عوض عبد الفتاح في مقاله:
أليس من يسطو على أرض مجموعة أصلانية ويشرد أفرادها ويسرق مواشيها ويدمر محاصيلها ويهمل تعليمها مستعمراً؟
قضية النقب هي قضية وطنية عامة تهم شعبنا في كل مكان فهل تندلع الشرارة وهل هناك إمكانية لذلك في ظل الحالة التنظيمية الراهنة؟؟
رغم أن بروز لجنة التوجيه يشكل قفزة نوعية في سيرورة تنظيم وقيادة النضال فإنها نقف أمام تحديات كبيرة وتساؤلات يطرحها الكثيرون من داخلها وخارجها
هل يمكن أن يندلع النقب ويتدفق الشعور الهائل بالظلم إلى السطح ويتخذ أشكالاً غير متوقعة؟ أم أن عامل الصمود والثبات في الأرض هو السمة التي ستظل تحكم الواقع في هذا الجزء من الوطن، فتُكمل إسرائيل مخطط بتجريد الناس مما تبقى لهم من أرض وتستكمل حصارها لحوالي 210 ألاف فلسطيني؟ لقد عملت إسرائيل بلا كلل وبلا رحمة على مدار أكثر من ستة عقود، هم عمر النكبة الفلسطينية الكبرى على تقليم أجنحة هذه المجموعة السكانية العربية، لتبقى تحت السيطرة ضعيفة، وغير قادرة على شيء إلا على البقاء على قيد الحياة.
صمود النقب
صمدت هذه المجموعة في أرضها، صموداً فطرياً وغريزياً بعيداً عن العمل الجماعي وبدون توفر قيادة جماعية عصرية تخطط وتقود، وذلك حتى أوائل السبعينات. هي مجتمع قبلي مكون من عشرات القبائل والعشائر تشترك فيما بينها باللغة ونمط العيش وهي جزء من الشعب الفلسطيني. ولكن هذا المجتمع مرّ، كبقية أجزاء شعبنا، بتحولات عميقة طالت السطح أكثر مما طالت العمق. ويسمى ذلك تحديث قسري وهو مشوّه بطبيعة الحال.
حتى تلك الفترة، غابت الصلة المباشرة والمنتظمة مع أهل الشمال والوسط، ومع هيئاتهم الحزبية والقيادية القطرية. هذا البعد الجغرافي، والتواجد في مجمعات قروية مسلوبة الاعتراف ومقطوعة عن بعضها البعض لغياب البنية التحتية أدى إلى تأخر في نشوء قيادات شبابية متعلمة عصرية تقود الصمود مع أهل الشمال.
التفاعل السياسي والاجتماعي
كان الارتباط الأول والأبرز والأكثر تأثيراً مع أهل الشمال من خلال الطلاب الجامعيين الذين بدأوا يفدوا إلى جامعة بئر السبع منذ السبعينات، فتواصل هؤلاء الطلاب أو الواعون منهم، مع طلاب النقب (على قلتهم آنذاك) وتطور التفاعل السياسي والاجتماعي بينهم. وكنت أنا شخصياً أحد الطلاب الذين تفاعلوا بقوة، تفاعلاً وطنياً عميقاً إلى حد الانغماس مباشرة بالمواجهات مع قوات سلب الأرض، فطالني الاعتقال مع عدد آخر من الطلاب.
كان أهل النقب وبعيداً عن الإعلام يخوضون "أيام أرض" يومياً، أياماً متفرقة يجري خلالها الهجوم عليهم من قبل ما يسمى "بالدورية الخضراء" فتصادر مواشيهم وتهدم خيامهم، ثم يعود أهلها إلى بنائها ومواصلة الحياة.
فترة السبعينات
هذه الفترة (السبعينات) شكلت بداية ملامح حركة وطنية في النقب، قوامها الطلاب في الأساس، والذين تزايد عدداً ونوعاً على مدار الثمانينيات والسبعينيات وصولاً إلى اليوم. واليوم منهم المحاضرون في الجامعة، المحامون، المهندسون، المدرسون والأطباء كما برز منهم النساء المتعلمات والقياديات مثل راوية أبو ربيعة وحنان الصانع وغيرهن الكثيرات، المعروفات وغير المعروفات.
ليس بإمكاننا الخوض بتفاصيل تطور الحراك الثقافي والسياسي والوطني في النقب، في هذه العجالة، ولكن هناك حاجة إلى الوقوف مطولاً أمام هذه التجربة المستمرة لتشخيص مسارها حاضراً واستشرافها مستقبلاً في ظل مخطط الدولة العبرية الإستراتيجي لقمع هذه المجموعة الفلسطينية واحتجاز تطورها الطبيعي لفتح المجال أما المستعمرين الصهاينة. أليس من يسطو على أرض مجموعة أصلانية، ويشرد أفرادها، ويسرق مواشيها، ويدمر محاصيلها ويهمل تعليمها، مستعمراً؟. هل يمكن مواصلة الحديث االناعم عن المشروع الإسرائيلي في ظل تعمق الطابع الاستعماري للدولة العبرية داخل "الخط" الأخضر كما هو خارج هذا "الخط"؟ وهل يمكن الاكتفاء بهذه الوتيرة من العمل والتنظيم؟!
لجنة التوجيه والتحديات
لجنة التوجيه هي أحد الردود الحديثة على مخطط برافر الإقتلاعي. هي شكل من أشكال التنظيم الجماعي الذي يُعتبر ذراعاً للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ومقرها مدينة الناصرة. وقد قامت حتى الآن بالعديد من النشاطات الجماهيرية الواسعة بهدف تحشيد الناس وإعدادهم لمواجهة هذا المخطط الجهنّمي.جاء تشكيل اللجنة تتويجاً لعملية تراكمية نضالية (وثقافية) طويلة، وحافز تشكيلها عاملان:
أولا: تفاعل لجنة المتابعة العليا بصورة أكبر مع قضية الشعب، ومع أشكال التنظيم المعتمدة.
ثانياً: تجربة العراقيب، التي قادها ويقودها الشيخ صباح الطوري. وهذه التجربة وبفضل صمود الشيخ صباح، ومجموعته، وبفضل الحملة الإعلامية الناجحة التي رافقها وتضافر في إخراجها عدد الأطر العربية-اليهودية في النقب وفرّت إلهاماً جديداً للناس، أي حفزتهم على تجديد الروح الكفاحية. ووصل إسم العراقيب إلى العديد من بلاد العالم كعنوان للإضطهاد والسلب الذي تنتجه دولة إسرائيل ضد العرب بشكل عام.
ولكن، ورغم أن بروز لجنة التوجيه يشكل قفزة نوعية في سيرورة تنظيم وقيادة النضال، فإنها نقف أمام تحديات كبيرة، وتساؤلات يطرحها الكثيرون من داخلها وخارجها. وهذه التساؤلات تتعلق بتركيبتها وبالقدرة على تحقيق حشد حقيقي وعلى رفع من وتيرة المواجهة الشعبية. لا تستطيع قيادات اللجنة أن تتجاهل ملاحظات حول هيمنة البعض عليها، وكذلك التساؤل حول مصداقية بعض أعضائها. إذا لم يتم الإجابة عن هذه التساؤلات فقد تتفاقم نقاط ضعفها وتتآكل هيبتها وتتراجع قدرتها على تحقيق قفزة نوعية من الحشد الجماهيري المنتظر لإسقاط المخطط.
ما هو دور الشمال في هذه المعركة؟
قلنا في لجنة المتابعة وأمام الإخوة في النقب، الشرارة يجب أن تنطلق من قلب النقب، وعندها يكون أهل الشمال المساند الأكبر، وهذا يجب أن يتجلى حينها في النزول إلى الشوارع بأعداد كبيرة وبقيادة لجنة المتابعة العليا. لأن قضية النقب هي قضية وطنية عامة تهم شعبنا في كل مكان فهل تندلع الشرارة، وهل هناك إمكانية لذلك في ظل الحالة التنظيمية الراهنة؟؟
الأيام القادمة ستجيب على السؤال.
موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.net