بجرأة ونقلها للمشاهد ، وانتقاد كل الفصائل السياسية المتنازعة بموضوعية وإزالة اقنعتها المزيفة عندما يتوجب عليها القيام بذلك، والمساهمة في خلق أجواء اقل شحنة في الشارع.
مصر وسورية عصب الأمة العربية
كنت أرغب كصحفي أن اشهد للإعلام العربي بأنه اعلام المواقف الكبيرة والنظيفة بالأخص عندما يكون الحديث عن مصر وسورية عصب الأمة العربية. أردته اعلاما حياديا لمصلحة المواطن في العالم العربي الذي يتوق للحرية والعيش بكرامة، لا لمصلحة ملك وأمير ورئيس وحاشية وقادة جيش. فالانحياز الاعلامي لمصلحة المواطن العربي كان برأيي سيمثل أكثر المواقف الاعلامية شجاعة وطهارة وحيادية.
انقلاب ناعم غارق بدماء المصريين
عن أي انقلاب ناعم نتحدث ودماء المصريين تسيل في الشوارع؟ يا لها من نعومة! إنها نعومة من يستل خنجره ويغرزه في قلب الوطن. لا يهم عمن نتحدث...اخوان مسلمون او جبهة انقاذ او أنصار الاحزاب المعارضة ، فكلهم بشر. ما هذا الهراء والاستهتار بالعقول؟ ما هذا التهريج؟. اليوم "انقلاب ناعم" وغدا "جريمة ناعمة" وبعد غد الله أعلم. هل اصبح التشويه أساسا وركنا من أركان بعض وسائل الإعلام التي كنت أتوقع منها أن تتخذ موقفا واضحا شجاعا، وأن تختار حماية المواطن المصري ومساندته في محنته ولا يهم إن كان من الجماعة الاسلامية في رابعة العدوية أو من الثوار في ميدان التحرير وذلك منعا لحرب أهلية، بدلا من أن توظف نفسها خادمة لمصلحة الأنظمة وتماثيل الحكام البرونزية.
مرسي يدفع الثمن
طرحي لا يبرئ الرئيس المصري السابق محمد مرسي من سياسة داخلية استبدادية عمياء، في محاولة للسيطرة على الدولة ومؤسساتها وتقييد حرية الصحافة وملاحقة اعلاميين بارزين وتسخير القضاء والنيابة لمصلحته واهماله لشعبه الفقير الذي ثار على مبارك الفرعون ولن يقبل ولا بأي شكل من الاشكال ان يعيش واقعا يعود به الى أيام الظلام الحالك.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net